"هبّة تشرين" تعيد رسم ملامح الشارع الأردني

"هبّة تشرين" تعيد رسم ملامح الشارع الأردني

كوجه الصباح في أيام تشرين يبدو مزاج الاردنيين السياسي في الربيع العربي، متقلباً بين رفض مطالبات الحراك السياسي الذي نضج على نيران غضب الشعوب العربية الشقيقة، وبين حماسة لتلك المطالب، ولعل الحماسة التي أشعلتها ثورتي تونس ومصر فحملت اسم الزهور؛ "الياسمين" و"اللوتس"، سرعان ما تصدى لها الانجراف الدموي في ليبيا وسوريا، ليتوقف الاردنيون عند فكرة "إن الربيع العربي ليس مجرد نزهة بين حقل من الزهور"!.

الفكرة السابقة لم تثبت في المخيلة الأردنية، فسرعان ما أشعل قرار رفع الدعم عن المحروقات مؤخرا غضبهم، وانطلقوا في ميادين المحافظات والعاصمة رافضين النهج السياسي والاقتصادي، مستعينين للتعبير عن ذلك بشعارات ذات سقف مرتفع، ليترك ذلك الحدث أثره على ملامح الحراك الشعبي والشبابي والحزبي، إذ شكل علامة فارقة في تاريخ الحراك الذي ازداد زخمه منذ عامين على وقع الربيع العربي.

الطريق نحو حراك شعبي

كانت فكرة الانتفاض لأجل الاصلاح مجرد ترف فكري وسياسي، ضمت تحت رايتها النخبة، ووفق الناشط الشبابي والكاتب محمد فرج فإن الحراك في العامين الماضيين لم يتوسع في الاطار الشعبي إنما توسع في الأطر النخبوية.

ويفضل فرج وصف مرحلة العامين الماضيين بمرحلة التعديل الدستوري والقانوني، معتبرا أن "هبّة تشرين" شكلت منعطفا مهما في حراك الشارع الاردني، كونها ساهمت في توسعة الاطار الشعبي المشارك في الحراك الذي اعتادت وسائل الاعلام على وصفه بـ "الحراك الشعبي" مجازا.

ففي 13 من تشرين الثاني، كان الأردنيون على موعد مع رئيس حكومتهم عبد الله النسور، في لقاء متلفز على التلفزيون الرسمي، ليعلن بلغة ودودة مخالفة للغة زملائه السابقين الحازمة نبأ رفع الدعم عن المشتقات النفطية، إلا أن نبرة الود لم تطفىء غضب الأردنيين، الذين تواعدوا قبل بدء اللقاء على دوار الداخلية وفي ميادين باقي محافظات المملكة، لتشهد ميادين المملكة شعارات ذات سقوف عالية لم تشهدها البلد من قبل، وفي ساعات الغضب الأولى أطلق الشارع على غضبه اسم "هبّة تشرين".

خلافا لكل مرة استضافت ميادين المحافظات على اختلافها وجوها جديدة، فعندما وصلت أيدي صانع القرار إلى لقمة العيش، شعر المواطن العادي بأن وقت الرفض قد حان، وبينما كانت تشتعل بعض المواجهات بين الأمن والمتظاهرين على خلفية نيران تشتعل في دول شقيقة، وأحداث يوم 25 آذار 2011 نموذج لذلك، اشتعلت المواجهات في "هبة تشرين" على خلفية نيران الأسعار التي مست طبقة واسعة من الشعب الأردني.

وهنا يعلق فرج قائلا "كثير من الشباب الناشطين كانوا على يقين بأن الشعارات السياسية التي أطلقتها الأحزاب وعلى رأسها جبهة العمل الاسلامي لن تجمع الفئات الشعبية، وإن ما يشكل حاملا حقيقيا لموجة الغضب هو الظرف الاقتصادي الذي يلامس هموم الناس".

ومع الزمن تأكدت صحة ما سبق، فمن تجول بين البسطاء الذين لا يملكون الوقت لينضموا الى الاعتصامات يجدهم قد بدلوا مواقفهم، وإن من كان يشتم المعتصمين في أوقات سابقة، لأنه لم يجد مبررا لرفضهم ومطالباتهم، انضم إليهم بالفعل أو بالقول.

قصة الشعارات السياسية والاقتصادية

منذ بدأ الحراك الأردني في ذيبان مطلع كانون الثاني في العام 2011 وهو يتبنى شعارات يفهمها الشارع تتمحور حول "الجوع والفقر والبطالة"، وقبل ساعات من هروب بن علي من تونس، انطلقت مسيرة تضم شبابا ناشطين من المسجد الحسيني الى ساحة النخيل حاملة ذات الشعارات التي لا يعصى فهمها على البسطاء.

لكن وحال هروب بن علي، تبدل الشارع الأردني، وأصبحت ساحة الحسيني محجا للحزبيين – كلما دعت الحاجة لذلك –حينها بدأ يسمع المواطن الأردني مصطلحات سياسية عصية على الفهم، وتداول بعض الاردنيين شعارا في أواخر شباط من العام 2011 ميزهم عن باقي الدول العربية، وهو "الشعب يريد إصلاح النظام"، وتبنى الاسلاميون هذا الشعار، مبينين أنه يتناسب مع حالة الاردن، في حين يعتقد حراكيون بأنه يتناسب مع طبيعة مطالب الاخوان المسلمين السياسية البعيدة كل البعد عن هم المواطن الأردني المتلخص بالمطالب الاقتصادية.

إلا أن قرار رفع الدعم عن المشتقات أعاد شعارات الجوع والفقر إلى المشهد بقوة، لتبقى صورة الرجل الحامل لرغيف الخبز وسط عتمة دوار الداخلية، الذي استضاف الغاضبين ليلة 14 تشرين الثاني من هذا العام، هي عنوان "هبّة تشرين".

ملامح الشارع بعد "هبّة تشرين"

يشير الناشط في تيار التغيير والتحرير جمال بلعاوي، إلى أن غياب قيادات الاخوان المسلمين عن اعتصامات ومسيرات الهبّة لا يعني غياب الاخوان عنها، مبينا أنهم نشروا تعميما داخليا لشبابهم يوصيهم بالمشاركة.

وهنا يعلق فرج بان ذلك لا يتنافى مع براجماتيتهم العالية، كونهم احتفظوا بذلك بمساحة حوار ممكنة مع النظام، تمكنهم من تحقيق مصالحهم السياسية، البعيدة كل البعد عن هموم الشارع المعيشية.

ويضيف بلعاوي بهذا الشأن بأنه وبناء على ما سبق فإن الحزب الاكثر تنظيما سيحقق مكاسبه بالضرورة، وإن استخدم شعارات بعيدة عن هموم الناس المعيشية، وإن الاحزاب اليسارية تواجه معيقات كثيرة، فهي معزولة عن الشارع وتفتقد للغة تصلها بالبسطاء والكادحين.

وثمة مفارقة كبيرة في هذا الشأن، إذ أن الخطاب اليساري يقوم على حماية حقوق ومصالح الطبقة الكادحة، فكيف تنعزل أحزاب تتبنى خطابا كهذا عن الكادحين؟، "في الواقع هي تعيش غربة عن شعاراتها وخطابها" يجيب بلعاوي مبينا أن الاحزاب اليسارية تفتقر لآليات ولغة التواصل مع الناس لتوضيح برامجها وأطرها النظرية، فالناس تجهل مضامين تلك الأحزاب.

في ضوء ما سبق يتلخص المشهد على النحو التالي؛ سيتمكن الاسلاميون من تحقيق مكاسب سياسية إثر الهبة، ورغم الحالة الصعبة التي تعيشها الاحزاب اليسارية، التي تعد منافسا وبديلا شعبيا عن الاخوان، إلا أن شبابا مستقلين ذوي فكر يساري وقومي وليبرالي باتوا على ثقة بان الهم الاقتصادي يعيد فتح القنوات بينهم وبين الفئات الشعبية الفقيرة، ليشكلوا نواة حراك شعبي بمعنى الكلمة.

اليوم أنظار الجميع معلقة على الأشهر القادمة التي تحمل نبأ رفع الاسعار من جديد، وكثير من الشباب الناشطين أصبحوا على يقين أن القرارات الاقتصادية التي لا تتفهم حاجات المواطن الاردني، هي التي تعبد لهم الطريق نحو جماهير ساخطة ستصغي لهم جيدا.

أضف تعليقك