نُذر "الاتجار بالزواج" تطل برأسها..وسط تفاقم أزمة اللجوء

نُذر "الاتجار بالزواج" تطل برأسها..وسط تفاقم أزمة اللجوء
الرابط المختصر

وسط استمرار تردي الظروف الاقتصادية وتفاقم أزمة اللجوء السوري، تتزايد تحذيرات ناشطين في حقوق الإنسان من نذر بدأت تطل برأسها تتمثل في حالات "اتجار بالزواج" تم رصدها في الآونة الأخيرة، وتشكل، بمجملها، ممارسات تدخل، في باب الاتجار بالبشر.

 

وتتكاتف جهود منظمات مدنية، وأخرى رسمية وشبه رسمية إلا أن تكييف تلك الحالات يواجه مشكلة قانونية تتمثل في أن القانون "لم ينص" على أن الزواج من أشكال الاتجار بالبشر، بخلاف "الاستغلال الجنسي" الذي يعد قانونا واحدا من تلك الأبواب.

 

وتعرف المادة (3) من قانون منع الإتجار بالبشر للعام 2009، الإتجار بالبشر بأنه "استقطاب اشخاص أو نقلهم أو ايوائهم أو استقبالهم بغرض استغلالهم عن طريق الإحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة ضعف أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على هؤلاء الاشخاص"، حتى "ولو لم يقترن هذا الإستغلال بالتهديد بالقوة أو استعمالها".

 

جرائم مركبة و"بقرة حلوب"

 

العديد من الحالات الموثقة تكشف عن جرائم مركبة، تقع في باب "الاتجار بالزواج"، وتتقاطع بصورة لافتة مع ارتفاع معدلات تزويج القاصرات، وخصوصا بين صفوف اللاجئين السوريين، في ظل تفاقم أزمة اللجوء المستمرة منذ أزيد من ست سنوات.

 

في حالة نادرة، يشبته في أن شخصا من بين اللاجئين أقدمعلى تزويج زوجته العشرينية لثلاثيني من جنسية عربية مقابل 10 آلاف دينار، وهي قضية يعتزم محام أردني الترافع فيها قضائيا.

 

وفي قصة آخرى،زوًج سوري طفلته البالغة (15 عاما) لثلاثيني من جنسية عربية مقابل 10 آلاف دينار لمدة اسبوعين فقط.وحاليا تصر الأم على تطليق ابنتها بحجة الهجرة مع عائلتها إلى الولايات المتحدة الأميركية.

 

وبحسب مستشارة جمعية معهد تضامن النساء الأردني المحامية أنعام العشا فإن حالة الزواج الأولى تتضمن مجموعة جرائم؛ فهي "اتجار بالبشر، بيع وشراء خاصة إن كانت المرأة مكرهة. وهي جريمة احتيال على الزوج الثاني، إضافة إلى أنهاجريمةتعدد أزواج".

 

وفي حالة موثقة ثالثة، أجبرت أم سورية طفلتها البالغة (13 عاماً) على الزواج من خمسيني عربي،والذي أهداها سيارة وكان يدفع إيجار الشقة التي تعيش فيها مع عائلتها. وبعد أن حملت الطفلة طالبها بـ"الإجهاض"، مهدداً برميها مع عائلتها في الشارع بحال رفضها الإجهاض. وقد تحررت الطفلة من هذه "العبودية" بعد ثلاث سنوات عندما تزوجالخمسيني من طفلة سورية أخرى تبلغ من العمر (13 عاماً) ايضا.

 

ويترافق استمرار أزمة اللجوء، مع ارتفاع متواصل تظهره احصاءات دائرة قاضي القضاة،بنسب زواجالقاصرات السوريات (15-18عاماً)، حيث بلغت 18% في 2012، و25% في 2013، و32% في 2014، فيما بلغت 35% في عام 2015، بواقع 170 حالة زواج شهرياً. وكشفت الدائرةعن حالات لفتيات دون سن 15 عاما، يزوجن بعقود غير موثقة.

 

على أن نذر "الاتجار بالزواج" ليست مقتصرة فقط على صفوف اللاجئين؛ فمع تردي الأوضاع الإقتصادية، وتزايد نسب الفقر، يتخوف ناشطونمن انتشا الاتجار بالفتيات عن طريق "الزواج" بين الأردنيين.

 

من تلك الحالات، قصة موثقة لأردني رفض إتمام زفاف ابنته (26 عاماً) من خمسيني عربي،مقابل 5500 دينار مهرا معجلا، مطالباً العريس بدفع 2500 دينار إضافيةلإتمام الزواج،فرفض العريس وأعلن أنه سيطلق الفتاة، فيما أكد الوالدلمحام العريس بأن لديه "بقرة حلابة"(العروس)، رافضاً الطلاقومطالباً العريس بنفقة شهرية لابنته.

 

تكييف جرائم الإتجار

 

يشكل تكييف جرائم الإتجار بالبشر، وخاصة الاتجار عن طريق الزواج،معضلة كما يؤكدالمقدم حيدر الشبول مدير وحدة مكافحة الإتجار بالبشر؛ إذ لم ينص القانون على أن "الزواج" هو إحد أشكال الإتجار بالبشر. وعلى الضد،يعد "الاستغلال الجنسي" وفقاً للشبول من أبرز القضايا التي تشتغل عليها وحدة المكافحة والتي شملها القانون، مؤكداً أنها "ليست ظاهرة".

 

وتثبت ارقام رسمية لوزارة التنمية الإجتماعية استقبال5 لاجئات سوريات في "دار كرامة" تتراوح اعمارهن من (16إلى 18) عاماً, ارتكبت بحقهن جرائم استغلال جنسي (بيوت دعارة وملهى ليلي)، تم تكييف اربع قضايا جرائم إتجار بالبشر، فيما كيفت القضية الخامسة بإنتهاكات أخرى، وفقاً لمدير مديرية الأمن المجتمعي ومديرية الأحداث جلال غريب.وتم اكتشاف هذه الحالات خلال مداهمات أمنية.

 

ويقول الناطق الإعلامي للوزارة د. فواز رطروطأن "دار كرامة" استقبلت منذ العام 2015 ولغاية شهر أيار 90 حالة إتجار بالبشر من مختلف الجنسيات من بينها 7 سوريات، فيما تؤكد مصادر من داخل الوزارة تسجيل 52 حالة إتجار باللاجئات السوريات تم استيعابها في دور خاصة بضحايا الإتجار بالبشر دون أن تحدد أشكال هذا الإتجار.

 

يشار إلى أنه تم إشغال"دار كرامة" أوائل العام 2015، وافتتحت رسمياً في نيسان 2017، وتستقبل الدار ضحايا الإتجار بالبشر من كلا الجنسين.

 

وتمنع وزارة التنمية الاجتماعية، الصحفيين من زيارة الدار، بحجة أن نزيلاتها "الضحايا لا تزال قضاياهن منظورة أمام القضاء"، كما يوضح الناطق باسم الوزارة د.الرطروط.

 

"ليس لدينا ما نخفيه"

 

وفي المقابل، وافقت الوزارة على طلب معدة التقرير، لقاء مديرة الدار نزيهة الشطرات، التياشترطت عدم تسجيلالمقابلة والاكتفاء بتدوينها كتابة، كما اكتفت الشطرات باطلاع معدة التقرير على احصاءات خاصة بنزيلات الدار، دون الموافقة على تزويدها بنسخة منها.

 

وردا على سؤال حول سبب رفض زيارة معدة التقرير لدار كرامة، وإن كان هناك ما يخفونه في الدار ولا يرغبون بإطلاع الصحفيين عليه، أجابت الشطرات: تشكل الدار مفخرة وإنجازاً يستحق اطلاع الجميع عليه. ليس لديناما نخفيه، بل على العكس نرحب بزيارة الصحفيين، ولكنها تعليمات ونلتزم بها.

 

وفي الوقت نفسه، يثني مدير مديرية الأمن المجتمعي جلال غريب على توصيف الشطرات، مشيراً إلى "أنهم ملتزمونبما ينسب به الناطق الإعلامي في هذا الاتجاه".

 

وعن الخدمات التي توفرها الدار لضحايا الإتجار، توضح الشطرات أن "كرامة"تقدم برامج التعافي الجسدي والنفسي والاجتماعي لتمكين الضحايا من استعادة استقرارهم النفسي من خلالالعلاج الجماعي سواء عن طريقالتمثيل النفسي المسرحي"السيكودراما"،أو الجلسات النفسية الفردية لتدريب الضحية على كيفية إدارة الغضب وتعلم مهارة الإسترخاء ومهارة إدارة الوقت وتنظيمه،وتنظيم ورشات تدريبية للنزلاء بصناعة الإكسسوارات والفسيفساء، والصابون،إضافة إلى ركن الطبخ وصالون التجميل،من أجل تمكين نزلاء الدار اقتصادياًوإعادة دمجهم فيالمجتمع.

 

وتشير الشطرات إلى أن بعض ضحايا الإستغلال الجنسي أكدن على أنهن سيعملن على تأسيس مشاريع خاصة بهن، وعدم العودة ثانية للعمل في الأماكن التي تعرضن فيها للإساءة والإتجار بهن.

 

"التمكين الاقتصادي: بوابة المواجهة"

 

ولمواجهة قضايا الاتجار بالبشر، بما فيها "الاتجار بالزواج"،يؤكد الخبير الإقليمي بمكافحة الإتجار بالبشر د. مهند دويكات على أهمية تمكين الضحايا اقتصادياً، حيث يشكل العامل الاقتصادي السبب الرئيسي لاستغلال الضحايا، مشيراً إلى أنه قد يتم إعادة الإتجار بالضحية إن لم تجد مهنة تؤمن لها إستقراراًمالياً يقيها العوز وإستغلال المتاجرين بالبشر.

 

ويوضح دويكات أنه بحال كان الضحية طفلاً فإنه يتوجب تقديم برامج إعادة دمج أسري ويعاد لعائلته إن لم تكن متورطة بجريمة الإتجار. وعلى الضد، يتم احتضانه من قبل أسر بديلة بهدف إعادة ادماجه في المجتمع، إلا أن هذه الجزيئة غير معمول بها حالياً في الأردن، بالرغم من أنها منصوص عليها في القانون الدولي.

 

انتقادات أميركية متواصلة

وفي الغضون، وجه تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأميركية انتقادات للأردن جراء عدم الإلتزام بالمعايير الدنيا بمكافحة جرائم الإتجار بالبشر وحماية الضحايا.

 

وصنف التقرير السنوي الأردن بـ"المستوى الثاني لـ ١١ عاما على التوالي"، ما يعني، وفق التقرير، "أنه لا يلتزم بالمعايير الدنيا لقانون حماية ضحايا الاتجار ولكنه يبذل جهودا كبيرة للوفاء بها".

 

وبحسب التقرير الأميركي قامت وحدة مكافحة الإتجار بالبشر، خلال عام 2016 بالتحقيق مع ٣٦٦ حالة محتملة للإتجار. وحددت الوحدة أن ٣٠ من هذه الحالات "تشمل ٥١ من المتاجرين المزعومين" تستوفي معايير جرائم الاتجار المحتملة، بما في ذلك الإستغلال الجنسي، والعمل القسري للعمال المنزليين وجرائم العمل الجبري الأخرى.

 

وفي السياق، تطالب منظمات مجتمع مدني بتغليظ عقوبات جرائم الإتجار، فيما ترى المحامية أنعام العشا أن رفع درجة التوعية بجرائم الإتجار بالبشر لأفراد المجتمع وكافة المعنيين بمكافحة الإتجار من قانونيين وقضاة ورجال أمن، سيؤدي إلى تحسس وجود المشكلة والعمل على مكافحتها.

 

ولكن، كيف يمكن للمجتمع تحسس هذه الجرائم في ظل عدم السماح بنشر التقارير والإحصاءات الصادرة عن المؤسسات والوزارات المعنية بها، وعدم السماح بلقاء الضحايا للتحدث عن تجاربهم وكيفية الإيقاع بهم في مصائد تجار البشر.. والتي تعد الوسيلة الأهم والأسرع لنشر التوعية بهذه الجرائم..!!

أضف تعليقك