مشهد من مستقبل الدين في المنطقة العربية
تشكل الثقافة الدينية “مضموناً ومنهجاً” القاعدة الأوسع للعقل الجمعي العربي، ورغم الثقوب التي نشأت في جدران هذه الثقافة بسبب عوامل داخلية أو عوامل خارجية سياسية أو اقتصادية أو علمية أو عولمية أو اجتماعية، فإني وبعد متابعة مرهقة ومتأنية أفترض بأن المرحلة القادمة -العشرين سنة القادمة تقريباً (حتى عام 2040) ستعرف ضغطاً على هذه الثقافة بقدر لم تعهده من قبل، ولن أتطرّّق هنا للموقف من التنظيمات الدينية أو الاسلام السياسي (رغم صلة وصل حميمة بين الجانبين: الثقافة العامة والسلوك السياسي)، وسأركز على البعد الثقافي أو “لثقافة الدينية” دون أن يعني ذلك براءته من الظلال السياسية.
سيتركز الهجوم التدريجي والمتسارع والشامل على الثقافة الدينية من ناحيتين:
أ- التاريخ الديني: وسيكون التركيز على نقد الرواية التاريخية للوقائع الدينية
ب- البعد الميتافيزيقي للدين (الماورائيات الدينية)
وستتسلح هذه الحملة وبشكل منظم ومدعوم من الداخل والخارج بعدد من الآليات الفاعلة :
أ- توسيع دائرة التأويل لمعاني النصوص الدينية باتجاه هجر التأويل السائد لصالح تأويل جديد يعمل بجد ليخلخل – على المدى البعيد -الأسس التي قامت عليها منظومة الثقافة الدينية السائدة .
ب- توظيف النظريات والاكتشافات العلمية الجديدة والمتجددة لمساندة تيار التأويل الجديد، مما يعني تزايد اقحام علماء ونظريات العلوم الطبيعية في التأويل والتفسير، مقابل تقليص دور رجال الدين أو علماء العلوم الاجتماعية في هذه الساحة.
ج- وضع “المعجزات الدينية” موضع التأويل بشكل رئيسي لتبدو بأنها أقرب للمجاز منها للواقعة المادية في المرحلة الأولى تمهيداً -أو على أمل- نفيها لاحقاً.
وأزعم ان المرحلة القادمة ستشهد فيضاً من الأعمال الأدبية والأفلام والمسلسلات الفنية والمسرحيات التي تنطوي على اعتبار مرحلة “الثقافة الدينية” مرحلة “تاريخية” تشكل جزءاً من مراحل تطور “الوعي الإنساني” وليس خاتمته.
وأظن ان هذه المنهجية ستتسلل لمناهج التعليم تدريجياً وبخفر سياسي، مسنودة من مواقع إلكترونية وهيئات مجتمع مدني ستجرّ المجتمعات لهذه المناقشات لحساب تغييب موضوعات أخرى.
ولا أتوهم بأي شكل بأن المعركة ستكون يسيرة، وسينطوي المشهد على دمع ودم وعرق، لكني اعتقد ان حاملي الثقافة الدينية سيجدون أنفسهم دون مدد من العدد والعدة، وهو ما سيضيق الخناق عليهم ليتواروا في عزلة “صوفية” لعل الله يجعل لهم مخرجاً..
إننا مقبلون على مرحلة -20 سنة قادمة- أظنها مفصلية… وستكون ارتدادات نتائجها ذات صبغة شمولية، وستحسم المرحلة الصراع بين “التاريخ والمستقبل”
كيف تنتهي المعركة ولصالح من؟
أمر يصعب تقريره، لأن سيناريوهات هذه المعركة تنطوي على قدر غير محدود من المتغيرات وعدد من المفاجآت بخاصة العلمية والتقنية منها، وسيرى كل طرف ان المستقبل لصالحه استناداً لمنظومته المعرفية وكيفية توظيف المعطيات الجديدة لصالحه.. وهو الامر الذي على ممثلي الثقافة الدينية التنبه له تماماً لأنه عامل حاسم إذا أرادوا الصمود أو الكسب في المعركة….
ما أميل له هو أن المعركة ستكون قاسية ثقافياً، أما سياسياً فقد سبق لي ان أعلنت رأيي في عدد من الدراسات المنشورة.. أين الحقيقة؟ إنها في ربما.
وليد عبد الحي: خبير في الدراسات المستقبلية والعلاقات الدولية