840 مواطن حرموا من تأسيس 120 جمعية منذ مطلع 2013
مجلس الجمعيات يحل 165 جمعية منذ مطلع 2013 وحتى أب 2014.
2200 كتاب صادر لجهات أمنية لبيان رأيها في تسجيل الجمعيات.
بعد مسيرة طويلة من عملٍ أقرب للكفاح، قررت المواطنة الأردنية نعمة الحباشنة ومعها ثلة من الأردنيات المتزوجات من غير الأردنيين، التوجه نحو العمل الجماعي، بتأسيس جميعه تدعم الحراك النسوي في منح الجنسية الأردنية لأبناء الأردنيات المتزوجات من غير الأردنيين، والتوعية بحقوقهن.
وعليه طرقت نعمة ورفيقاتها باب سجل الجمعيات التابع لوزارة التنمية الاجتماعية في أواخر نيسان 2011، لتسجيل جمعية تحت اسم "الأردنيات المتزوجات من غير الأردنيين"، لتحقيق تسعة أهداف تتمثل في التوعية، والعمل على منح أبناء الأردنيات الجنسية الأردنية، وفق مبدأ المساواة بين المواطنين.
لكن حلّم نعمة ومن معها تكسر عند الباب المطروق، فقرر مجلس إدارة سجل الجمعيات - المكون من 12 عضوا 8 منهم ممثلين عن الحكومة- في جلسته رقم 32 في أوائل حزيران عام 2011 عدم الموافقة على تسجيل الجمعية دون أبداء الأسباب، إذ لم ينص قانون الجمعيات رقم 51 لسنة 2008 وتعديلاته على تسبيب القرار.
فنعمة ترى أن قرار المجلس كان مبنيا على أسباب سياسية وبتدخل أمني، إذ كررت ورفيقاتها محاولة التسجيل تحت مسمى آخر لكن سجل الجمعيات رفض قبول الطلب من الأساس.
أمين عام سجل الجمعيات ديمة خليفات علّلت "لعمان نت" رفض مجلس إدارة السجل تسجيل جمعية الأردنيات المتزوجات من غير الأردنيين، بأن " أهداف الجمعية تتعارض مع التوجه الحكومي في حينه، بعدم منح الأم الأردنية الجنسية لأبنائها غير الأردنيين ".
مجلس إدارة السجل لم يرفض تسجيل جمعية الأردنيات المتزوجات من غير الأردنيين فحسب، بل رفض منذ كانون ثاني 2013 وحتى أب 2014 تسجيل 120 جمعية من أصل 1031 بنسبة وصلت 12% تقريباً.
قبل شهر من نشر هذا التقرير راسلنا خليفات، لمعرفة أسماء الجمعيات المرفوض تسجيلها، والمفوض عنها، وأسباب رفض المجلس لتسجيلها، إلا أننا لم نتلقى رد رغم محاولاتنا المتكررة، ووَعْدّ خليفات لنا بإجابة الطلب.
رَفْض تسجيل الجمعيات الـ 120، حَرّم ما يزيد عن 840 مؤسس أردني من حقهم في تأليف الجمعيات والانضمام إليها.
عدم قبول المجلس تسجيل هذا العدد من الجمعيات طالبة التأسيس، يعد قراراً غير مشروع، وتعسفاً في استغلال سلطته التقديرية الممنوحة له، ما ينتهك حق الأردنيين في تأليف الجمعيات ذات الغايات المشروعة والوسائل السلمية، المكفول في الدستور الأردني والقانون الدولي، بحسب أستاذ القانون الدستوري في جامعة الإسراء حمدي قبيلات.
وتحت سلطة محكمة العدل العليا، انصاع المجلس لقرار محكمة العدل العليا بالموافقة على تسجيل جمعيتين رُفضَ تسجيلهما سابقاً.
فيما بلغ عدد الجمعيات التي حصلت على موافقة التسجيل بعد حرمانها منه 45 جمعية، غير الـ 120 المرفوض تسجيلها، ولم يتسنى لنا معرفة أسباب إعادة التسجيل، وذلك لعدم إجابة سجل الجمعيات على استفساراتنا التي سبقت نشر هذا التقرير بنحو شهر.
كما حَلَّ مجلس إدارة سجل الجمعيات 167 جمعية منذ مطلع 2013 وحتى أب 2014 بناءً على تنسيب الوزير المختص من أصل 4 آلاف جمعية عاملة تقريباً، الأمر الذي يخالف الممارسات الفضلى لحقوق الإنسان في عدم جواز حل الجمعيات من قبل السلطة التنفيذية بحسب التقرير الأخير للمركز الوطني لحقوق الإنسان عام 2012.
رفض التسجيل مستمر
في أواخر نيسان 2014 تعثر طموح الشابة إيناس زايد ومجموعة من أبناء جيلها، في تأسيس جمعية تحت اسم "شباب من أجل الديمقراطية"، تهدف إلى رفع الوعي بأهمية الديمقراطية لدى الشباب وتعزيز مشاركتهم في الرقابة والحاكمية الرشيدة ومكافحة الفساد. والسبب رفض مجلس إدارة سجل الجمعيات.
وعلى خلاف قصة نعمة وجمعيتها، علّل المجلس سبب عدم تأسيس جمعية شباب من أجل الديمقراطية، "لعدم مشاركة المؤسسين في عمليات الرصد سواء عن طريق جمعيات أو هيئات مماثلة، لتأسيس جمعية متخصصة بالرصد على مختلف أنواعه".
إيناس تكتفي بتعليقها بأن "الدولة تسعى لكبح جماح الشباب في التوجه لتأسيس جمعيات غير حكومية".
قرار غير مشروع
المواطن الأردني سائد كراجة وستة من رفاقه توجهوا إلى محكمة العدل العليا لطعن بقرار مجلس إدارة السجل لرفضه تسجيل جمعية "كومستير" التي تهدف لمتابعة أعمال مجلس النواب.
رفض المجلس جاء "لعدم قناعته بإمكانية الهيئة تحت التأسيس على تحقيق أهدافها"، لكن المحكمة قرارت في منتصف آذار 2014 "أن هذا السبب لا يكفي لإضفاء صفة المشروعية على هذا القرار إذ لابد من بيان السبب لكي تبسط المحكمة رقابتها على مشروعية القرار كذلك لم يرد في الشروط الواردة في قانون الجمعيات أي شرط يتعلق بالقناعة بل جاءت الشروط على وجه التحديد مما يجعل القرار مشوبا بعدم المشروعية".
وعليه قررت محكمة العدل العليا إلغاء قرار مجلس إدارة السجل، لكون قراره متعسفاً وغير مشروع.
تعسف في استخدام السلطة
المستشار القانوني المحامي جمال الخطاطبة، يرى في قرار عدم تسجيل مجلس إدارة السجل لعدد من الجمعيات المستوفية للشروط القانونية، "قراراً باطلاً وغير مشروع قانونياً، إضافة لكونه تعسفاً في استخدام المجلس للسلطة الممنوحة له، وللأسف لا يوجد مبررات قانونية يستند عليها السجل في قراره بعدم التسجيل".
يقول أدم كوغل، الباحث في هيومن رايس ووتش - منظمة دولية غير حكومية تعنى بحقوق الإنسان- "يبدو أن سجل الجمعيات يرفض تسجيل جمعيات تعمل على قضايا حساسة من وجهة نظر السلطات، كالجمعيات التي تهدف إلى تغيير سياسات وقوانين أو أنظمة تُعرض الناس لتمييز أو انتهاك ما".
من جهتها، تنفي أمين عام سجل الجمعيات ديمة خليفات، وجود تعسف في استخدام السلطة في تسجيل الجمعيات، معلّلة "عدم تسجيل بعض الجمعيات المكتملة الشروط، بتهديدها للسلم الاجتماعي، فتسجيل جمعية في قرية ما، تسبب في أحداث مشاجرات، ومشاكل داخل العشيرة الواحدة"، بحسب خليفات.
للأمن كلمة
ومن أسباب التعسف في استخدام السلطة "أن للأجهزة الأمنية القول الفصل في الموافقة على تسجيل الجمعيات من عدمه وذلك حتى فترة قريبة، لكن اليوم يؤخذ برأيها على سبيل الاستئناس لا أكثر". بحسب وزير تنمية اجتماعية سابق رفض ذكر اسمه، ترأس بحكم منصبه الوزاري مجلس إدارة سجل الجمعيات.
يتماهى كلام ذلك الوزير مع الواقع، إذ بلغ عدد الكتب الرسمية الصادرة عن أمانة سر مجلس سجل إدارة الجمعيات للجهات الأمنية والرسمية لبيان رأيها في تسجيل الجمعيات المعروضة على مجلس الجمعيات (2200) كتاب، منذ مطلع عام 2013 وحتى أب 2014 . وذلك بحسب سجل الجمعيات.
"اعتماد الرأي الأمني كمعيار في تسجيل الجمعيات يخالف الحقوق السياسية والاجتماعية للناس، فالمبرر الأمني هو مبرر عرفي وليس قانوني، مهما كان" وفقاً للمحامي جمال الخطاطبة.
وعن البعد الأمني، تقول خليفات أن وزارة الداخلية لها رأيها فيما يتعلق بالأمور الأمنية من خلال ممثلها في مجلس إدارة السجل، كما لكل عضو في المجلس رأي في تسجيل أي جمعية، مؤكدة أن قرارات المجلس تكون بالتصويت.
القانون يقيد الحق
"لا يزال قانون الجمعيات الناظم لحق تشكيل الجمعيات والانضمام إليها يتضمن العديد من الإشكاليات والثغرات التي من شأنها تقييد ممارسة هذا الحق" بحسب التقرير الأخير للمركز الوطني لحقوق الإنسان لعام 2012.
يتوالى انتقاد المركز الوطني لحقوق الإنسان - مؤسسة مستقلة شبه حكومية- في تقاريره منذ 2010 وحتى أخرها في 2012، لقانون الجمعيات الساري بعدم وفائه بالمتطلبات اللازمة لقانون يلتزم بنص الدستور الذي أكد على الحق في تأليف الجمعيات".
وترجع هيومن رايس ووتش أسباب التعسف في عدم تسجيل الجمعيات إلى قانونها الساري، " الذي لا يضمن التسجيل، ويسمح للحكومة بمنح أو رفض تسجيل الجمعية، بناءً على أسس تعسفية وسياسية، مما يتعرض كثيراً للحق في حرية تكوين الجمعيات"، بحسب رسالة هيومن رايتس وتش إلى رئيس الوزراء في أيار 2009.
مخالفة حقوقية
"التضييق في استخدام حق تأليف الجمعيات، مخالف للمعايير الدولية وانتهاكاً للكفالة الدستورية في تأليف الجمعيات"، بحسب المستشار القانوني المحامي جمال الخطاطبة.
في حين، ينتقد الحقوقي الدكتور علي الدباس، القانون الحالي وممارسة السلطة التنفيذية التي تضع الأردن في مواجهة انتقاد اللجان التعاهدية الدولية في مجال حقوق الإنسان، خصوصا فيما يتعلق بحق تأليف الجمعيات المنصوص عليه في المادة 20 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 22 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
ويتابع الدباس : " هناك تحفظات على قانون الجمعيات وأنظمته وتعليماته بشكل عام لانتهاكها حق الإنسان في تأليف الجمعيات المكفول دستورياً".
إذ ينص الدستور الأردني في المادة 6 /2 : "للأردنيين حق تأليف الجمعيات والأحزاب السياسية على أن تكون غاياتها مشروعة ووسائلها سلمية وذات نظم لا تخالف أحكام الدستور".
" القانون يحدّ من حرية ممارسة تكوين الجمعيات للمواطنين الأردنيين، في انتهاك صريح لالتزامات الأردن بموجب المادة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والتي تمتد لتشمل جميع الأفراد الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها، دون تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو النسب" بحسب هيومن رايتس وتش، إذ أن القانون حرم تأسيس الجمعيات السياسية والغير المسلمة، كما يعرقل تأسيس غير الأردنيين للجمعيات.
وتنتقد هومن رايتس وتش "اقتصار حقوق تكوين الجمعيات على الأشخاص فوق 18
عاما، يعني أن القانون يخرق أيضا وبوضوح التزامات الأردن المتعلقة بالمادة 15 من اتفاقية حقوق الطفل، التي تكفل الحقوق نفسها للأطفال، والأردن دولة طرف في هذه الاتفاقية".
لم تُخفي أمين عام سجل الجمعيات ديمة خليفات، تحفظاتها على القانون، كعدم انسجامه مع الممارسات الفضلى لممارسة هذا الحق؛ لكنها في الوقت عينه، تقول: " نحن جهة تنفيذية تطبق القانون الساري، والسلطة التشريعية هي المعنية بتعديله".
مجلس حكومي
يتشكل مجلس إدارة سجل الجمعيات في وزارة التنمية الاجتماعية من 12 عضوا بينهم الرئيس، 8 منهم ممثلين عن الوزارات المختلفة و4 يعينهم مجلس الوزراء.
يرأس المجلس وزير التنمية الاجتماعية، ويكون أمين عام السجل نائباً للرئيس، كما ويضم ممثلاً عن كل من وزارات: الداخلية، الثقافة، السياحة والآثار، البيئية، التنمية السياسية، إضافة إلى أربعة أشخاص من ذوي الخبرة في مجال قطاع العمل الخيري أو التطوعي يعينهم مجلس الوزراء بناءً على تنسيب وزير التنمية الاجتماعية، وفقاً للمادة 4 من قانون الجمعيات.
وترى هيومن ريس ووتش في رسالتها إلى رئيس الوزراء عام 2009، أن تشكيلة المجلس رغم تواجد ممثلين غير حكوميين، لا تعوض كثيراً الثغرة الجسيمة، طالما بقيت الحكومة تعين أعضاء المجلس.
وبشأن تشكيلة المجلس، تقول خلفيات، أنها تشكيلة متوازنة تضمن عدم وجود توجه معين، لكونها تشكيلة متنوعة، إذ لا يكون فيها القرار منفرداً.
طالما بقيت الحكومة تتجاهل التوصيات باعتماد الإشعار بدل نظام التسجيل الجمعيات، ستبقى نعمة وإيناس وما لا يقل 840 مواطن تقدموا لتسجيل 120 جمعية فاقدين لحقهم في تشكيل الجمعيات والانضمام إليها.
* هذا التقرير ضمن مشروع تعزيز الحوار العام حول قضايا حقوق الإنسان من خلال الإعلام، بالشراكة مع مؤسسة "صحافيون من أجل حقوق الإنسان" .