مدرس أمام القضاء.. لنقده أحاديث في كتابي "البخاري ومسلم"

مدرس أمام القضاء.. لنقده أحاديث في كتابي "البخاري ومسلم"
الرابط المختصر

مراجعة "بخاري ومسلم" جريمة أم ضرورة لمراجعة الخطاب الديني؟

 

لم يكن مراد الخلايلة مدرس التربية الإسلامية في إحدى مدارس الزرقاء، يعلم أن انتقاده لبعض الأحاديث في كتابي صحيح البخاري ومسلم، أمام طلابه، سيقوده إلى المحكمة بتهمة "التشيعِ وإثارة النعرات الطائفية".

 

كان المدرس مراد يعتقد أن محاربة الإرهاب "تكمن في محاربة الأحاديث الضعيفة والمغلوطة التي تؤدي لتلك الأمور، في دولة يعتبرها ديموقراطية لا تجرم حرية الفكر والنقد".

 

"لذلك لم يجد ما يخيفه أو يمنعه من قول رأيه بصراحة متناهية عن صحيح بخاري ومسلم  في أحد الحصص التي كان يعطيها لطلاب الثانوية العامة، ليزيحَ عن عقول الطلاب الفكرة التي كانت ولا زالت ترسخها المناهج عن الكتب الدينية بعيداً عن قدسية القرآن".  على حد قوله

 

تحدث مراد عن الأحاديث التي يراها  تسيء للأنبياء بالأساس وتكرسُ فكرة الارهاب، لذلك كان يشعر بواجبه للدفاع عن الأنبياء و الصحابة ومحاربة الإرهاب بدلاً من عدم التشكيك بكتابي صحيح بخاري ومسلم، ليجد نفسه بين ليلة وضحاها أمام معركة ومحاكمات قضائية طويلة الأمد.

 

لم يتعرض مراد للمحاكمات والمضايقات والتهديدات فقط، فهو اليوم  لم يعد يملك الصلاحية للعمل كمدرس في أي من المدارس إلى جانب عدم معرفتهِ لمصيرهُ المستقبلي.

 

ويعتبر كتابي البخاري وصحيح مسلم من أهم كتب الحديث النبوي عند المسلمين من أهل السنة والجماعة، بعد القرآن الكريم لما يحتوياه من أبواب الحديث من عقائد وأحكام وآداب وتفسير، ويجمع علماء الدين السنة أن هذين الكتابين لا يحتويان إلا الأحاديث الصحيحة.

 

الحكومة الأردنية بدورها وضعت في عام 2015 خطة لـ"محاربة التطرف" طالت المناهج المدرسية وخاصة مناهج التربية الإسلامية واللغة العربية والتاريخ والتربية الوطنية والثقافة العامة، وقامت وزارة التربية والتعليم، بحذف نصوص دينية وأحاديث وقصص قالت إنها "تحض على العنف والتطرف".

 

و منذ ذلك الحين أصبحت المناهج المدرسية، مثارا للنقاش والبحث بين مؤيد ومعارض، اذ كشفت دراسة للخبير التربوي د.ذوقان عبيدات بعنوان (الداعشية في الكتب والمناهج المدرسية 2015  ) عن عمق حجم المأساة التربوية الأردنية، كما أظهرت أن المناهج الحالية لا تشجع على خطاب الانفتاح الحر، ولا تشجع على احترام الآخر، وفي نفس الوقت ترسل رسائل بأن الآخر مختلف ولا يجوز الانفتاح عليه.

 

ويطرح عبيدات مثالاً وجده في كتاب اللغة العربية للصف السادس موضوعاً  يحمل عنواناً يراه تحريضي وهو: "حاورّ الآخر وإذا لم يستجيب فعليك حمل السيف".

 

وبرأي الخبير أنه ليس المطلوب من الكتب أن "تشجعَ على خطاب الكراهية وإنما واجبها تشجيع الحب والإحترام وهذا ليس موجوداً، وإن لم يكن موجوداً في الكتب فإن الأساتذة يقومون بالواجب في بث خطاب الكراهية".

 

يقول عبيدات إن "الخطورة تكمن في  أن يتم إلزام المعلم بالمناهجِ فقط وهناك خطورة أيضاً في عدم مراقبة خطاب الأساتذة، وذلك لأن اكتفاء المعلم بالمنهج يؤدي إلى تشكيل مؤسسة تلقينية، وذلك يتناقض مع إيمانه بأن واجب المؤسسات التعليمية يكمن في تعليم الطلاب فن الشك والنقد لأي فكرة تطرح، لإيمانه بأن الشك هو الوسيلة الوحيدة السليمة للوصول للحقائق".

 

كما يؤكد على أن "قضية المعلم مراد ليست الأولى من نوعها، فهناك عشرات القصص المؤلمة التي لم يتم تحويلها للقضاء واكتفوا بمنعهم  من الحديث، إلى جانبِ قصصٍ أخرى لمعلمين خرجوا عن النص ولكن بطريقة ترضي التكفيريين فلم يتم تحويلهم للقضاء، وعندها فقط يصبح خروج المعلم عن النص مشروطاً بكونه شخص تكفيري أم أنه معلم يدعو للتفكير والنقد والفلسفة، فيرى عبيدات أن المتزمتين يحتمون بالقانون وبقيمِ المجتمع .

 

بدوره أبدى عبيدات استغرابه من قضية المدرس الخلالية وحضرهُ مباشرة اللجنة التي تم تشكيلها  لتصحيحِ وتنقيح ما ورد في مسلم والبخاري في السعودية التي وصفها بالدولة المتزمتة والمنغلقة، فيرى بدوره أن الأردن يجب أن تعبر عن رأيها بصراحة دون إلزام الطالب بالنتائج في كلتا الحالتين.

 

 

ويأكدُ على أهمية عدم منع الطالب أو المعلم من النقد أوالتشكيكِ في أي فكرة لمجرد أنها تعجب جماعة ما أو لأن المؤسسة الرسمية تخشى ردود فعل أشخاص أقوياء في المجتمع مثل المتزمتين الذين يحملون صوتاً عالياً وصيتاً تخشاه الدولة فيصبح كل أمر يزعج هذه الجماعات خروج عن النص فتحاربهُ الدولة، وأكد على أنه  ضد هذا الشيء بالمطلق.

 

أما عن دور الدولة في تفادي مثل هذه الحالات، يرى عبيدات "يجب أن عليها أن تتخذ قراراً لمحاربةِ الفكر المتطرف، ويجب أن تبرز وزارة التربية والتعليم والمجلس الوطني للمناهج قضية (المواطنة) بمعنى التعامل مع جميع المواطنين باحترام وكرامة وعدالة ومساواة دون إلغاء أحد، كما يجب أن تبرز موضوع الهوية للوصول إلى تعريف موحد لنا، فنحن بالأساس أردنيون عربّ ومن ثم ننتقل للحديث عن هويات أخرى، أي الهوية الدينية والهوية الإنسانية. كما يجب أن تتبنى الدولة في مناهجها حقوق الإنسان بشكل كامل خاصة ً أن حقوق الإنسان لها مصدراً في كل الأديان".

 

 

 

 

 

على الطرف الآخر يرى الناطق الإعلامي لهيئة مكافحة التشيع والعضو المؤسس (لجمعية عائشة) في محافظة الكرك عوض المعايطة، أن "هناك الكثير من أشباه المدرس مراد الخلالية، ومنهم دكتور في جامعة مؤتة اسمه كان في فترة من الفترات يشكك في صحيح بخاري ومسلم فأقمنا عليهِ حملة شديدة جداً في وسائل إعلامية ومن على المنابر وعندما شعر هذا الدكتور بقوة وصيت الحملة  تراجع عن الحديث الذي كان يطرحهُ في المحاضرات، فيرفضُ المعايطة أن يمس أحداً الأمور المقدسة والثوابت الأساسية له، ووصف هذه المحاولات بالتشكيك بأنها حملة مسعورة ضد أهل السنة".

 

وأوضح  المعايطة أن "هذه الهيئة شعبية وغير معترف بها من الدولة  ولذلك أسس هو  وجماعة من المشايخ في سنة 2016 (جمعية عائشة) وهي جمعية ثقافية كما وصفها، لتسهل عليهم الوقفات الاحتجاجية ضمن إطار  قانوني ليقدموا من خلالَها محاضراتٍ وندواتٍ دينيةّ للحفاظِ على الهوية السنية، التي يحاول تشويهها الأساتذة الذين يراهم يسعون للتأثير على الشباب بشكل سلبي، وذلك لاعتباره أن الشيعة خلايا نائمة تسبب الخراب والدمار في البلاد كما حصل في سورية والعراق بسبب داعش التي وصفها بالشيعية".

 

 

ومن الجدير بالذكرِ أن قضية مراد الخلايلة ليست الأولى من نوعها، فقد شهد الأردن في السنين الماضية قضايا محاكمات لأفرادٍ تُهموا بالتشيع وحالاتِ طردٍ لجماعاتٍ مسيحية في الأردن بعد أن  تثبت أنها تقوم بالتبشير، بالإضافة لمنع احتفالات للبهائيين، ومعها ثارت عاصفة من الجدالات والنقاشات بين جهات كثيرة، في الوقت الذي يرى فيه قانونيون أنه لا وجود لقضية تستحق العرض ومقاضاة متهمين حولها، ففي سنة (2009) بدأت محكمة أمن الدولة بجلسات غير معلنة بمحاكمة ستة أردنيين لم يتم الكشف عن هوياتهم بتهمة "إثارة النعرات الطائفية"، كما جرى فصل أستاذ جامعي في السنة ذاتها بعد اتهامه بالترويج للمذهب الشيعي.

 

دستوريا، تنص المادة السادسة من الدستور الأردني على أن “الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات، وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين”.

 

 

أضف تعليقك