قراءة في العلاقات الأردنية السورية ..الأشقاء الألداء عقود من التوتر
في عام 1958 حاولت طائرات ميج سورية، انطلقت من مطار عسكري بالقرب من دمشق، اسقاط طائرة الملك الأردني الراحل الحسين بن طلال، الذي كان متوجها الى مدينة لوزان السويسرية مرورا بالأجواء السورية.
قصة يرويها الملك الراحل في كتابه "مهنتي كملك"، كحادثة ضمن سلسلة حوادث صاغتها العلاقة المتوترة بين الأشقاء الألداء (الأردن وسورية) اللذان يستعدان لاعادة افتتاح المعابر بينهما بعد انقطاع دام سبع سنوات.
وقفت كل من عمان ودمشق تاريخيا على طرفي نقيض؛ بعد أن دخلتا في تحالفات متضاربة خلقت توترات مستمرة في العلاقة، دفعت البلدين لتبادل الاتهمات بأحداث أمنية في وقعت سبعينيات وثمانينات القرن الماضي، وصلا الى اتهام دمشق لعمان بتدريب وتسليح المقاتلين في الحرب الدائرة في سوريا منذ 2011.
وبدأ التوتر الذي صاغ شكل العلاقة بين البلدين طيلة السنوات الماضية، منذ وقت طويل جدا عند ترسيم الحدود بين البلدين عام 1932 في عهد الملك عبد الله المؤسس، الذي قام بالتعاون بريطانيا بترسيم الحدود، تخلله مناوشات بين عشائر اردنية وسورية.
وساهمت الوحدة بين مصر وسوريا، وقبلها انقلاب عبد الكريم قاسم على حكم الهاشميين في العراق من تعميق الأزمة للمملكة التي لجأت لتحالفات دولية لحماية وجودها.
عمق التحالف الأردني الأمريكي، مقابل التحالف السوري السوفيتي، من الشرخ بين الأشقاء، لتزداد الفوارق لاحقا مع الأيام عقب توقيع الأردن لمعاهدة وادي عربة عام 1994 مع اسرائيل ودخول المملكة في فيما يعرف بـ "محور الاعتدال" مقابل "محور المقاومة".
علاقة يرى فيها الخبير العسكري اللواء الأردني المتقاعد مأمون أبو نوار،" انها " لم تكن بحالة جيدة تاريخيا بسبب طبيعة التحالفات التي ينضوي بها البلدين، وخصوصا ارتباط سوريا بشكل وثيق مع روسيا".
متوقعا في حديث لـ"عربي21" ان "العلاقة لن تكون سياسيا جيدة بين البلدين، حتى لو عادت العلاقة الاقتصادية عقب افتتاح المعابر"
إلا أن العلاقة بين الطرفين عاشت وضعا أكثر صعوبة في عام 1970؛ بعد دعم النظام السوري للفصائل الفلسطينية اليسارية في مواجهة قوات الجيش الأردني، والتي وصلت الى حد نشر سوريا دباباتها في المواقع التي أخلاها الجيش العراقي في مدينة الرمثا، لتعود وتنسحب تحت قصف الطائرات الأردنية وحلفائها من الأمريكان في معركة دامت لأربعة أيام.
ولم تتوقف الخلافات عند هذا الحد، اذ اتهم الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد الأردن بدعم الإخوان المسلمين في ثمانينيات القرن الماضي واحتضان قيادات الإخوان بالتحالف مع الرئيس العراقي صدام حسين، في وقت اتهم الأردن سوريا حينها بمحاولة تنفيذ عمليات إرهابية في الأردن من بينها محاولة اغتيال رئيس الوزراء مضر بدران عام ١٩٨١.
ليعرض التلفزيون الأردني ما اسماه أنه اعترافات عسكريين سوريين حول خطة فاشلة لاغتيال لرئيس بدران، وكذلك مشاركتهما في مجزرة سجن تدمر التي حدثت في نفس العام.
ثم أخذت العلاقة المتوترة بالتراجع لحساب مصالح اقتصادية وجغرافية؛ بعد بروز قيادات شابة في البلدين، ففي 2009 أعلنت الحكومة الأردنية أنه سيتم إلغاء ضريبة المغادرة والرسوم المفروضة على الأردنيين والمركبات والشاحنات والحافلات عند مغادرتها الحدود بين البلدين سوريا والأردن.
الا أن هذه العلاقة سرعان ما أخذت منحدرا جديدا في عام 2011 عقب انطلاق الأحداث في سوريا واتهام دمشق لعمان بتدريب وتسليح المقاتلين وتسهيل عبور الجهاديين، لتصل الى القطيعة في العلاقات الرسمية، وصلت الى طرد السفير السوري في عمان بهجت سليمان في عام 2014.
ليخرج الملك عبد الله الثاني، في مقابلة مع صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية عام 2017 ويدعو ضمنيا الى تنحي بشار الأسد قائلا إن "المنطق يقتضي بأن شخصاً ارتبط بسفك دماء شعبه من الأرجح أن يخرج من المشهد".
المحلل السياسي، عامر السبايلة يصف العلاقات الأردنية السورية الراهنة، بالمتوترة لكنها لم تصل حد الأنفجار، وجيدة لم تصل إلى الممتاز، يقول السبايلة لـ"عربي 21" أن "التعاطي في العلاقة في الفترة الأخيرة كان فيه نوعا من الذكاء بسبب اختلاف الأدوات، واختلاف المحاور، لكن العنصر الجغرافي جعل هذه العلاقة حتمية بين الطرفين لا تصل الى مرحلة التضاد".
يعتقد أن من مصلحة الطرفين أن لا تكون العلاقة متوترة كونهم مستفيدين من علاقة جيدة بسبب حتمية الجغرافيا، وهذا يحتم على الطرفين أن يكونا أكثر مرونة في تقديم التنازلات، وتجاوز اي خطأ سابق".
وتضع كل من سوريا والأردن على وضع اللمسات النهائية لافتتاح معبر نصيب-جابر الشريان التجاري بين البلدين، بعد أن لعبت الأردن في تموز 2018 دورا مهما في عقد اتفاق مصالحة بين النظام السوري وروسيا من جهة والفصائل المعارضة من جهة اخرى افضى بسيطرة النظام على الجنوب السوري.
الأمين العام لحزب البعث العربي التقدمي، فؤاد دبور، يدعو لتجاوز خلافات الماضي، ويرى أن " عودة المعبر سيخدم القطرين، وستكون هنالك علاقات بين الطرفين،لتصبح المرحلة السابقة وراء ظهر الدولتين".
وحول اصطفاف البلدين في تحالفات متضادة يقول دبور لـ"عربي 21" سوريا رفضت توقيع اي معاهدة سلام مع الكيان الصهيوني دون عودة كامل الجولان، لكن الأردن وقع معاهدة السلام في 1994 ، ورغم ذلك لم تنقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وحتى بعد 2011 لم تنقطع هذه العلاقات رغم انتقادات سورية لسياسات الأردن، وموقعها السياسي في المنطقة".
تستعد كل من الأردن وسورية لفتح صفحة جديدة من العلاقات انطلاقا من بوابة الاقتصاد وعودة المعبر للعمل، لكن العلاقات الاقتصادية التي اصبحت ضرورة للطرفين في ظل اقتصاد صعب للبلدين، قد لا تعني عودة علاقات دافئة لشقيقين انخراطا في طريقين مختلفين سياسا.