ورقة بحثية توصي بـ"اعتماد إجراءات غير تمييزية في تقييم طلبات الرخص الإذاعية

ورقة بحثية توصي بـ"اعتماد إجراءات غير تمييزية في تقييم طلبات الرخص الإذاعية

: البيئة الاقتصادية والمهنية الحاضنة لحرية الإعلام

اعداد سوسن زايدة/ماجستير صحافة

ترتبط تنمية قطاع الإعلام وتطوره مهنيا بقدرته على خدمة فئات المجتمع كافة والتعبير عن قضاياها المتنوعة ونقل آرائها المتعددة. وفي الأردن تحول سيطرة الحكومة على الإعلام دون تحقيق هذا التنوع. تمتلك الحكومة، من خلال مؤسساتها المختلفة، ٤٧٪ من البث الإذاعي (FM)، ٣٠٪ من الصحافة اليومية و٢٠٪ من القنوات الفضائية الأردنية، وتحتكر البث التلفزيوني الأرضي ووكالة الأنباء الوحيدة، فيما تركت الصحف الدورية والمواقع الإخبارية الإلكترونية للقطاع الخاص (الأرقام مبينة لاحقا).

وتفرض الحكومة على القطاع الخاص نظام ترخيص إلزامي للمؤسسات الإعلامية، تنفرد فيه الحكومة باتخاذ قرارات الموافقة أو عدم الموافقة على الترخيص وبوضع معايير وشروط تحصر من يحق لهم الحصول على الترخيص في فئات اقتصادية وجغرافية معينة. وتستثني بذلك فئات مجتمعية عريضة تبقى مهمشة إعلاميا بسبب عدم قدرتها على تلبية شروط امتلاكها لمؤسسات إعلامية خاصة بها.

 

الحكومي والتجاري يتقاسمان قطاع الإعلام في الأردن

يفتقد قطاع الإعلام في الأردن للتنوع من ناحية الملكية والتي تحصرها الأنظمة والتعليمات الناظمة للإعلام في نوعين فقط، حكومي وتجاري. وذلك من خلال فرض شروط ومتطلبات موحدة لجميع طلبات رخصة البث، وهي متطلبات لا تتوفر سوى في المؤسسات الحكومية أو الشركات التجارية المسجلة لدى وزارة الصناعة والتجارة. وبذلك تتعارض الأنظمة والتعليمات، وبخاصة الناظمة لرخص البث الإذاعي والتلفزيوني، مع قانوني المطبوعات والنشر والإعلام المرئي والمسموع الذين منحا حق تملك وسيلة إعلام "للشخص الاعتباري"، وهو "الذي تم تأسيسه أو تسجيله وفق أحكام التشريعات الأردنية النافذة". وينطبق هذا التعريف على الجمعيات، الاتحادات، النقابات، الأندية، الهيئات الأهلية، وغيرها من منظمات المجتمع المدني.

وفتح قانون الإعلام المرئي والمسموع لسنة 2002  باب الاستثمار التجاري في قطاع الإعلام من دون أن يضع أحكاما تمنع من تركُّز الملكية غير المٌبَرَّر أو الملكية المتقاطعة داخل قطاع الإعلام المرئي والمسموع أو بين قطاعات الإعلام المختلفة. وتظهر إشارات تَرَكُّز المُلكيّة في القطاع الخاص. فمن بين 23 محطة إذاعية خاصة، تَمتَلِكُ أربع شركاتٍ 9 قنوات إذاعية، بينما تُمتَلَكُ كل واحدة من الباقيات من قِبل شركات منفصلة.

وبالرغم من أن القانون وضع حَدّاً لاحتكار الحكومة للبث، إلّا أنَّ الإعلام المملوك للدولة ما زال مسيطراً في السوق.

من بين 39 محطة إذاعية مرخصة من هيئة الإعلام و4 محطات إذاعية تابعة لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردنية، هنالك 20 محطة تملكها هيئات حكومية؛ تتضمن 6 محطات تملكها جامعات حكومية (يرموك إف إم، صوت الجنوب، صوت الكرك، الجامعة الأردنية، جامعة الطفيلة، جامعة آل البيت)، و4 محطات تملكها الإذاعة الأردنية، و3 تملكهما القوات المسلحة، و3 أُخرى تملكها أمانة عمان الكبرى وبلدية الزرقاء وسلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، وواحدة تملكها كل من مديرية الأمن العام، الصندوق الأردني الهاشمي للتنمية البشرية (جهد)، مجمع اللغة العربية، ووزارة الأوقاف.

ولا تزال الحكومة مُحتَفِظة بالبث التلفزيوني الأرضي الذي يشمل قناتي التلفزيون الأردني؛ التلفزيون الأردني والقناة الرياضية. كما توجد 38 قناة تلفزيونية فضائية مُرَخَّصة  في الأردن. ومنها 18 قناة فقط يملكها أردنيون ومُوَجَّهة إلى الأردنيين، أما القنوات التي تبقَّت فهي عربية (عراقية، سعودية وليبية بشكلٍ رئيسيٍّ). هنالك 15 قناة خاصة من القنوات الأردنية وثلاث قنوات حكومية (الرياضية والمستقلة يملكهما التلفزيون الأردني، بينما يملك الأمن العام القناة الأخرى). تبث عشر قنوات برامجَ فيديوية، والثماني المتبقية هي قنوات سلايد. وتبث خمس قنوات برامج إخبارية، ٣ خاصة (رؤيا والحقيقة الدولية والأردن اليوم) واثنتان حكومية (التلفزيون الأردني والمستقلة).

وتملك الحكومة وكالة الأنباء الأردنية (بترا)، وهي الوكالة الوحيدة للأنباء في المملكة. أما بالنسبة لقطاع الإعلام المطبوع، فتُعَدُّ الحكومة، ممثلة بالمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، المساهم الرئيسي في ثلاث صحفٍ من أصل 10 صحف يومية، حيث تملك، وفقا لافصاحات الشركة في بورصة عمان، 55 بالمئة من أسهم شركة المساهمة العامة التي تنشر جريدة الدولة الوحيدة باللغة الإنجليزية "The Jordan Times" وجريدة "الرأي"، التي تُعَدُّ الصحيفة الأوسع انتشاراً باللغة العربية، وفقا لمسوحات إبسوس ستات. وتملك الحكومة كذلك 30 بالمئة من أسهم شركة المساهمة العامة التي تنشر صحيفة "الدستور"، والتي تُعَدُّ ثالث صحيفة يومية من حيث الانتشار. وبالإضافة إلى ذلك، تملك صحيفة "الرأي" و "الدستور" اثنتين من مجموع أربع مطابع في المملكة.

وفي القطاع الخاص يوجد 16 صحيفة ورقية أسبوعية، 3 شهرية و1 سنوية، بالإضافة إلى 178 موقعا إخباريا مرخصا، وفقا لإحصاءات هيئة الإعلام لغاية أيلول ٢٠١٨.

شروط مالية تعيق التنافس العادل

 

لا تعترف التشريعات والسياسات الناظمة للإعلام بالإذاعات المجتمعية، كنوع ثالث مختلف عن الحكومي والتجاري. الأمر الذي يمنع تطور محطات الإذاعة المجتمعية التي تملكها وتديرها المجتمعات المحلية. أما محطات الإذاعة التي تملكها منظمات المجتمع المدني فترخص وتسجل لدى هيئة الإعلام كالإذاعات الخاصة. والإذاعات التي توصف بالمجتمعية، هي في التطبيق ووفقا للتشريعات محطات محلية تملكها وتمولها وتديرها هيئات حكومية، بما فيها 6 جامعات حكومية و3 بلديات.

وبالرغم من أن القانون يتيح رخصة البث لجميع المتقدمين المسجلين "كشخص اعتباري"، تعيق شروط الترخيص الواردة في النظام والتعليمات حصول الجمعيات على رخصة بث، حيث تخضع الجمعيات لنفس الشروط المالية المفروضة على الإذاعات الخاصة التجارية، فيكون على الجمعيات خلال تقديم طلب الترخيص تقديم شيكات أو إيداع مبالغ تستردها قسم منها إذا حصلت على إعفاء من مجلس الوزراء. وفي التطبيق لم تتمكن أول جمعيتين تقدمتا بطلب ترخيص بث إذاعي من توفير المتطلبات المالية.

ويفرض نظام رخص البث الإذاعي والتلفزيوني متطلبات مالية موحدة على جميع المرخصين، باستثناء المؤسسات الحكومية. وتتساوى رسوم رخص البث المفروضة على الإعلام التجاري المعتمد على بث البرامج الموسيقية والترفيهية قليلة الكلفة والتي تهدف إلى جذب الإعلانات فقط، مع الإعلام غير الربحي الذي يهدف لخدمة جمهوره من خلال برامج إخبارية ومتنوعة عالية الكلفة. بذلك تؤسس رسوم بدء عمل محطات البث لمنافسة غير عادلة، خصوصا في ظل غياب تشريعات ناظمة لسوق الإعلانات التجارية.

وبالرغم من تعديل المادة ٢٢ من قانون الإعلام المرئي والمسموع لعام ٢٠١٥، بإضافة كلمة "وغيرها" بعد المؤسسات والدوائر الحكومية التي يحق لمجلس الوزراء إعفائها من رسوم البث "شريطة عدم بثها للإعلانات التجارية"، لم يتم تعديل أو تكييف نظام وتعليمات رخص البث مع التعديل القانوني. وأبقت الهيئة على المتطلبات المالية، ومنها شيك مصدق بقيمة الرسوم وكفالة بنكية لحسن التنفيذ بقيمة ٥٠٪ من الرسوم، المرفقة مع جميع طلبات الترخيص، بما فيها طلبات المؤسسات غير الربحية والتي ترغب بالحصول على إعفاء من الرسوم مقابل الامتناع عن بث الإعلانات. وعلى المتقدمين توفير جميع هذه المتطلبات قبل تقديم طلب الإعفاء، وإذا حصل المتقدم على موافقة مجلس الوزراء على الإعفاء تعيد الهيئة الرسوم للمتقدم.

كما لم يتم تطبيق التعديل القانون بأثر رجعي، حيث استمرت الإذاعات الحكومية المعفية من الرسوم ببث الإعلانات. وتم تطبيقه على إذاعتي جيش إف إف وبليس اللتين حصلتا على رخصة البث بعد التعديل القانوني المشار إليه.

وفي سنة ٢٠١٧ ساهم النظام المعدل لنظام رسوم وبدل ترخيص المطابع ودور النشر والتوزيع والترجمة وقياس الرأي والمكتبة والدراسات والبحوث ومكاتب الدعاية والإعلان والمطبوعات الدورية، في تعميق الأزمة المالية التي تعاني منها المواقع الإلكترونية الإخبارية. وذلك بفرض رسوم ترخيص على المواقع الإلكترونية، التي تم ترخيصها بعد تعديل النظام، بقيمة ١٥٠٠ دينار بالإضافة إلى ٥٠ دينار عند تجديد الرخصة سنويا، فرضت على جميع المواقع بأثر رجعي. ويشكل هذا المبلغ عبئا ماليا على المواقع الإخبارية التي بالكاد تغطي النفقات المتواضعة لتسيير عملها، وذلك في ظل غياب تنظيم سوق الإعلانات الخاصة واحتكار الصحف اليومية للإعلانات الحكومية.

ومع استمرار الأزمة المالية للصحف الورقية نتيجة تراجع عوائد البيع والتوزيع والمطابع بزيادة انتشار الانترنت وتوجه القراء من الورقي إلى الإلكتروني، أصبحت رسوم ترخيص الصحف اليومية (٢٠٠٠ دينار) أو غير اليومية (١٥٠٠ دينار) عائقا أمام تطور مبادرات جديدة قد تستهدف مجتمعات غير مخدومة إعلامية ولا يزال إنتشار الإنترنت فيها محدودا، مثل الصحف المحلية المجتمعية أو المحلية في محافظات مهمشة إعلاميا.

قيود ترخيص إدارية وتحريرية

تفرض تعليمات رخص البث وقانون المطبوعات على المؤسسات المتقدمة بطلبات ترخيص مؤسسات إعلامية تعيين مدير متفرغ يشترط أن يكون لديه خبرة في العمل الإذاعي أو التلفزيوني لعشر سنوات فأكثر في حالة الإذاعة أو التلفزيون، أو أن يكون عضوا في نقابة الصحفيين لأربع سنوات فأكثر، علما أن قانون النقابة يشترط مدد تدريب تصل إلى أربع سنوات حسب الشهادة التي يحملها الصحفي قبل أن يسجل في النقابة كعضو فاعل.

وبذلك يصبح تعيين مدير للمؤسسة الناشئة، وتحديدا إذا كان مقرها خارج العاصمة أو في إحدى المدن أو القرى البعيدة عن المركز، حيث يقل عدد الصحفيين ذوي الخبرات الطويلة أو أعضاء النقابة، شرطا يصعب تحقيقه. وإذا كانت الجهة المتقدمة لطلب ترخيص مؤسسة إعلامية غير ربحية أو جمعية خيرية يصبح تعيين مدير بهذه المواصفات مستحيلا لعدم قدرتها على توفير أجر شهري لمدير بهذه المواصفات. ويشكل هذا الشرط عبئا ماليا يضاف إلى رسوم الترخيص التي يفرضها نظاما رخص البث والمطبوعات الدورية. بذلك تضيق أكثر فأكثر دائرة القادرين على تلبية الشروط المالية لترخيص المؤسسات الإعلامية، ويزيد تركزها في العاصمة والمدن الكبرى، وتبقى الفئات المجتمعية المهمشة والأكثر حاجة لخدمة إعلامية تلبي احتياجاتها خارج هذه الدائرة.

وتعيين مدير للمؤسسة الإعلامية بشروط تفرضها الحكومة مسبقا يصادر جزءا من استقلالية المؤسسة قبل نشوئها. فهو يفرض على إذاعة مجتمعية أو صحيفة محلية أو موقع إخباري للشباب، تسليم صلاحيات إدارتها وقراراتها التحريرية لمدير لديه خبرة طويلة في مجالي الإعلام الحكومي أو التجاري السائدين، رغم تعارض خبرته مع أولوياتها التحريرية أو احتياجات جمهورها المستهدف. وبدلا من أن يكون هذا المدير ضمانة لمهنية المؤسسة الإعلامية وتطورها يصبح عاملا في اغترابها عن جمهورها وضعف منتجها الإعلامي إذا ما قيس بقدرتها على التعبير عن قضايا وآراء مجتمعها المستهدف.

توصيات

  1. تضمين التشريعات تعريف واضح للبث المجتمعي يحمل مفهوم خدمة المجتمع ويأخذ شكل كيان خاص غير ربحي، مثل الجمعيات الخيرية أو المؤسسات غير الربحية. واعتماد إجراءات ترخيص بث خاصة به، معفاة من رسوم الترخيص ومستثناة من متطلبات الإيداع في طلبات ترخيص البث، من دون الحاجة إلى قرار موافقة من مجلس الوزراء.
  2. اعتماد خطة لطيف الترددات الراديوية يجري تطويرها من خلال عملية تشاورية مفتوحة، ويتم فيها توزيع رخص البث بشكل عادل يراعي تنوع البث العام والمجتمعي والتجاري.
  1. اعتماد إجراءات عادلة غير تمييزية في تقييم طلبات الرخص، والتي تتّصف بكونها تنافسية ومحميَّة ضد التدخُّل السياسي، وتسمح بمساهمة العامة، وضمان اعتبار التنوُّع معياراً لتقييم طلبات الرخص التنافسية.
  1. تعديل التشريعات الناظمة للإعلام لوضع حدٍّ لتركُّز مُلكية الإعلام، بما في ذلك المُلكية المتقاطعة، وضمان تطبيقها بالشكل المناسب.
  2. إلغاء رسوم ترخيص المواقع الإخبارية الإلكترونية والمنصات الإعلامية العاملة عبر الإنترنت، لأن مسألة الرسوم ترتبط بالتعددية وتشكل عقبة أمام عملية إنشاء وسيلة إعلام.
  1. تعديل قانون المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون، وذلك بهدف تحويل التلفزيون الأردني إلى هيئة مستقلة يتم الإشراف عليها من قبل مجلس إدارة مستقل يتم تعيينه بشكل يضمن حمايته من التدخلات السياسية والتجارية وتحقيق التوازن ما بين الجنسين، وضمان استقلالية هيئة التحرير، وأن ينص القانون على مهام واضحة للمصلحة العامة، وضمان حصول التلفزيون على التمويل الكافي لحمايته من التدخل السياسي والسيطرة الحكومية.
  1. تعديل قانون وكالة الأنباء الأردنية "بترا" ونظام قناة تلفزيون "المملكة"، وتطبيق المعايير المشار إليها أعلاه بهدف ضمان استقلاليتهما وحمايتهما من التدخلات السياسية وتحويلهما إلى خدمة إعلام عام.
  2. القيام بمشاورات عامة على نطاق واسع لتحديد مستقبل الصحف المملوكة من قبل القطاع العام، الرأي والدستور وجوردن تايمز, لضمان وجود شفافية ووضوح بشأن ملكيتهم. ويجب أن تتمتع الهيئات التحريرية في كل منها بالاستقلالية التحريرية وألّا تكون خاضعة لتدخل الحكومة.
  1. الاستمرار في المشاورات التي جرت حول إيجاد آلية أو آليات مستقلة للشكاوى في مجال الإعلام، بحيث تشمل كافة الجهات المعنية. وأن تهدف إلى ضمان ما يلي:

أ.   أن تكون الهيئة التي تشرف على النظام مستقلة عن الحكومة ومستقلة بما يكفي عن القطاع الإعلامي للحفاظ على ثقة الجمهور والوصول إلى قرارات عادلة.

ب.  أن يشمل النظام على مدونة سلوك واضحة وملائمة يمكن على أساسها تقييم الشكاوى، والتي ينبغي أن تكون واضحة ولا تشمل على قيود غير ملائمة.

ج.  أن تكون العقوبات المتاحة محدودة، لاسيما في قطاع الصحافة المطبوعة، فيما يخص التصحيح أو الرد أو تقديم بيان من قبل الهيئة الإشرافية.

د.  وفي قطاع البث، ينبغي أن تحتوي القواعد على متطلبات لجعل البث متوازناً وغير متحيز في المسائل السياسية وغيرها من الأمور التي تهمّ العامة، نظراً لأن القطاع يستخدم طيف التردد العامّ.

أضف تعليقك