حقوق الإنسان بالحبة والميزان

“إن حقوق كل شخص سوف تنتقص حينما يتم تهديد حقوق شخص واحد The rights of every man are diminished when the rights of one man are threatened”. لعل هذه المقولة من الرئيس الأمريكي جون كيندي تعبر تماماً عن تكامل حقوق الإنسان التي يحتفل العالم بيومها العالمي الذي صادف موعده في العاشر من شهر كانون الأول/ ديسمبر الجاري.

في الوقت الذي تقيس به الأمم حقوق الإنسان بجوهرها ومدى تمتع الشخص بها ومدى احترام الآخرين لها، يتبنى العديد من أصحاب القرار في بلداننا العربية والإسلامية معياراً كمياً لقياس مدى تمتع شعوبهم بحقوق الإنسان، وكأني بهم يقفون خلف ميزان قديم بكفتين ووزنات رصاصية باهتة اللون ليتعاطوا مع الحقوق الدستورية وسيادة القانون بمنطق الكيلوا والحبة.

فإذا كانت ثمة أقلية حقوقها منتهكة وحرياتها مصادرة، بغض النظر عن المرتكز الديني أو العرقي أو الإعاقة… الذي بموجبه اعتبرت مجموعةً ما أقلية، فكون تلك المجموعة أو الأقلية “قليلة العدد” يكفي من وجهة نظر هؤلاء لتبرير انتقاص حقوقها والمساس بحرياتها أو عدم تمكينها من ممارستها على أحسن تقدير.

 إن اكتساب جنسية الدول التي تحترم قيمها ودساتيرها يؤهل الفرد ليس فقط للتمتع بالحقوق والحريات المكفولة للكافة بل أيضاً مقاضاة الدولة التي منحته جنسيتها إذا ما استشعر أي انتقاص أو افتئات على حق ما من حقوقه، لذلك تبدو مفارقةً محزنةً أن يكون صاحب قرار مزدوج الجنسية في الأقطار العربية المقهورة يستبد بسلطته وينتهك حقوق الإنسان ثم هو عينه يرغي ويزبد في دولة جنسيته المكتسبة إذا ما مس أحد طرف ثوبه!

 في اليوم العالمي لحقوق الإنسان تفرض لفحات النفاق التي تعبق بها قباب البرلمانات العربية نفسها، لتردد أصداء صيحات تلعن وتتهم كل من ينادي بضرورة مواءمة التشريعات مع المواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها حكومات تلك البرلمانات طائعةً مختارةً في حين ومضطرةً في أحيان.

 إن نظرةً فاحصةً للأقليات الدينية والعرقية والمذهبية ومن ذوي الإعاقة وغيرها… في الدول العربية والإسلامية تظره بجلاء مدى التمييز والإقصاء التي تعيشه تلك الفئات، وبمنطق الميزان والقبان، فإن لسان حال أصحاب القرار في هذه الدول يقول بتبجح: “إذا كان المواطن (العادي) غير متمتع بحقوق الإنسان وغير متنعم بالحريات الأساسية؛ فأنى لهذه المجموعات أن تتمتع وتتنعم بها؟”.

في اليوم العالمي لحقوق الإنسان، تعكس المرايا وجوهاً قبيحةً تقف بالمرصاد لكل هفوة وزلة من موظف أو مواطن مسكين؛ غاضةً الطرف عن الذراري والأقارب والأصدقاء من أسماك القرش التي تعبد وتنحني للقرش، فلا بأس عند مزدوجي الشخصية من أئمة النفاق وأباطرة الشقاق أن يتسامحوا مع الكبار في كبائرهم وينتقموا من الصغار على صغائرهم!

 ربما كانت المصالح والمطامح تركت أثرها على مسلكيات جماعة الوزنات والقبانات، فخالوا أن العبرة بعدد المجني عليهم وليس ببشاعة الجريمة وكذا الحقوق تُطبخ بحسب محتويات الوليمة، فإذا كان المقام في سياق دولي وفي حضرة المانحين والمُستَجدين؛ فمرحا بالحقوق والحريات من مهدها وحتى الممات، أما إذا كان الحديث لأهل البؤس والشقاء من بنات الوطن والأبناء؛ (فلقمة العيش أولى من الثرثرة حول الإنسان وحقوقه)، وطوبى لهؤلاء بغفلة المنتهكة حقوقهم الذين لو عرفوا أن السبيل للقمة العيش إنما مبتدأه باحترام الكرامة وصون الحريات والحقوق… لما سكتوا عن حق ينتهك أو حرية تُهدر.

 في اليوم العالمي لحقوق الإنسان؛ تقفز إلى الذاكرة المقولة القديمة المتجددة: “أُكِلت يوم أُكِل الثور الأبيض”، فمن يفرح بمصادرة حرية أو انتهاك حق خصمه، إنما ينعي مبكراً حرياته هو وحقوقه، والأمر لا يعدو أن يكون مجرد وقت ودور و”كاس وداير على الجميع”.

 في اليوم العالمي لحقوق الإنسان؛ فلتدافع عن حق خصمك لأنك حقيقةً تدافع عن حقك، وليكن حاضراً في الأذهان أن انتهاك حق أي إنسان هو انتهاك لحق الإنسانية جمعاء، فالتمتع بحقوق الإنسان يقاس بالقيمة والاحترام وليس بالكيلو والغرام.

مهند العزة: خبير دولي في التحليل القانوني وحقوق الإنسان، وكاتب في حقل الإصلاح الديني

أضف تعليقك