نصوص غائبة وتكييفات جرمية تضيع حق ضحايا التعذيب بالتعويض

نصوص غائبة وتكييفات جرمية تضيع حق ضحايا التعذيب بالتعويض
الرابط المختصر

منذ وفاته نهاية أيلول 2015، ما تزال قضية وفاة عمر النصر 49 عاما، على يد أفراد من البحث الجنائي مكانك سر، بانتظار صدور قرار من محكمة الشرطة بحق المتورطين بممارسة أفعال ضد "النصر" أثناء توقيفه، كيفت قانونيا لدى الإدعاء العام المدني أنها " تعذيب".

 

القضية التي تتولاها أخت الضحية المحامية هدى النصر، للمطالبة بحق أخيها في التعويض باعتباره ضحية تعذيب، تواجه بحسب ما تقول: "التفافا" من طرف محكمة الشرطة التي تتجنب إصدار قرار إدانة لأفراده بتهمة التعذيب، رغم صدور قرار حكم من الإدعاء العام المدني ضد المتسببين بوفاته بتهمتي القتل القصد والتعذيب، إلى جانب تقرير للطب الشرعي يعلل سبب الوفاة "بنزيف تحت الأنسجة بفعل تعرض الضحية للضرب، وكدمات تغطي جسده بنسبة 40 في المئة".

 

قانونيا الأمر غير كاف لمحاسبة المتورطين بأفعال التعذيب ولا حتى موجبا لتعويض الضحية، طالما أن قرار إدانة لم يصدر عن محكمة الشرطة.

 

 

إلى جانب قضية النصر تواجه عدد من القضايا التي يوثقها آخر تقرير حقوقي للمركز الوطني لحقوق الإنسان ذات المعيق؛ كونها كيفت من قبل محكمة الشرطة بعيدا عن وصفها تعذيبا، ومن بيت تلك القضايا تلك التي تعرض له "ع.ز" في الثاني من أيار 2015 على يد مجموعة من الأفراد العاملين في إدارة مكافحة المخدّرات والتّزييف/ قسم إربد، وأشار التّقرير الطبيّ الصّادر عن مركز الطبّ الشرعيّ في إقليم الشّمال إلى وجود كدمات على عدّة أجزاء في جسد المتوفّى، وبيّن أنّ سبب وفاته يكمن في النّهي العصبيّ القلبيّ الناجم عن الانسكابات الدمويّة بالخِصيتين والكدمات المرافقة.

 

 

بالنتيجة، وجّه مدّعي عام الشّرطة للمتّهمين ارتكاب الضرب المُفضي إلى الموت بموجب المادّة (195) من قانون العقوبات، إضافةً إلى توجيه جُنحة التعذيب وانتزاع الإقرار والاعتراف بموجب المادّة (208) من قانون العقوبات الأردني. ولا تزال إجراءات المحاكمة أمام محكمة الشرطة مستمرّة حتى تاريخه، وأسقط ذوو المتوفّى حقّهم الشخصيّ عن المتّهمين.

 

 

 

تعرض تلك القضايا لإشكالية من جملة معيقات تواجه ضحايا التعذيب في سعيهم لحصولهم على تعويض إن كانوا ما زالوا على قيد الحياة، أو حق ذويهم من بعدهم إن قدر لهم الموت، بحسب ما يقوله الخبير القانوني في قضايا التعذيب سالم المفلح.

 

يشرح المفلح، لا توجد أحكام بتعويض ضحايا التعذيب ما لم توجد أحكام إدانة بالتعذيب صادرة عن محكمة الشرطة، رغم وجود أحكام تعويض صادرة لكنها مكيفة قانونيا على أنها إيذاء أو حجز حرية، وليست تعذيبا كما هو نص المادة 208 من قانون العقوبات الذي يجرم التعذيب.

 

وفي ذات السياق، ما تزال أول قضية حصلت خلال العام 2013، على تكييف قانوني من الادعاء العام المدني بوصفها تعذيبا، متأرجحة منذ حزيران 2016 تنتظر حكما من محكمة الشرطة بإدانة أفراد من الأمن العام بالتعذيب بحق "سلطان الخطاطبة"، بعد استئناف الحكم الذي برأت فيه أفرادها من تهمة التعذيب.

 

يجمع محامون يتابعون قضايا تعويض لضحايا التعذيب على أن تلك الدعاوى تواجه بمعضلة قانونية يغيب فيها نص خاص وصريح في المنظومة التشريعية الوطنية يقضي بتعويض ضحايا التعذيب؛ فالنّصوص التي تحكم التعويض في القانون المدنيّ تقتصر على القواعد العامّة، والتي بموجبها لا تقوم مسؤوليّة الدولة بالتّعويض، كما لا تتفق آلية التّعويض الواردة في القانون المدنيّ مع المادّة (14) من الاتفاقية في ما يتعلّق بتقدير التّعويض الناجم عن التّعذيب واحتسابه من حيث الخسارة اللاحقة والرّبح الفائت، وإعادة تأهيل الضحية نفسيًّا وجسديًّا وضمان عدم تكرار الفعل والاعتذار والترضية.

 

 

 

وتفسيرا لما سبق، فإن قضية "الخطاطبة والنصر" وغيرها تطرح الإشكالية الأكثر خطورة في ضياع حق ضحايا التعذيب بالتعويض، وفق المفلح، المتمثلة بقصور البيئة التشريعية المحلية عن وجود نص قانوني ينصف ضحايا التعذيب بحقهم في التعويض وجبر الضرر، ويمنح المحاكم النظامية الاختصاص النوعي بالنظر في دعاوى التعذيب، ما يضطر للرجوع للقواعد العامة في القانون المدني، التي تستلزم الحصول على حكم إدانة بالتعذيب من محكمة الشرطة، ثم الرجوع للقضاء المدني بخصوص التعويض باعتبار أن محكمة الشرطة لا تنظر بالتعويضات المدنية، وتكيف تلك الممارسات بأوصاف جرمية أخرى ليست تعذيبا.

 

لكن الناشط الحقوقي كمال المشرقي يعتقد في تجنب محكمة الشرطة تكييف الدعاوى ضد أفراد الأمن العام أنها تعذيبا، إنما يكرس ممارسة روتينية تعرف بـ "الإفلات من العقاب"، وهو ما يتوافق مع ما يطرح المفلح إذ يقول: "مهما كان تقدم الدولة، فإن عدم صدور حكم واحد لقضية بالتعذيب يعني دليل إفلات من العقاب".

 

 

 

 

ويذكر تقرير حالة حقوق الإنسان خلال العام 2015 والصادر عن المركز الوطني لحقوق الإنسان، أن إسباغ وصف جرميّ آخر كالإيذاء بصوره المختلفة يعني فعليًّا وجود بيئةٍ مناسبةٍ للإفلات من العقاب في ما يتعلّق بجريمة التعذيب.

 

 

 

في تقريره الدوري الثالث أمام لجنة مناهضة التعذيب نهاية تشرين الثاني 2015، شدد المركز على ضرورة وضع حدّ لظاهرة عدم محاكمة مرتكبي التّعذيب بموجب المادّة (208) من قانون العقوبات، وتعامل أجهزة إنفاذ القانون مع الأفعال المرتكبة على نحوٍ أساسي بأنّها مجرّد مخالفات مسلكيّة لا تستوجب تطبيق هذه المادّة؛ فتكون الملاحقة القضائيّة على سبيل المثال لمن يعملون في جهاز الأمن العامّ من قِبل النيابة العامّة الشرطيّة بموجب المادّة (37) من قانون الأمن العامّ.

 

 

ودعت لجنة مناهضة التعذيب الأممية في تعليقها على نص المادة الرابعة عشر من اتفاقية مناهضه التعذيب وغيره من ضروب المعاملة او العقوبة القاسية او المهينة، والتي صادق عليها الاردن في حزيران العام 2006، ونشرت في الجريدة الرسمية، الدول الأطراف في الاتفاقية لاتخاذ تدابير لمكافحة الإفلات من العقاب لضمان عدم تكرار التعذيب وسوء المعاملة، من بين تلك التدابير إصدار تعليمات فعالة وواضحة إلى الموظفين الحكوميين بشأن أحكام الاتفاقية، لا سيما بشأن الحظر المطلق للتعذيب.

 

 

محكمة الشرطة: الخصم والحكم

 

 

في قضية الضحية "النصر" تعلق المحامية هدى النصر على أن إحالة النظر في الشكوى والإدعاء بالتعذيب ضد أفراد منتسبين لجهاز الأمن العام لمحكمة الشرطة، "يجعل من الخصم والمتهم والحكم واحد"، متسائلة: كيف من الممكن إصدار قرارات إدانة بحق زملاء لهم في المهنة، ما يعتبر أمرا غير عادل. وتلفت، أن قرارات التوقيف الصادرة بحق أفراد الجهاز المنتسبين، في الواقع هم ليسوا موقوفين بل محتجزين في وحدات عملهم، وفي حال صدور حكم عليهم تحتسب مدة احتجازهم جزءا من مدة المحكومية.

 

المركز الوطني لحقوق الإنسان طالب الحكومة بضرورة استقلالية لجان التّحقيق، لكنّ الرّد الحكوميّ حول مطالبته جاءت بأن المركز يركّز على التّعذيب دون سوء المعاملة، وفق ما ورد بتقريره السنوي 2015؛ لكن المركز يشدد على أن الملاحقة القضائيّة الفعّالة تستدعي بالضرورة استقلال لجان التّحقيق.

 

لجنة مناهضة التعذيب في ملاحظاتها الختاميّة للأردن خلال العام 2015، أعربت عن قلقها حيال استمرار فشل الدولة الطرف بإنشاء آلية مستقلّة للقيام بالتحقيقات بسوء المعاملة والتّعذيب المزعوم.

 

مفهوم التعذيب

 

ينصرف مفهوم التعذيب ووفق نص المادة الأولى من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، لأي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا، يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث - أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية، ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها.

 

وعلى صعيد القانون الجزائي المحلي تكتفي المادة (208) من قانون العقوبات الأردني بتجريم التعذيب بنصها: "كل من سام شخصا أي نوع من أنواع التعذيب التي لا يجيزها القانون بقصد الحصول على إقرار بجريمة أو على معلومات بشأنها عوقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، وأنه إذا أفضى التعذيب إلى مرض وجرح بليغ كانت العقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة، ولا يجوز للمحكمة وقف تنفيذ العقوبة المحكوم بها في هذه الجرائم الواردة في هذه المادة كما لا يجوز لها الأخذ بالأسباب المخففة".

 

 

قصور تشريعي

 

 

تبدو النصوص التي تحكم تعويض ضحايا التعذيب وطنيا لا تتناسب مع الاتفاقية الأممية، وفق الناشط الحقوقي كمال المشرقي، وهو ما يعني أن على الاردن تنفيذا لالتزاماته بموجب الاتفاقية اتخاذ جملة من الإجراءات؛ إذ ما يزال الدستور الأردني خال من النص على حق الضحايا بتعويض عادل مباشرة من قبل الدولة، ولم يجعل جرائم التعذيب من الجرائم التي لا تسقط بالتقادم.

 

ويلزم نص المادة الرابعة عشر من الاتفاقية الأممية الدول في نظامها القانوني إنصاف من يتعرض لعمل من أعمال التعذيب وتمتعه بحق قابل للتنفيذ في تعويض عادل ومناسب بما في ذلك وسائل إعادة تأهيله على أكمل وجه ممكن، وفى حالة وفاة المعتدى عليه نتيجة عمل من أعمال التعذيب، يكون للأشخاص الذين كان يعولهم الحق في التعويض.

 

 

ويحيل المشرقي لتعليق عام للجنة مناهضة التعذيب بشأن المادة الرابعة عشر من الاتفاقية بخصوص إنصاف ضحايا التعذيب والتزامات الدول؛ فذكرت أن التزامات الدول الأطراف بتوفير الإنصاف بموجب المادة 14 من الاتفاقية له وجهان: وجه إجرائي وآخر موضوعي.

وبموجب التعليق: كي تفي الدول الأطراف بالتزاماتها الإجرائية، عليها أن تسن تشريعات وأن تنشئ آليات لتقديم الشكاوى وهيئات ومؤسسات للتحقيق، بما فيها هيئات قضائية مستقلة قادرة على إثبات حق ضحايا التعذيب وسوء المعاملة في الإنصاف ومنحه، وأن تضمن فعالية هذه الآليات والهيئات وإمكانية وصول جميع الضحايا إليها.

 

 

أما من الناحية الموضوعية، على الدول الأطراف أن تضمن حصول ضحايا التعذيب أو سوء المعاملة على إنصاف وجبر كاملين وفعالين، بما في ذلك التعويض والوسائل اللازمة لإعادة تأهيلهم على أكمل وجه ممكن.

التعويض وجبر الضرر

 

 

تشير الرئيس التنفيذي لمجموعة ميزان للقانون إيفا أبو حلاوة إلى أن التشريعات الوطنية لا تنص على أشكال جبر الضرر، لكن التعويض احد أشكال جبر الضرر، الذي يشمل المعاقبة والتحقيق وإعادة التأهيل والعلاج والكشف العلني والاعتذار.

 

 

وتلفت إلى أن دعاوى تعويض ضحايا التعذيب تطالب بتعويض يشمل بعض أشكال جبر الضرر مثل تكاليف العلاج والتأهيل وفوات المنفعة.

 

 

 

في تعليقها العام على المادة الرابعة عشر من الاتفاقية تؤكد اللجنة الأممية لمناهضة التعذيب أن الحق في الحصول على تعويض فوري وعادل ومناسب عن أعمال التعذيب أو سوء المعاملة بموجب المادة الرابعة عشر حق متعدد المستويات وينبغي أن يكون التعويض الممنوح للضحية كافياً للتعويض عن أي ضرر قابل للتقييم من الناحية الاقتصادية ينتج عن التعذيب أو سوء المعاملة، سواء كان مالياً أو غير مالي.

 

 

الأرقام الرسمية بخصوص قضايا التعذيب

تتحدث الأرقام الرسمية عن 239 قضية تعذيب وسوء معاملة سجلت بحق العاملين في مديريّة الأمن العام خلال العام 2015، أُحيل منها 45 قضيّة للمحاكمة أمام قائد الوحدة، و147 قضيّة تقرّر فيها منع محاكمة المشتكى عليهم من قِبل المدّعي العام الشرطيّ، بينما أُحيلت 20 قضيّة لمحكمة الشرطة، في حين ما تزال (27) شكوى قيد النّظر وفق إحصائيات مديرية الأمن العام 2015.

 

خلال العام 2014 بلغ مجموع قضايا التعذيب وسوء المعاملة المسجّلة بحقّ العاملين في مديريّة الأمن العام 140 قضيّة، أُحيلت منها قضيّة واحدة لمحكمة الشرطة، أمّا قضايا سوء المعاملة المرتكبة بحقّ نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل عام 2015 بلغت 38 قضيّة، أُدين فيها 12 شخصًا، بينما مُنعت محاكمة 26 شخصًا من قِبل المدّعي العام الشرطيّ، مقارنة مع 36 قضيّة خلال العام 2013 أُحيلت قضيتان منهما إلى محكمة الشرطة، و 9 قضايا للمحاكمة أمام قائد الوحدة، وتقرّر منع المحاكمة في 18 قضيّة.

 

 

الرصد الحقوقي

 

 

على صعيد الرصد الحقوقي، وثق المركز الوطنيّ لحقوق الإنسان 92 شكوى تتضمّن الادّعاء بالتعرّض للتعذيب وسوء المعاملة على أيدي موظّفي إنفاذ القانون والإدارات الأمنيّة المختلفة خلال العام 2015، مقارنة بـِ 87 شكوى العام 2014، و77 شكوى العام 2013، و67 شكوى العام 2012، و58 شكوى العام 2011، و85 شكوى خلال العام 2010.

 

 

وبخصوص الضّرب والتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة في مراكز الإصلاح والتأهيل تلقّى 8 شكاوى خلال العام 2015 فقط، مقارنه بـِ 11 شكوى خلال العام 2014، و19 شكوى خلال العام 2013، و5 شكاوى خلال العام 2012، و3 شكاوى خلال العام 2011، و4 شكاوى خلال عام 2010.

 

 

•جهود رسمية لمناهضة التعذيب

 

خلال العام 2013 بدأت النيابة العامّة في الأردن التّحقيق في مزاعم التعذيب عام 2013، وأسّست سجلًّا وطنيًّا لقضايا التّعذيب عام 2014؛ فسجّلت الحالات قبل إرسالها إلى محكمة الشرطة أو غيرها من المحاكم الخاصّة. وتلقت النيابة العامة في العام الماضي 7 قضايا خاصّة بالتعذيب وسوء المعاملة مقارنةً بـِ 29 قضيّة خلال العام 2014.

 

تم تصميم الإنفوغراف بواسطة موقع إنفو عربي

أضف تعليقك