أطفال سوريون في سوق العمل.. ضحايا حرب ولجوء

أطفال سوريون في سوق العمل.. ضحايا حرب ولجوء
الرابط المختصر

أحمد المجاريش- سوريون بيننا

أجبرتهم ظروف الحرب واللجوء على التوقف عن اللعب، فتخلوا عن طفولتهم
وألعابهم وأقلام الرصاص، والانخراط في سوق العمل، سعيا وراء لقمة العيش، مارسوا
أعمال الكبار فتعرضوا للعنف واستغلال فأصبحوا أطفال شقاء وحرمان فلم يعرفوا شيئا
من طفولتهم المدللة.

“بدنا نشتعل شو بدنا
نسوي” قالها ببراءة وعفوية، اللاجئ السوري الطفل “بكر المحمد” ذو العشرة أعوام
الذي ترك مقاعد الدراسة وأصبح يعمل في احدى المحال التجارية لبيع الملابس في مدينة
جرش شمال الأردن لمدة 12 ساعة، أما أجره، فهو عنوان الاستغلال الأبرز؛ اذ يتقاضى
محمد خمسة دنانير يوميا أي أقل من نصف دينار عن كل ساعة عمل يعطيها لامه في نهاية
يومه المتعب.

أم بكر والتي شجعت ابنها على ترك مقاعد الدراسة والانخراط في صفوف العمل
تقول “نحن لاجئين أحسن ما نشحد خليه يشتغل ويساعد والده في مصاريف البيت” ومرددة
بذلك عبارة “خليه يشتغل عشان يصير زلمة الأيام الجاية صعبة كثير”.

قصة الطفل السوري بكر هي واحدة من قصص كثيرة لأطفال ذاقوا مرارة اللجوء
باكراً واتجهوا إلى العمل بدل آبائهم الذين يواجهون عراقيل وصعوبات كثيرة في سوق
العمل.

أما الطفل السوري رياض الموسى (14عاما) يقف وراء احدى البسطات لبيع أدوات
القرطاسية في شارع الذهب بمدينة جرش وينادي المارة بصوته العالي مدللا بضاعته
لإقناعهم بالشراء من بسطته، وينتظر زملائه الذين بقوا في مقاعد الدراسة ليأتوا
اليه ويشتروا منه الاقلام والدفاتر والألوان.

ترك الموسى مقاعد الدراسة منذ ثلاثة أعوام وانخرط في سوق العمل لكسب المال
وإعانة والدته وإخوته الصغار بسبب الفقر، ويعمل من الساعة الثامنة صباحا حتى
السابعة ليلا ويحصل على أجر يومي قدره 7 دنانير.

ولم يكن من بين جميع الاطفال السورين الذين قابلناهم من يعمل مقابل أجرة
شهرية؛ إذ يعمل معظمهم مقابل أجرة يومية أو أسبوعية تختلف بحسب طبيعة العمل، إلا
أنها بمجموعها لا تتجاوز في الغالب 150 دينارًا شهريًا، وهو أقل من الحد الأدنى
للأجور في الأردن، وهو ما يجعل تشغيل هؤلاء الأطفال مجديًا ماديًا لأصحاب العمل.

رغم أن قانون العمل الأردني يفرض غرامات على كل صاحب عمل يقوم بتشغيل
الأطفال، إلا أن العديد من أصحاب العمل لا يأبهون للملاحقة القضائية والغرامات،
خاصة أن الغرامة لا تتجاوز الـ 500 دينار، ولا تشكل رادعا بالنسبة لبعض أصحاب
العمل.

ويفضل أصحاب المحال التجارية تشغيل الاطفال السوريين بسبب قبولهم للأجور
المتدنية ويعملون لساعات طويلة، فأبو محمد صاحب عمل يعمل لديه الطفل السوري أحمد
الزعبي في محل لبيع الذرة والعصائر يقول “بحب اشغل السوري لانه صراحة برضى بالقليل
وما بحكي إذا اشتعل ساعات زيادة، ولسانه حلو وما بتذمر، يعني بحكيله اشطف بشطف
المحل وبخليه يلمع”.

اضطر احمد الزعبي أن يعمل احدى عشر ساعة متواصلة في محل ابو محمد ويحصل على
اجر يومي قدره 7 دنانير ليساعد امه واخواته الصغار بعد أن توفي والده بمرض السرطان
العام الماضي.

ثمة أسباب عديدة وراء ترك الأطفال السوريين في الأردن مقاعد الدراسة
والتوجه الى سوق العمل أهمها أسباب اقتصادية، اذ قالت منظمة اليونسف المعنية بحقوق
الطفل أنه “يعيش 85 % من الأطفال السوريين المسجلين كلاجئين تحت خط الفقر، وأن
الأسر السورية اللاجئة في الأردن تعاني من صعوبة متزايدة في تلبية احتياجاتها
الأساسية.

ووفقا للعديد من الدراسات والتصريحات الحكومية عن نسبة العمالة بين الاطفال
بلغت 70% وان هناك 60 ألفا من الأطفال السوريين في الأردن دخلوا سوق العمل.

 محمد الخطيب
الناطق باسم وزارة العمل تحدث لـ”سوريون بيننا” عن الآلية للحد من هذه الظاهرة
“يوجد لدينا مديرية تفتيش ويوجد فيها قسم خاص للتفتيش على عمالة الاطفال ويقومون
بعمل زيارات مستمرة على كل المنشآت الموجودة في المملكة ولكن المختصين في الاطفال
تحديدا يذهبون الى المنشآت التي يمكن أن  يتواجد
فيها عمالة أطفال مثل محلات النجارة والحدادة ومحلات تصليح السيارات والبوفيهات
الموجودة على الشوارع ويتم توجيه مخالفات لأصحاب العمل، واذا كررها معنا أحقية
بتوجيه كتاب للوزير بإغلاق المؤسسة”.

 ليندا كلش،
مديرة مركز تمكين للدعم والمساندة، عزت ارتفاع معدلات عمالة الأطفال في الأردن الى
الوضع الاقتصادي والوضع المهمش ووضع الاستضعاف.

 وأوضحت كلش أن
“المسؤولية تقع على عاتق الدولة بالدرجة الاولى بالإضافة الى المنظمات المعنية
بحماية الطفل وذلك بتطبيق القوانين والتفتيش بتوفير برامج تدريبية وتوعية وهذا كله
مرتبط بالحالة الاقتصادية، بالرغم من أن القانون في الاردن يجرم عمل الطفل تحت 16
سنة تحت اي عمل كان ومن 16 الى 18 يستطيعوا العمل ولكن تحت ضوابط اهمها ان لا يزيد
عن 6 ساعات وعدم انخراطهم في أعمال شاقة”.

واستطردت بالنسبة لمركز تمكين نحن نعمل بشكل كامل على موضوع رفع الوعي
وخاصة وعي الاهالي ووضع الاطفال انفسهم عن موضوع عمل الاطفال والاخطار المحدقة
بهم، عملت تمكين خلال الفترة الماضية 44 جلسة توعية تضمنت معظم مناطق المملكة
فتبين ان الفقر والرغبة في مساعدة الوالدين وخصوصا في ظل عدد افراد الاسرة الكبيرة
او غياب احد الوالدين بسبب الطلاق وعجز الوالد بتأمين الاحتياجات الرئيسية ومن ضمن
العاملين السوريين فقد اعرب بعضهم عن عدم كفاية المساعدات المالية المقدمة من
المفوضية ومنهم من اوضح انه انخرط بسوق العمل بعد انقطاع المساعدة المالية”.

وعن الآثار الناتجة عن عمالة الاطفال بحسب ما قالت كلش هي اثار جسدية وصحية
ومنهم يتأثر سلبيا في النمو بمقارنة مع رفاقهم ومنهم من اكتسب عادة التدخين ومنهم
من تأثر بضربات الشمس وإصابات عمل متكررة وبما انهم غير مسجلين بالضمان الاجتماعي
وبالتالي اصابات العمل غير مؤمنة وهناك آثار اجتماعية وأخلاقية تصيب الاطفال تسبب
العزلة عن اقرانهم وذلك بسبب اكتسابهم لصفات غير محمودة في حال كانت بيئة العمل
ضارة للطفل.

في ظل الاجتماعات الدولية للحديث عن اعادة اعمار ما دمرته البراميل
المتفجرة يبقى السؤال من سيقف مع هذا الجيل الذي ضاع حلمه في اسواق العمل وبين
الارصفة وعلى اشارات المرور؟؟