أوهام الذكورة حول التحرّش الجنسي

الرابط المختصر

يعيش الكثير من الرجال في العالم العربي في وهم يبقيهم بعيدين عن الواقع الذي تعيشه كل امرأة عربية. فقد نجحت هذه الفئة من الرجال بإقناع نفسها بعدم وجود مشاكل وقضايا هي في الأصل جزء لا يتجزأ من الواقع اليومي، ويلجءون إلى تبريرها بطرق لا عقلانية أو علمية غير مدعومة بأية أدلة تستحق الذكر.

من أهم هذه الخرافات؛ الاعتقاد بأن أية امرأة محجبة أو “محتشمة” في لباسها لن تتعرّض إلى أية مضايقات في الشارع من تلقي الكلام البذيء أو التحرش الجنسي، فتكون هذه الخرافة سلاحاً في يد هذا الرجل العربي “الحمش” لسلب حرية أخته أو زوجته في اختيار لباسها، ولتبرير التحرش في أية فتاة كان لباسها غير لائق في نظره. تم تداول هذه الكذبة على مرّ السنين حتى أصبحت حقيقة في عقول من اختاروا أن يغمضوا أعينهم عن الواقع وعن الحقائق المثبتة والإحصاءات التي تثبت عكس ذلك.

في عام 2013، نشرت الأمم المتحدة للمرأة تقريراً ينص بأن ما يقارب 99.3 من النساء المصريات قد تعرضن لنوع أو أكثر من التحرش الجنسي، مع العلم بأن معظم النساء في مصر متحجبات. وفي عام 2014 نشرت المونيتور (Al-Monitor) دراسة تبين أنه ما يقارب 80% من النساء السعوديات اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 18 و 48 أقررن بأنهن تعرضن للتحرش, علماً بأن جميع النساء في السعودية يرتدين العبايات الفضفاضة والحجاب في أي وقت وأي مكان وإلا كان عقابهن عسير. فأين الرجال الناكرون للواقع من هذه الوقائع والدراسات؟ وكيف يتم إنكار ما يحدث في وضح النهار؟

تختلف العوالم التي يعيشها الرجل العربي عن تلك التي تعيشها المرأة العربية بشكل كبير لدرجة أن الكثير من هؤلاء الرجال غير قادرين على رؤية واستيعاب الأسباب التي تمنعهم من ملاحظة حالات التحرش هذه أو السماع عنها من قريباتهن.

رغم تعرّض الفتيات والنساء لمثل هذه المواقف من الاعتداءات والمضايقات بشكل كبير إلا أن عدداً كبيراً منهن لا يقمن بالتبليغ عنها. كيف لا وهن يعلمن أنهن قد يعاقبن على مثل هذه الجريمة وكأنهن من أخطأ؟ كم من امرأة تعرضت للاغتصاب لاقت حتفها بحجة الدفاع عن “شرف” عائلة بأكملها؟ وكم من امرأة تم إخراسها بحجة الخوف من الفضيحة كما لو أنها هي المذنبة؟ أليست الفضيحة في معاقبة الضحية بينما المجرم حرّ طليق يستمتع برؤية هذا المجتمع العليل يبرّر له جريمته القذرة؟ اذا لم تبلّغ النساء عن التحرش اللفظي والجسدي الذي تتعرضن له بشكل يومي هذا لا يعني عدم وجوده، بل عدم وجود الدعم الذي تحتجنه للمطالبة بحقوقهن، ووجود قوة ظالمة تزيد من ألمهن ألماً عوضاً عن ذلك.

قد لا تعجب هذه الحقيقة هذه الفئة من الرجال حيث أنها تهدّد سلطتهم وهيمنتهم على نسائهم، وتسلبهم تبريراتهم المستهلَكة للدفاع عن أغلاطهم وللتحكم بمظاهر أخواتهم وزوجاتهم بحجة حمايتهم. لكن ليس من الممكن إنكار الحقيقة للأبد، ولن نتمكن من إقناع هؤلاء الرجال بها حتى تقتنع جميع النساء اللواتي يشاركن في النظام الأبوي القمعي مشاركة فاعلة عن طريق الترويج لهذه الأفكار الرجعية والدفاع عنها.

كل ما يحتاج الانسان أن يفعله حتى يدرك حقيقة ما يجري هو أن يخرج رأسه من الرمل والنظر إلى الواقع البعيد عن عوالمهم السطحية و تفكيرهم البعيد كل البعد عن المنطق والمدعّم بالحقائق والأدلة التي تنتظرهم حتى يعيروها أي اهتمام يذكر.

ليلى حزينة: كاتبة فلسطينية

أضف تعليقك