قضية رأي عام

الرابط المختصر

للرأي العام في المجتمعات الديمقراطية ثقلاً كبيراً، إذ يعدّ المحرك الرئيس في صياغة السياسات العامة، والعامل المؤثر في اتخاذ الحكومات قراراتها أو إحجامها عنها. ويشكل ما يشبه الإطار العام أو المقياس لصانع القرار فيشعره بما هو مقبول أو مرفوض، وما قد ينجح أو يفشل، وقلما يتحرك إلا من خلال مؤشرات الرأي العام ومعاييره.

 

لا يأخذ الرأي العام الثقل نفسه، في مجتمعاتنا النامية، ولا تعطي حكوماتنا له الأهمية ذاتها، ويعزو كثيرون السبب إلى غياب الديمقراطيات والحريات العامة في هذه المجتمعات، حيث يتعذر وجود رأي عام حر ومؤثر يرسم الواقع السياسي ويؤرق صانع القرار، لكنهم نسوا أو تناسوا أن “الرأي العام” هو الذي أوجد هذه المجتمعات الديمقراطية وأسّس للحريات العامة فيها، وليس العكس. فما هو الرأي العام وكيف يقاس؟

 

يعرف الرأي العام بأنه “وجهة نظر الأغلبية تجاه قضايا عامة تهم الجماهير في زمن معين تطرح للنقاش والجدل بحثاً عن حل يحقق الصالح العام”.

 

إذا ما استندنا لعناصر هذا التعريف نجد أن الإشكالية تكمن في القياس، فما هي “القضية العامة” التي تهم المجتمع الأردني وما طبيعتها؟ وما هي ضوابطها وأدبياتها؟ وكيف يتحقق الصالح العام من خلال إثارتها؟

 

لم تشغل المجتمع الأردني سلسة الإجراءات التي اتخذتها جهات رقابية ضد مجموعة من المطاعم والمحال الشهيرة لمخالفتها معايير السلامة العامة في الوقت التي تصنف هذه القضايا بأنها قضايا رأي عام عالمياً، وانصرف المجتمع بالمقابل لاجترار قصة التسمم الغذائي ووفاة عائلة في أحد فنادق البحر الميت.

 

وينكب الناس بشغف على متابعة قضايا الفساد ورموزه عندما تظهر، بينما لا يلقون بالاً بعد ذلك لحيثيات القضايا وإجراءات المحاكمة وصدور أحكام بحق الفاسدين أو تبرئتهم أو حتى الإفراج عنهم بالعفو العام. كما لا يتابع قضايا شح المياه وتلوث البيئة والتهرب الضريبي وتخطيط المدن إلاّ الاختصاصيين، وحتى القضايا الكبرى التي أججت الشارع وشكلت رأياً عام مثل “تحرير أسعار المحروقات” مرت مرور الكرام، وكذلك القضايا المرتبطة بها كالموازنة العامة وتقارير البنك الدولي لا يتابعها إلا طلبة الدراسات العليا للاستعانة بها في رسائل الدكتوراة والماجستير.

 

ويزداد الأمر تعقيداً في تعريف “الصالح العام”، فلم نعد نتفق على تعريف واحد للأخلاق حتى نقيس عليه، فمهرجانات هزيلة مثل مهرجانات “الألوان والبيرة والصيف والبندورة” تجاوزت الخطوط الحمراء الأخلاقية لمجتمعنا وأشعلت مواقع التواصل الإجتماعي، بينما لم تستفز أحد قضايا أخلاقية أخرى كالعنف الأسري، وقتل الأب لعائلته أو قتل الأبن لوالدته.

 

لا أجد إجابة حول ما يهم المجتمع الأردني أو ما لا يهمه، لكني أعتقد أن الأزمة مركبة؛ أخلاقية واجتماعية لها علاقة بالوعي الجمعي وضعف فاعلية “جماعات الضغط “، التي تخرج من صلب منظمات المجتمع المدني، حيث تتبنى كل منظمة من هذه المنظمات قضية معينة وتعمل من أجلها، إلا أن دورها يتحجم بسبب أزمة الثقة وعقدة التمويل الخارجي التي ترافق عمل هذه المؤسسات، أضف الى ذلك انحسار شعبية وتأثير الأحزاب السياسية على الشارع وغياب الدور الرقابي التي يفترض أن تمارسه هذه الأحزاب على الأداء الحكومي من خلال تبني قضايا وطنية عامةً.

 

 

تمارا خزوز: صحافية وحقوقية أردنية حاصلة على ماجستير صحافة وأعلام حديث، وماجستير قانون التجارة الدولية، وناشطة في مجال الحقوق والحريات العامة.

أضف تعليقك