عامان على الحراك: القمة والقاع

عامان على الحراك: القمة والقاع
الرابط المختصر

عامان مضيا على انطلاقة الشرارة الأولى للاحتجاجات من مدينة ذيبان التي حملت رغيف الخبز شعارا رمزياً لحراكها الذي لحقت بركبه معظم المحافظات الأردنية تباعا.

وان اسقطت الاحتجاجات في بدايتها حكومة سمير الرفاعي لتتعاقب اربعة حكومات على إدارة السلطة التنفيذية، إلا أن الحراك لم يحققق مطلبه الأساس بتشكيل حكومة انقاذ وطني، وشعاراته لتي ظهرت على لوحات بتصاميم وألوان مبتكرة من بينها اقرار قانون "من أين لك هذا" ، وتعديل النهج الاقتصادي.

وسرعان ما تحولت تلك المطالب المحددة الى شعارات مختلفة لاسيما بعد دخول القوى الحزبية التقليدية الى الطقس الاحتجاجي في الحسيني، فشهدت الساحة الأردنية مطالب ابتدأت بالرجوع الى دستور 1952 ، حتى وصلت الى أعلى سقوفها اثر قرار حكومة عبد الله النسور برفع الدعم عن المشتقات النفطية أو ما سمي بـ "هبة تشرين"، حين طالبت باسقاط النظام.

وعلى الرغم من ارتفاع السقوف وزيادة القبضة الأمنية ونهوض مناطق وشخوص لم يكن لهم حضورا في خارطة الاحتجاج لتنديد بقرار رفع الدعم عن المحروقات الذي لامس الوجع المعيشي لدى المواطنين، الا أن نشطاء ومحللين لا يرون في الحدث أكثر من "فورة دم"، وإشارة الى أن الانتفاضة الشعبية الحقييقة لن يأتي بها الا قرارات اقتصادية تزيد العبء على جيبة المواطن.

الوصول الى النتيجة التي أكدت أن الغضب الذي أصاب الشارع الأردني غضب شعبي لحظي، لم يكن استشرافا بالمستقبل انما قبولا بالواقع الذي بدأت ملامحه تتلاشى بعد أربع أيام من القرار الذي لم تتراجع عنه حكومة النسور، كما حصل حين حاولت حكومة فايز الطراونة الاقدام على ذات القرار فأحدث احتجاجا يعتبر متواضعا على دوار الداخلية أعقبه غضب لسائقي التاكسي فكان اللون الأصفر يتصدر المشهد الذي زاده دعما احتجاج نيابي لم يكن ينتظره الشارع الأردني من المجلس السابق الا أنه أدى تدخل ملكي بتجميد القرار.

وان لم تستطع حكومة الطراونة الاقدام على قرار رفع الدعم عن المحروقات، فانها أبقت على قانون الصوت الواحد الذي عارضته النخب السياسية كثيرا وطالبت بتعديله لاسيما التيار الاسلامي الذي ناور خلال العامين على جبهة المفاوضات والشارع، حيث نظمت مسيرة تحت عنوان "انقاذ وطن" حازت على تغطية اعلامية كبيرة وتفاعل شعبي واضح دون اقناع الحكومة بالرجوع عن قانون الصوت الواحد.

الانتخابات، التي حدد موعدها وسط اعتراض نخبوي، لا يعني نجاحها أو فشلها الحراكيين الذين يؤمنون أن الشعار المعيشي هو الأهم وأن خطأ ارتكبه الحراك حين سار في سيل من المطالب التي لا تلامس فقر وظلم المواطنين بشكل مباشر، مؤكدين أن الحراك ساهم في نشر ثقافة الاحتجاج وتجاوز الخطوط الحمراء الأمر الذي يؤسس لحالة من الانتفاضة الحقيقة ان استمر النهج الاقتصادي على ما هو عليه، في حين تراهن شريحة أخرى على أن احتجاجا شعبيا قد يحدث بعد الاعلان عن نتائج الانتخابات.

كثيرة المفاصل التي مر بها الحراك الأردني، الا أن أحداث 24 آذار/ 2011 التي رافقت حكومة معروف البخيت تبقى علامة فارقة في أذهان القوى الشعبية والشبابية غيرت تحالفت بينهم وأعطت زخما أكبر للحراك حتى أن عددا من الأردنيين يربطون بدء الاحتجاجات بتاريخها، لاسيما وأن القوة الأمنية ظهرت لأول مرة خلال ذلك اليوم، وانتهى اليوم بوفاة مواطن خيري جميل أكدت الحكومة أنه توفي اثر جلطة قلبية، فيما يصر الحراك على اطلاق صفة "الشهيد" عليه.

كررت قوات الدرك والأمن العام فض اعتصام بتاريخ 15 تموز/2011 بنفس الأسلوب الذي اتبعته في آذار وأيضا كان اعتصام ساحة النخيل أثناء حكومة البخيت التي لم تسجل حكومته اعتقالات سياسية لنشطاء، كما حصل في أول موجة اعتقالات سياسية وتحويل نشطاء الى محكمة أمن الدولة أثناء حكومة عون الخصاونة الذي استبشر عدد من السياسيين الخير والإصلاح على يدها، والتي كان من أبرز ما حصل في فترة ولايتها موجة من الاعتقالات بدأت في آذار الماضي واقرار التعديلات الدستورية التي تراها الدولة حزمة اصلاحية فيما يجد سياسيون أن عدد من موادها يحتاج الى مزيد من التعديلات.

الاعتقالات السياسة التي استمرت في حكومتي الطراونة والنسور وتوجيه تهم لنشطاء في الحراك تتلخص غالبيتها بالتجمهر غير المشروع، واطالة اللسان، والعمل على تقويض نظام الحكم، لم تثني الحراكيين من الاستمرار في احتجاجهم، كما أنها لم تمنع المواطنين الخروج الى الشارع اعتراضا لرفع الأسعار الأخير، فضمت السجون مواطنين أردنيين منهم من خرج لأول مرة في احتجاج، فزادت حصيلة المدنيين المحولين الى محكمة أمن الدولة، حيث تؤكد لجنة الحريات في نقابة المحامين أن العدد زاد عن المئة.

ويظل خوف النشطاء والمواطنين من الاعتقالات لا يتعلق بالضرب واحتجاز الحرية انما بالخوف على مصالح تتعلق بالعمل والضغط على ذويهم، لا سيما أن عددا يرى أنه يتعرض الى الاعتقال واحتمالية التأثير على وظيفته وفقدانها دون الاحساس تغيير حقيقي على مستوى الدولة والمواطنيين.

اصرار النشطاء على الاستمرار في طريق بدأت منذ عامين كانت نتائجها تتلخص بنشر حالة من الثقافة الاحتجاجية وكسر حاجز الخوف ، وربما خلق رقابة مضاعفة عند المسؤولين تحاشيا لأي اتهامات ومحامكات شعبية لهم، دون الوصل الى مكاسب تشريعية طالبوا بها، كما أنها ترجعهم للمربع الأول الذي انطلقوا منه لرفع شعار "اين أنت يا عزيزي".

أضف تعليقك