مصفاة البترول..وإعادة "تكرير" الخسائر
عباسي: منح الامتياز لمصفاة البترول "تخلف اقتصادي"
خسائر الحكومة من جراء استبدال وشطب اسطوانات الغاز المنزلي 25 مليون دينار سنويا
منذ حوالي 60 عاما، وشركة مصفاة البترول تعمل منفردة بامتلاكها رخصة لتكرير النفط وتحويله إلى مختلف المشتقات النفطية لتغطية احتياجات المملكة.
شركة المصفاة التي حققت ربحا صافيا العام الماضي بمقدار 32 مليون دينار من مجمل نشاطاتها، تكبدت خسائر في نشاط تكرير المشتقات النفطية بنحو 100 مليون دينار، والتي تتحملها الحكومة سنويا لتسوية الأرباح مع الشركة.
وتقضي اتفاقية التسوية مع الحكومة حول إنهاء امتياز شركة مصفاة البترول في شباط 2008، بتحديد ربح صاف للشركة من التكرير بواقع 15 مليون دينار سنويا كهامش ربح ثابت، مع استثناء استثمار الشركة في تكرير الزيوت والشركة التسويقية التابعة للمصفاة.
الرئيس التنفيذي للمصفاة عبد الكريم العلاوين، يؤكد أن حجم مبيعات الشركة من المشتقات النفطية بلغ العام الماضي 4.3 مليار دينار، واصفا الربح السنوي البالغ 15 مليون دينار بالرقم المتواضع قياسا بأي نشاط صناعي أو تجاري يتعامل بهذا الحجم من المبيعات سنويا.
ويتم تحويل فائض أرباح الشركة إلى الحكومة في حال تجاوزها لحاجز الـ15 مليون دينار، أما إذا انخفض الفائض عن هذا الحد، إن الحكومة تحول العجز على حساب المصفاة للوصول إلى هامش الربح المحدد.
وبالاطلاع على النتائج المالية لسنة 2013، يظهر أن المصفاة رصدت 136 مليون دينار لتسوية الأرباح مع الحكومة، في حين بلغت خسائر الشركة في عام 2012 نحو 100 مليون دينار.
وسجل رصيد الذمم المدينة لدى شركة مصفاة البترول حتى نهاية النصف الأول من عام 2014، نحو 1.428 مليار دينار بارتفاع مقداره 200 مليون دينار عن الفترة ذاتها من العام الماضي، حيث سجلت الذمم المستحقة للمصفاة في الستة أشهر الأولى من العام الماضي 1.287 مليار دينار.
وتعد مصفاة البترول شركة مساهمة عامة، ومدرجة في بورصة عمان، برأس مال 62.5 مليون دينار، تعمل في مجال تكرير النفط الخام وتعبئة الغاز المسال وتوزيع المشتقات النفطية، إضافة لمصنع زيوت جوبترول كاستثمار منفصل عن امتياز تكرير المشتقات النفطية الذي دام منذ نشأة المصفاة.
المصفاة: النشأة والتطور
تعود فكرة إنشاء مصفاة البترول إلى ما يزيد عن النصف قرن، للقناعة بأهمية صناعة التكرير كمصدر طاقة رئيسي للمملكة، وتقليل الاعتماد على استيراد المشتقات النفطية الجاهزة.
في 30 حزيران 1956 قرر مجلس الوزراء الموافقة على إنشاء المصفاة، حيث وقعت الحكومة ممثلة بوزير الاقتصاد الوطني آنذاك خولصي الخيري اتفاقية الامتياز مع شركة مصفاة البترول الأردنية.
وبدأت مصفاة البترول عملية التكرير وإنتاج المشتقات النفطية فعليا عام 1961، بطاقة إنتاجية بلغت 1000 طن يوميا، ارتفعت إلى 14 ألف طن بعد إجراء ثلاث مراحل للتوسعة أنجزت في الأعوام 1970،1973، وكان آخرها في العام 1982.
ولمواجهة تضاعف استهلاك المملكة من المشتقات النفطية منذ ذلك الحين، لجأت الشركة خلال تسعينات القرن الماضي إلى تطوير طاقة التكرير عن طريق تعديلات على وحداتها الإنتاجية، كما لجأت لاستيراد كميات متزايدة من الغاز المسال والبنزين والديزل، لتصبح توسعة المصفاة ضرورة لزيادة إنتاج المشتقات النفطية، وتحسين نوعية منتجاتها، ليبدأ الحديث عن مشروع التوسعة الرابع في 2008.
مشروع توسعة يضيق
كان توجه الشركة القيام بمشروع لتطوير المصفاة لتغطية احتياجات المملكة من المشتقات النفطية حتى عام 2025، على أن يتضمن وحدات جديدة لتكرير النفط الخام، لزيادة طاقة التكرير في المصفاة، وإضافة وحدات جديدة لنزع الكبريت من الديزل واستخلاص الكبريت، ووحدات لتحسين نوعية البنزين، إضافة وحدات لاستخلاص مشتقات كالديزل والكاز وغيرهما من فائض زيت الوقود.
ووفقا للرئيس التنفيذي للشركة عبد الكريم العلاوين، فقد كانت التكلفة المقدرة لمشروع التوسعة الرابع نحو 2 مليار دولار، إلا أنه وفي ضوء الأزمة ااقتصادية العالمية عام 2008، تراجعت الحكومة عام 2010 عن منح حصرية للمصفاة بشكل يكفل جذب المستثمرين.
وقررت الشركة تغيير استراتيجية التوسعة، من خلال تقليص حجم التوسعة ضمن مشروع توسعة محدودة بحيث لا يتضمن زيادة في طاقة التكرير، والاكتفاء بتحسين نوعية المنتجات، وتحويل فائض زيت الوقود إلى منتجات خفيفة، بحجم استثمار يزيد عن مليار دولار.
ومن المقدر أن ترتفع الطاقة التكريرية للمصفاة إلى 17.5 ألف طن يوميا، علماً بأن الطاقة الحالية تبلغ 14 ألف طن يومياً.
ويؤكد العلاوين أن انخفاض حجم الاستثمار يساهم في توفير التمويل، حيث قامت الشركة مؤخرا بتعين شركة "إيرنيست آند يونغ" مستشارا ماليا لمشروع التوسعة الرابع لتقديم المشورة المالية حول الطريقة الفضلى لتوفير التمويل اللازم لتنفيذ المشروع المحدود.
ومنحت الحكومة شركة مصفاة البترول مهلة لستة أعوام لتنفيذ إجراءات التوسعة والتطوير الخاصة، تنتهي في العام 2019، فيما أنهت شركة مصفاة البترول في وقت سابق تحديث دراسة الجدوى الاقتصادية لمشروع التوسعة الرابع.
بعد فشل زيادة الاستطاعة التكريرية لمصفاة البترول، سمحت الحكومة للقطاع الخاص منتصف العام 2013، باستيراد وتوزيع المشتقات النفطية الجاهزة من الخارج بعد أن كانت حكرا على المصفاة منذ نشأتها.
الحكومة سمحت لشركتين محليتين لاستيراد المشتقات النفطية الجاهزة وبيعها في السوق المحلي، وهما شركة توتال الأردن والشركة الأردنية الحديثة لخدمات الزيوت والمحروقات (المناصير)، إضافة الى شركة تسويق المشتقات النفطية التابعة لمصفاة البترول الأردنية.
وتشتري هذه الشركات المشتقات النفطية من المصفاة وتوزعها على محطات المحروقات، والبالغ عددها 450 محطة في مختلف محافظات المملكة، إضافة إلى بيعها لشركات الطيران والبواخر وكبار المستهلكين من المصانع وغيرها، وذلك لفترة حصرية مدتها ثلاث سنوات، إلا أنها لم تشرع باستيراد المشتقات النفطية من الخارج حتى الآن رغم حصولها على الموافقة.
ويأتي هذا الإجراء في إطار تحرير سوق المشتقات النفطية بالكامل، بحيث يسمح للقطاع الخاص الدخول إلى القطاع النفطي، بما ينعكس على تهيئة البنى التحتية اللازمة له وتحسين جودة المشتقات النفطية، وإيجاد جو مناسب من المنافسة وتخفيض الأسعار، بحسب علاوين.
ويؤكد العلاوين أن تحرير سوق المحروقات، لم يأت بديلا عن مشروع توسعة المصفاة بصيغته الأولى، لافتا إلى أن "تحرير السوق" خيار متاح أمام شركات التسويق لشراء المشتقات النفطية سواء من المصفاة أو من السوق العالمي.
وسيتاح لشركات القطاع الخاص الراغبة بدخول القطاع النفطي بعد عام 2019، أي بعد انتهاء حصرية المصفاة، استيراد احتياجاتها من السوق العالمي من المشتقات النفطية.
الخبير الاقتصادي جواد عباسي يرى أن فتح باب المنافسة في القطاع النفطي، مع ضرورة حضور الرقابة الحكومية الصارمة، هو السبيل الأفضل لإزالة التشوهات الاقتصادية من دعم واحتكار.
ومع تأكيده على أهمية وجود المصفاة كمؤسسة تحقق أمن التزود بالمشتقات النفطية، لتجنب أي انقطاعات في حال فرض عقوبات أو حضر لاستيراد المشتقات النفطية من الخارج، إلا أن عباسي يشير إلى ضرورة عدم تمديد الفترة الانتقالية الممنوحة للمصفاة، التي بدأت اعتباراً من أيار 2013 ولست سنوات، مطالبا بتحديد السقف الأعلى لسعر المشتقات النفطية كل شهر، لتتنافس شركات التسويق في ما بينها على الخدمة والسعر.
"وتتطلب قواعد التنافسية توحيد الضرائب على المشتقات النفطية وتبسيطها، لتصبح مقطوعة على اللتر الواحد تضاف إلى أسعار المشتقات النفطية مما يسهّل عملية تحصيلها"، بحسب عباسي.
ويهاجم عباسي اتفاقية امتياز المصفاة، واصفا الحديث عن مثل هذا الامتياز في القرن الواحد والعشرين بـ"التخلف الاقتصادي"، مشيرا إلى أن منح امتياز الحصرية يعد بيئة طاردة للاستثمارات في هذا القطاع بحدّه من التنافسية.
إنتاج لا يغطي الحاجة
يبلغ حجم استهلاك المملكة من النفط الخام نحو 150 ألف برميل يومياً، في حين لا تتجاوز الاستطاعة التكريرية لمصفاة البترول الأردنية 100 ألف برميل يوميا في أحسن الأحوال.
وسجل إنتاج مصفاة البترول خلال العام الماضي، ما مقداره 3.018 مليون طن من أصل 6.519 مليون طن تم بيعها فعليا في الأسواق خلال العام الماضي، مما يوضح أن معدل إنتاج مصفاة البترول من المشتقات النفطية لم يتجاوز نسبة 45% من إجمالي احتياجات المملكة من المشتقات النفطية.
فيما سجلت مستوردات المملكة من المشتقات النفطية الجاهز خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري نحو 55% من إجمالي استهلاك المملكة من المشتقات النفطية، في حين تستورد المصفاة 45% نفط خام من شركة ارامكو السعودية، يتم تكريرها في المصفاة.
ويشير الرئيس التنفيذي للمصفاة عبد الكريم العلاوين، إلى أن المصفاة تستورد المشتقات النفطية الجاهزة بموجب عطاءات تنافسية مفتوحة من أي بلد في العالم، موضحا بأن الشركة استوردت شحنات من المنتجات النفطية الجاهزة
من دول مثل أمريكا، وتركيا، وإيطاليا، والهند، والإمارات العربية المتحدة وغيرها.
كما تعد المصفاة الجهة المسؤولة، حصريا، عن تعبئة اسطوانات الغاز المنزلي واستبدال ما يتعرض منها لتلف كلي أو جزئي، أو منع تداولها في السوق.
وبلغ عدد الاسطوانات سعة 12.5 كيلو غرام المتداولة في المملكة خلال عام 2013 ما مجموعه 4.9 مليون إسطوانة، بيع منها نحو 27.27 مليون اسطوانة مقارنة مع 28.47 مليون اسطوانة في عام 2012 بانخفاض 4.2%.
وتبلغ خسائر الحكومة من جراء استبدال وشطب اسطوانات الغاز المنزلي سعة 12.5 كيلو غرام، بنحو 25 مليون دينار سنويا، حسب البيانات الرسمية.
إستمع الآن