قيادة المرأة السعودية.. قرار متأخر ولكن
أعلنت السعودية يوم الثلاثاء الموافق السادس والعشرين من أيلول العام الحالي عن السماح للمرأة بالقيادة بعد أن كان هذا الحظر رمزاً لقمع النظام السعودي للنساء أعواماً طويلة. لم يتوقع أحد هذا القرار التاريخي المفاجىء والمتأخر عقوداً من الزمن، إذ طالبت المراة السعودية برفع الحظر عن القيادة مرات عدة، باعتبار أن حرية التنقل أحد أبسط الحقوق التي دونها يبقى الإنسان مقيداً بغيره، وفي هذه الحالة “أولياء الأمور” من الرجال فقط إلا أن مطالبهن لم تكن مستجابة.
لن يتم تطبيق القانون الجديد حتى شهر حزيران من العام المقبل، ويبدو أن هذا التغيير جاء نتيجة تأثير هذا القانون على سمعة السعودية بشكل سلبي في الساحة العالمية، كما حفز هذا القرار الأمل بزيادة المشاركة النسائية في العمل وبالتالي زيادة في حضورهن في الاقتصاد السعودي.
لربما لم ينبع هذا القرار من منبع إنساني اهتماماً واحتفاءً بالمرأة، بل من مبدأ المصلحة الشخصية ومحاولة تحسين صورة السعودية أمام باقي أمم العالم، لكن مهما كانت الأسباب يبقى هذا التغيير الخطوة الأولى في مسيرة من آلاف الأميال لتحرير المرأة السعودية ومساواتها بالرجل في جميع مجالات الحياة.
اتخذت الآراء حول وجاهة منع المرأة السعودية من قيادة السيارة أشكالا ًعدة صدرت من رجال دين عديدين، ولم تكن تمت أي من هذه الآراء للمنطق أو العلم بصلة، فمنهم من برر نفسه قائلاً إن قيادة المرأة للسيارة تزيد من فرص تعرّضها للاغتصاب في حال تعطلت السيارة من دون الالتفات الى أهمية تثقيف الرجال ونشر الوعي ومحاسبتهم على جرائمهم الجنسية بهدف تأمين بيئة آمنة للنساء.
ومنهم من قال إن المرأة ستشتت الرجال في السيارات القريبة منها، وآخرون برروا الحظر بأن المرأة بنصف عقل، وأحياناً بربع عقل عندما تخرج للسوق، فلا يجوز ائتمانها على القيادة في الشوارع، ومنهم كسر رقماً قياسيا في اللامنطقية وادعى بأن قيادة المرأة للسيارة سيؤثر على مبايضها ويمنعها من الإنجاب من دون تقديم أية أدلة علمية لعدم وجودها أساساً.
احتفلت الملايين من نساء السعودية والوطن العربي أجمع بهذا الإنجاز المتأخر جداً، بعد مقاومة مديدة ومطالبة لمرات عديدة بحقوقهن مرات بالرغم من تعريض حياتهن وحرياتهن المحدودة للخطر، وبالرغم من معافبة النساء السعوديات بسبب اختراقهن بعض القوانين مثل عدم ارتداء العباءة في الشارع، أو قيادة السيارة قبل رفع الحظر. وكانت المرأة السعودية مثالاً يحتذى به في القوة والإصرار والشجاعة، ولذك يعدّ إلغاء القانون الرجعي هذا هو إنجازاً يفتخر به، وتستحق تلك النساء القويات التطلع إليهن، فهن لم يستسلمن ويرضخن للظلم في أكثر الدول العربية قمعاً للمرأة.
لكن للأسف يأتي هذا الاحتفال مشوباً بشيء من الغضب، فحق الانسان في التنقل بحرية كاملة من أبسط الحقوق التي يجب أن يتمتع بها كل إنسان بغض النظر عن الجنس، ومعاملة هذا التغيير في القانون السعودي على أنه لحظة تاريخية ما هو إلا مؤشر على تراجع الحضارة والثقافة العربية بشكل فادح جعل من أبسط الحقوق هدفاً صعب المنال، وجعل من قرار متأخر عرساً وطنياً، بل عالمياً للنساء من كل البلاد.
ليلى حزينة: كاتبة فلسطينية