هل سيستعيد الأردن سيادته على الباقورة والغمر؟

هل سيستعيد الأردن سيادته على الباقورة والغمر؟
الرابط المختصر

تدرس الحكومة الأردنيّة إمكانيّة تجديد "نظام خاصّ" يمتدّ على فترة 25 سنة – بموجب ملحق تابع لمعاهدة السلام التي وقّع عليها الأردن وإسرائيل سنة 1994 – من المتوقّع أن تنتهي مدّته في العام 2019. ويمنح هذا الاتّفاق إسرائيل حقوق ملكيّة أراضٍ خاصّة ومصالح مملوكة في منطقة الباقورة الخاضعة للسيادة الأردنيّة. لكنّ رئيس الوزراء السابق ورئيس الوفد الأردنيّ من أجل مفاوضات السلام عبد السلام المجالي أدلى بتصريحات صادمة في مقابلة تلفزيونيّة يوم 20 آذار/مارس. فقد قال إنّ الأراضي في منطقة الباقورة، التي تسمّيها إسرائيل نهاريم، هي في الواقع ملكيّة خاصّة لليهود. وقال المجالي لقناة "الأردن اليوم" التلفزيونيّة إنّه فيما يتمتّع الأردن بسيادة على تلك المنطقة، تمّ تسجيل الأرض في الباقورة باسم مالكين يهود سنة 1926. وأشار إلى أنّ المنطقة كانت خاضعة للاحتلال الإسرائيلي وأعيدت إلى الأردن الذي لم يؤجّرها لإسرائيل بما أنّها ملكيّة خاصّة.

 

 

وأحدثت هذه التصريحات ضجّة في المملكة الهاشميّة وأثارت سخط النوّاب. فقبل يومين من المقابلة مع المجالي، وقّع 20 نائباً عريضة طالبوا فيها الحكومة بعدم تجديد ما وُصف على مدى السنوات الأربع والعشرين الماضية بأنّه إيجار يشمل الباقورة الواقعة على طول نهر الأردن، والغمر في وادي عربة.

 

 

انتظرت الحكومة بضعة أيّام قبل الردّ على الجدل الحاصل. وفي 25 آذار/مارس، أجاب وزير الخارجيّة أيمن الصفدي على سؤال حول هذه المسألة في البرلمان، مؤكّداً أنّ الباقورة هي "ملكيّة خاصّة للإسرائيليّين منذ العام 1926"، إلا أنّ الأردن يحتفظ بسيادته على الأرض وعلى الغمر في وادي عربة. وقال إنّ قرار تجديد "الإيجار" أو عدم تجديده يعود إلى الحكومة، التي ستتّخذ قرارها "بما يتوافق مع المصلحة الوطنيّة العليا للمملكة".

 

 

لكنّ جواب الصفدي أشعل الجدل أكثر. وردّ وزير العدل السابق محمد الحموري في 26 آذار/مارس، قائلاً لموقع "Jo24.net" الإخباريّ إنّ كلمتي "إسرائيل" و"إسرائيليّون" لم تكونا موجودتين سنة 1926. وأضاف: "لو تمّت صفقة البيع بالفعل آنذاك، لَسُجّل العقد باسم مواطنين أجانب وهذا لا يؤثّر على سيادة الأردن الكاملة على الأرض. إنّ الباقورة أردنيّة بقدر عمّان وإربد، وبموجب الدستور، لا تستطيع الحكومة التخلّي عن إنش واحد من أراضيها".

 

 

وكشفت دراسة مفصّلة أجراها الباحث الأكاديميّ الأردنيّ شاكر جرّار ونشرتها مجلّة حبر الالكترونيّة (7iber.com) باللغة العربيّة في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2017، أنّه بموجب الملحق 1(ب) التابع لمعاهدة السلام الموقّعة سنة 1994، اتّفق الأردن وإسرائيل على أن "ينطبق نظام خاصّ على منطقة الباقورة/نهاريم". وأوضحت الدراسة أنّ الطرفين يقرّان بأنّ المنطقة "خاضعة لسيادة الأردن مع تمتّع إسرائيل بحقوق ملكيّة أراضٍ خاصّة ومصالح مملوكة".

 

 

وعلى هذا الأساس، تعهّد الأردن، من بين أمور أخرى، بمنح الحريّة المطلقة لدخول المنطقة والخروج منها، وبعدم تطبيق قوانين الجمارك والهجرة على مالكي الأراضي، وبعدم فرض ضرائب أو رسوم تمييزيّة تتعلّق بالأرض أو بالأنشطة داخل المنطقة، وبالسماح لعناصر الشرطة الإسرائيليّة المرتدين الزيّ الرسميّ بالنفاذ إلى المنطقة.

 

 

واتّفق الطرفان أيضاً على نظام خاصّ مشابه بموجب الملحق 1(ج) يتعلّق باستعمال منطقة الغمر، التي أقرّا بخضوعها لسيادة أردنيّة مقابل تمتّع إسرائيل بحقوق ملكيّة أراضٍ خاصّة في تلك المنطقة الواقعة على طول الحدود الأردنيّة الإسرائيليّة. وليس هناك ذكر لكلمة "إيجار" في الملحق، بل يتّفق فيه الطرفان "على أن يبقى الملحق ساري المفعول لمدّة 25 سنة وأن يتجدّد تلقائياً للفترة عينها إلا إذا قدّم أحد الطرفين إشعاراً بفسخه قبل سنة، وفي هذه الحالة، يتمّ الدخول في مشاورات بطلب من أيّ من الطرفين".

 

 

ويشرح جرّار في دراسته كيف أصبحت أراضي الباقورة ملكاً لليهود. فيقول إنّ حكومة الانتداب البريطانيّ في فلسطين منحت الصهيونيّ المولود في روسيا، بنحاس روتنبرغ، امتيازاً سنة 1926 لتوليد الطاقة الكهربائيّة في منطقة الباقورة باستخدام مياه من نهري اليرموك والأردن. وفي 8 كانون الثاني/يناير 1928، وافقت حكومة إمارة شرق الأردن على الامتياز البالغة مدّته 70 عاماً. وفي خلال هذه العمليّة، تمكّن روتنبرغ من شراء 6 آلاف متر مربّع من الأراضي في تلك المنطقة. ويضيف جرّار أنّ العقد، المحفوظ لدى دائرة الأراضي في إربد، ينصّ على أنّه لا يحقّ لروتنبرغ نقل ملكيّة الأراضي إلى طرف ثالث. لكنّ جرّار يصرّ على أنّ روتنبرغ باع الوكالة اليهوديّة آلاف الأمتار المربّعة. وقد احتلّت إسرائيل الباقورة بعد حرب 1948.

 

 

وإنّ دراسة جرّار، التي أعادت مجلّة حبر نشرها باللغة الانكليزيّة بعد مقابلة المجالي والجدل الذي أثارته، دفعت النوّاب، والمحلّلين السياسيّين والمسؤولين إلى إعادة النظر في المعاهدة. وكتب وزير الإعلام السابق طاهر العدوان في 25 آذار/مارس على موقع صحيفة المقر الالكترونيّة، أنّه بعد تصاريح المجالي التي "وقعت على رؤوسنا كالمطرقة"، أعاد قراءة موادّ معاهدة السلام واكتشف "أنّنا كأحزاب سياسيّة، وسياسيّين وإعلام كنّا في سبات عميق [عندما صادق البرلمان على المعاهدة في 6 تشرين الثاني/نوفمبر 1994] عندما صدّقنا قصّة تأجير أرضنا وتحريرها". وأضاف عدوان، "بتنا نعرف الآن أنّ الأرض لم تؤجَّر ولم تحرَّر وأنّ سيادتنا منقوصة".

 

 

ودعا عدوان الحكومة إلى عدم تجديد الاتّفاق وإلى إلغاء ملكيّة إسرائيل للأراضي الأردنيّة. وأيّده في ذلك نقيب المحامين الأردنيّ مازن ارشيدات الذي قال لموقع "Jo24.net" في 27 آذار/مارس إنّه ينبغي إلغاء عقود بيع الإسرائيليّين أراضٍ أردنيّة لأنّ القوانين الأردنيّة لا تجيز بيع أراضٍ لليهود.

 

 

وقال المعلّق السياسيّ فهد الخيطان، في عموده في صحيفة "الغد" في 27 آذار/مارس، إنّ الجدل حول الباقورة سيستمرّ لأسابيع عدّة بما أنّه مرتبط بإسرائيل. وأشار إلى أنّ الحكومة تجد نفسها في موقف لا تحسد عليه بسبب القيود القانونيّة التي فُرضت عليها (من قبل سلطة الانتداب البريطانيّ) قبل 84 سنة. وختم بالقول إنّ المفارقة هي أنّه في العام 1950، قال وزير الدفاع آنذاك فوزي الملقي، والد رئيس الوزراء الحاليّ هاني الملقي، للبرلمان إنّ الباقورة أرض أردنيّة بموجب القانون الدوليّ وإنّ الحكومة عازمة على "صدّ الاعتداء اليهوديّ عليها بالقوّة". وسأل خيطان: "اليوم، بما أنّ الابن يواجه التحدّي عينه الذي واجهه والده قبل 68 عاماً، هل سيفي بوعد والده ويستعيد السيادة الكاملة؟"

 

  • al-monitor
أضف تعليقك