هل ينفتح الأردن على إيران في ظلّ التحالفات الإقليميّة المتبدّلة؟

هل ينفتح الأردن على إيران في ظلّ التحالفات الإقليميّة المتبدّلة؟
الرابط المختصر

بينما ودّع الأردنيّون سنة سيّئة للغاية بالنسبة إلى المملكة من ناحية تدهور الظروف الاقتصاديّة والاجتماعيّة، لم تكن التوقّعات للعام 2018 إيجابيّة. فمن المرتقب أن يضع مجلس النوّاب موازنة حكوميّة مثيرة للجدل ستتضمّن موافقة على توصية صندوق النقد الدوليّ برفع الدعم، بما في ذلك على الخبز – وهو غذاء يوميّ أساسيّ لملايين الأردنيّين.

 

بالإضافة إلى ذلك، سيحدّ مشروع قانون خاصّ بضريبة الدخل من إعفاءات دفع ضريبة الدخل ويخفّض العتبة بالنسبة إلى من يتوجّب عليهم دفع الضريبة. ولا يزال النموّ الاقتصاديّ بطيئاً والموازنة الحكوميّة تعاني من العجز، وتخطّى الدين الخارجيّ والمحليّ عتبة الـ 36 مليار دولار. وحذّر الخبراء الاقتصاديّون من احتمال تراجع المساعدات الخارجيّة للمملكة في العام 2018.

 

لكنّ المشهد الاقتصاديّ القاتم هو مجرّد جزء من حالة التشاؤم الحاليّة. فقد أشار الخبراء إلى تحوّلات جيوسياسيّة كبيرة في المنطقة في خلال العام 2017 تضع مزيداً من الضغوط على المملكة. وشملت هذه التحوّلات تدهور العلاقات مع إسرائيل، والشعور بأنّ الحلفاء الخليجيّين التقليديّين يتفاوضون سرّاً مع إسرائيل لإبرام "الصفقة المطلقة" المزعومة للرئيس دونالد ترامب على حساب الأردن والفلسطينيّين، ومؤخّراً تداعيات اعتراف ترامب الأحاديّ بالقدس عاصمة لإسرائيل.

 

وعلى الرغم من تحذيرات الولايات المتّحدة، صوّت الأردن – الذي قاد حملة دبلوماسيّة مكثّفة ردّاً على إعلان ترامب – لصالح قرار الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة في 21 كانون الأول/ديسمبر، الذي وصف أيّ تغيير في وضع القدس بأنّه باطل ولاغٍ، واعتُبر ردّاً قاسياً على البيت الأبيض. مع ذلك، يخشى الأردنيّون أن تردّ الولايات المتّحدة باقتطاع 1,2 مليار دولار من المساعدات الاقتصاديّة والعسكريّة السنويّة. وما يخشونه أكثر هو أن يتأثّر التحالف القويّ تاريخيّاً مع الولايات المتّحدة في عهد الإدارة الحاليّة.

 

لقد أمل الملك عبدالله بناء علاقة قويّة مع ترامب. وكان الزعيم العربيّ الوحيد الذي اجتمع به ثلاث مرّات السنة الماضية. ويزور الملك باستمرار مقرّ الكونغرس، ويتمتّع بعلاقات ممتازة مع مشرّعين بارزين. وبالتالي، سيكون من الصعب على إدارة ترامب اتّخاذ تدابير عقابيّة ضدّ عمّان من دون مواجهة اعتراضات من الكونغرس.

 

مع ذلك، يشعر الأردن بانعزال وتهميش متزايدين في ظلّ التحالفات المتبدّلة والوقائع الجيوسياسيّة الجديدة في المنطقة. وبالتالي، دعا الخبراء القيادة إلى التحرّك وفتح قنوات مع من تعتبرهم أعداء، بما في ذلك إيران.

 

تميّزت سياسة الأردن الخارجيّة على مرّ التاريخ بالبراغماتيّة والحذر. وسار الملك عبدالله على خطى والده برفع التحدّيات الصعبة المرتبطة بالسياسة الخارجيّة. وكان الملك أوّل من حذّر من "هلال شيعيّ" يمتدّ من طهران إلى بيروت في العام 2004. وشهدت العلاقات بين عمّان وطهران فتوراً على مدى عقود عدّة – وبلغت أسوأ حالاتها أثناء الحرب العراقيّة الإيرانيّة في الثمانينيّات – على الرغم من أنّ الأردن كان مستعدّاً لتحسين العلاقات بعد انتخاب حسن روحاني رئيساً لإيران في العام 2013. وعندما هاجم متظاهرون إيرانيّون السفارة السعوديّة في طهران في كانون الثاني/يناير 2016، لم يقطع الأردن علاقاته مع إيران، لكنّه قام باستدعاء سفيره.

 

لا شكّ في أنّ الخطوة التي قام بها ترامب في ما يتعلّق بالقدس وجّهت ضربة قاضية إلى حلّ الدولتين – الذي يُعتبر حجر أساس للأمن القوميّ الأردنيّ. فالحكومة الإسرائيليّة اليمينيّة المتطرّفة تُعتبر معادية لمصالح الأردن، واتّخاذها تدابير أحاديّة لتعزيز سيطرتها على الضفّة الغربيّة سيقوّي الأصوات اليهوديّة المتشدّدة التي تزعم أنّ هناك دولة فلسطينيّة حاليّاً – في الأردن. أضف إلى ذلك الشكوك المتزايدة بشأن استعداد المملكة العربيّة السعوديّة والإمارات العربيّة المتّحدة لتجاوز الأردن في أجل تطبيع علاقاتهما مع إسرائيل.

 

 

ووسط هذه التطوّرات العظيمة، دعا عدد من الخبراء النافذين الأردن إلى الردّ من خلال تحسين علاقاته مع طهران. وفي مقال في جريدة "الدستور" في 26 كانون الأول/ديسمبر، دعا المحلّل السياسيّ عريب الرنتاوي الحكومة إلى السير على خطى الإمارات العربيّة المتّحدة. وكتب: "تبلغ قيمة التجارة بين إيران والإمارات العربيّة المتّحدة، اللذين يختلفان سياسيّاً، أكثر من 17 مليار دولار سنويّاً، ومع ذلك تقود أبو ظبي الحملة ضدّ إيران".

 

وأضاف الرنتاوي: "لا خلاف بيننا وبين إيران، وليس علينا أن نكون في مقدّمة البلدان المعارضة لها. علينا تطبيع العلاقات وإعادة سفيرنا على الفور".

 

ودعا المعلّق السياسيّ محمد أبو رمّان، في جريدة "الغد" في 26 كانون الأول/ديسمبر، الحكومة أيضاً إلى الانفتاح على إيران، "ولا سيّما أنّ طهران هي الآن البوّابة إلى العراق مع سوقها الكبيرة وعرضها القائم الذي يقضي بتزويدنا بالنفط بأسعار منخفضة".

 

لكنّه أضاف أنّ "هذه الخطوة لا ينبغي أن تعني أنّه علينا تغيير تحالفاتنا، بل ينبغي أن تمنحنا الفرصة لحماية مصالحنا الوطنيّة. علينا أن ندرك أنّنا منعزلين سياسيّاً وأنّه لدينا خلافات عميقة مع حلفائنا التقليديّين".

 

ودعت رئيسة تحرير "الغد"، جمانة غنيمات، بدورها الأردن إلى "إعادة النظر في تحالفاته التقليديّة في الوقت الذي تبعث فيه طهران رسائل إيجابيّة إلى الأردن". وكتبت في مقال في 19 كانون الأول/ديسمبر: "علينا فتح الأبواب للاعبين جدد، خصوصاً أولئك الذين يقفون إلى جانبنا... تعرض علينا إيران شراكة اقتصاديّة وينبغي أن نقبل عرضها".

 

وفي مقابلة مع "المونيتور" نُشرت في 19 كانون الأول/ديسمبر، قال السفير الإيرانيّ في الأردن مجبتى فردوسي بور: "عندما تُفتح الأبواب لتعزيز العلاقات الاقتصاديّة بين إيران والأردن، سيكون الأردن المستفيد الأكبر. فالسوق الإيرانيّة تتألّف من 80 مليون شخص فيما تضمّ السوق الأردنيّة نحو 9 ملايين شخص".

 

وأضاف: "سنة 2015، اتّفقت إيران والأردن على تشكيل لجان اقتصاديّة مشتركة، لكنّ اللجان علّقت عملها بعد تدهور العلاقات السعوديّة الإيرانيّة وإقفال السفارة السعوديّة في طهران واستدعاء السفير الأردنيّ في طهران سنة 2016".

 

حتّى هذه اللحظة، لم تُظهر الحكومة الأردنيّة أيّ استعداد لتغيير وضع تحالفاتها أو تحسين علاقاتها مع طهران. ولا شكّ في أنّ أيّ تطبيع بين الأردن وإيران في هذه المرحلة الحسّاسة لن يلقَ ترحيباً من حلفاء المملكة الخليجيّين أو من واشنطن. لقد نجح الأردن، منذ قيامه كمملكة سنة 1946، في تخطّي تحدّيات وجوديّة متعدّدة على الصعيدين الإقليميّ والداخليّ. ويبدو الآن أنّ سنة 2018 ستكون بداية لأحد هذه التحدّيات.

 

أضف تعليقك