قطيشات والمهمة الصعبة

قطيشات والمهمة الصعبة
الرابط المختصر

بعث تعيين محمد قطيشات مديراً لهيئة الإعلام، ارتياحا في الوسط الصحفي والإعلامي الأردني، ومنظمات المجتمع المدني المعنية بحرية الرأي والتعبير والصحافة والنشر، فسجل الرجل حافل بالدفاع عن حرية الصحافة والنشر والرأي والتعبير، في قاعات المحاكم، وفي كتبه، ومؤلفاته أيضا، وعلى يديه تدرب العديد من الصحافيين على التعامل مع القوانين المقيدة لحرية الكلمة في الأردن.

 

قطيشات القادم من خلفية قانونية ورث تركة كبيرة وثقيلة، فقانون هيئة الإعلام المرئي والمسموع، مازال قاصراً، لا يمنح الهيئة، فضلا عن مديرها، استقلالاً مالياً وإدارياً عن الحكومة وأجهزة الدولة، فمدير الهيئة تابع للوزير المختص، ومصيره بين يديه. ضمن هذه المساحة القانونية سيتحرك الرجل، ويناور، ويحاول.

 

استقلالية مدير الهيئة من استقلالية الإعلام، ومن غير المنطقي أن تبقى الحكومة في دولة تدعي الديموقراطية، الوصي على الإعلام بالتنظيم والرقابة.

 

المهمة الصعبة تكمن في المساهمة بتعديل قانون الهيئة، ليتفق مع المعايير الدولية، بتأليف مجلس إدارة مستقل لها، يضم جميع أصحاب المصلحة في الإعلام، من ممثلين عن وسائل الإعلام الأهلية والرسمية، والجمهور، ونقابة الصحفيين، ومنظمات المجتمع المدني، وعن كليات الصحافة والإعلام في الجامعات.

 

وليرسم هذا المجلس سياسات الهيئة عبر عملية ديموقراطية وشفافة، يعين من خلالها المدير ويقيله، ويقبل استقالته، بعيداً عن تدخل الحكومة وأجهزتها، ليصبح دور الهيئة تنظيمياً، لا رقابياً.

 

منذ دمج هيئة الإعلام المرئي والمسموع مع دائرة المطبوعات والنشر، في عام 2014، استغلت هيئة الإعلام مواد القانون المطاطة، وأصدرت أكثر من 15 تعميما لمنع النشر في قضايا تشغل الرأي العام، مما شكل رقابة مسبقة على الصحافة والإعلام، وانتهاكاً للمعايير والممارسات الدولية، وأعتقد أن هذه الممارسة قد حان وقت التخلي عنها إلى غير رجعة، خاصة مع وجود قوانين أخرى تحدد الأطر المسموح بالنشر ضمنها.

 

كما أصبح من الضروري إلغاء شروط الحصول على الموافقات الأمنية لترخيص دور النشر، وشركات الإنتاج الفني، والتقني، ومحطات البث الإذاعي والتلفزيوني، والمواقع الالكترونية، وتصاريح التصوير الخاصة بالصحفيين، وغيرها، طالما أن طلباتهم مستوفية الشروط المنصوص عليها قانونياً.

 

ومن المهم إعادة النظر بتنظيم أفضل لقطاع الإعلان الإعلامي، لحماية المستهلك من التضليل والخداع. عبر مدونات سلوك لهذه المهنة، تضمن أفضل ممارسة أخلاقية ومهنية لها.

 

في الأردن، أكثر من 14 قانوناً ينظم حقل الصحافة والإعلام، ويقيد حريته أيضا، وهناك نصوص صريحة ما زالت تستخدم لحبس الصحافيين، وأخرى حجبت قرابة 292 موقعاً إلكترونياً عام 2013، وأغلقت قنوات فضائية بقرارٍ إداري، ومازالت تلك النصوص سارية رغم مخالفتها لروح الدستور ونصوصه، الذي ترك أمر ذلك للقضاء. عدا عن قانون ليس له من اسمه نصيب يشرعن حجب المعلومات، عوضاً عن تقديم الحد الأقصى من الإفصاح عنها، فهذا الحق ما زال مهدوراً للصحفي والمواطن على السواء.

 

لا يمكن للإعلام أن يتطور ويزدهر تحت ترسانة التشريعات المعادية للحريات، فسيوف قوانين: جرائم أنظمة المعلومات، ومنع الإرهاب، وانتهاك حرمة المحاكم، وغيرها مسلطة على رقاب الصحافيين. ما جعل من الأردن بلداً غير حر على مؤشر "فريدم هاوس" عام 2015، وفي العام ذاته تذيل قائمة البلدان غير الحرة أيضا على مقياس منظمة مرسلون بلا حدود.

 

اليوم، في أروقة صناع القرار مشاريع قوانين جديدة ومعدلة، سيقذف بها إلى البرلمان الوليد، لتزيد المشهد بؤساً في حال إقرارها، تحت ذريعة محاربة خطاب الكراهية والتحريض على العنصرية، والتمييز، في وسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية. رغم أن تلك الجرائم والجنح قد عالجتها قوانين أخرى، بعقوباتٍ رادعة.

 

وقد أثبتت تجارب سن قوانين جديدة، صَب الزيت على النار، بزيادة شريحة التجريم، وتغليظ العقوبة، والحؤول دون تقديم مقاربات جذرية تحد من المشكلات ومسبباتها، فحماية حقوق الناس وحرياتهم وأمنهم، لا ولن يكون بتكبيل حرية الرأي والتعبير.

 

أعلم أن الهيئة منفذة للقوانين لا مشرعة لها، وتطبيق بعضها ليس من اختصاصها، لكن المأمول من وجود شخصية دافعت عن حرية الصحافة والنشر، وخبيرة بالتشريعات الإعلامية في هذا الموقع المهم، أن تقرع جدران الخزان من الداخل.

 

نجاح مهمة قطيشات تتطلب منحه مساحة من الحرية والاستقلالية في العمل، وإرادة سياسة من طرف الحكومة تعمل على تطوير وتنمية البيئة الإعلامية، وشراكة حقيقة مع وسائل الإعلام والمجتمع المدني والجمهور، لخلق بيئة تشريعية صديقة للحريات الصحفية والإعلامية في البلاد.

 

أضف تعليقك