سياسيون وأكاديميون يدعون لتوحيد الجهد العربي في مواجهة التحدي الإسرائيلي
أكد المشاركون في الندوة التي عقدها مركز دراسات الشرق الأوسط تحت عنوان "العلاقات العربية– الإقليمية" على ضرورة تركيز الجهد العربي المشترك وتوحيده لمواجهة التحديات الأساسية التي تواجه العلاقات العربية- الإقليمية، والتركيز على التحدي الأساسي الذي يهدد الأمن القومي العربي وهو التحدي الإسرائيلي، وأهمية التنسيق والتفاهم العربي إزاء محاصرة التمدد الإسرائيلي وغيره في المحيط الحيوي العربي وخاصة في أفريقيا لما له من انعكاسات استراتيجية على المصالح والأمن العربي.
كما دعت الندوة التي شارك فيها 80 شخصية أكاديمية وسياسية من الأردن و6 دول عربية إلى تجنب الاستجابة لأي ضغوط دولية تزيد من حالة استنزاف الداخل العربي أو التورط في صراعات مع إيران وتركيا، وحلّ المشاكل العربية البينية وتوحيد المواقف تجاه القضايا البينية أو تجميدها بما يخدم علاقات العرب الإقليمية خاصة مع دول الجوار الأفريقي.
وطالب المتحدثون خلال الندوة التي عقدت على مدي يومين بإعادة النظر في المعاهدات مع إسرائيل، وعدم انجرار دول عربية أخرى إلى إقامة أي علاقات مع إسرائيل، أو التفكير بالتحالف والتنسيق معها ضد أطراف إقليمية أخرى، معتبرين أن العلاقات العربية مع إسرائيل سواءً بمعاهدات السلام أو بالسلام البارد أو بأي شكل من أشكال العلاقة لم تثمر في خدمة المصالح العربية والأمن القومي العربي ولا القضية الفلسطينية.
كما أكّدوا على ضرورة استعادة القوة العربية في محيطها الحيوي الإسلامي والأفريقي، لتقوية الوزن العربي الإقليمي والدولي، بما في ذلك تفعيل الدبلوماسية الشعبية والدور الشعبي لتطوير وتفعيل العلاقات العربية في محيطها الحيوي الإقليمي الآسيوي والأفريقي، والعمل على تحسين الصورة الذهنية للعرب في دول جنوب الصحراء وإثيوبيا، وكذلك في إيران وتركيا، عبر وسائل الإعلام والتبادل الثقافي وتطوير السياحة والمشاريع الاقتصادية المشتركة.
ودعا المنتدون إلى إنشاء منتديات رسمية وغير رسمية للحوار وإعادة بناء العلاقات بين العرب وكل من إيران وتركيا وإثيوبيا ودول جنوب الصحراء، و مشاركة مراكز الأبحاث ومراكز التفكير في بلورة وصناعة القرار العربي القطري والقومي.
وفي اليوم الثاني من الندوة بحثت الجلسة الثالثة العلاقات العربية – الإسرائيلية والتي ترأسها المساعد الأسبق لأمين عام الجامعة العربية محمد صبيح، حيث تناولت الورقة الأولى من الجلسة العلاقات المصرية– الإسرائيلية والتي قدمها الدكتور مصطفى علوي أستاذ العلوم السياسية من جامعة القاهرة واستعرض فيها تأثير الثورات العربية على العلاقات العربية- الإسرائيلية.
وخلص علوي إلى أنّ حاضر ومستقبل العلاقات العربية الإسرائيلية، وبخاصة الحالة المصرية يعتمد على تطورات المنطقة، وأنّ حالة الدول العربية الراهنة لن تسمح لها بأن تكون فاعلة ومؤثرة في تطورات العلاقة العربية الإسرئيلية، مع الإشارة إلى أن هذا الهدف ليس مستحيلاً ولكنه سيكون صعباً، ويحتاج إلى تطوير لفعالية حركة المؤسسات العربية المعنية بصنع وإنتاج وتنفيذ رؤى فعّالة تستهدف تعزيز وتقوية الدور المصري والرؤية المصرية للعلاقات مع الكيانات الإقليمية، ومنها "إسرائيل".
واعتبر علوي أن معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية لم تقد إلى أيّ تغيير فكري أو جوهري في العلاقات المصرية- الإسرائيلية، وأن ما ترتب على هذه المعاهدة تمثّل في عدم نشوب حروب بعد عام 1973.
المشاقبة : العلاقات الأردنية الإسرائيلية مرشحة لمزيد من التوتر
فيما تحدث الوزير الأسبق الدكتور أمين مشاقبة أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأردنية حول العلاقات الأردنية – الإسرائيلية، مستعرضا تاريخ هذه العلاقات وبدءها رسميا مع توقيع معاهدة وادي عربة عام 1994.
واعتبر مشاقبة أن العلاقات الأردنية- الإسرائيلية تتأثر بمجموعة من القضايا الأساسية وهي، فكرة الوطن البديل، المستوطنات، قضية الجدار العازل، قضية اللاجئين، استهداف المدنيين، والقدس.
و خلص مشاقبة إلى أن إسرائيل لم تتقيد ببنود معاهدة السلام الموقّعة مع الأردن، وأن العلاقات قد تشهد توتراً متوقعاً لاعتبارات التهديدات المتسمرة بالتلميح أو التصريح التي تصدر عن جمعيات ومؤسسات رسمية وغير رسمية، وكذلك عن أعضاء في الكنيست الإسرائيلي، وللدعوة إلى حل القضية الفلسطينية على حساب الأردن، وللممارسات الإسرائيلية في القدس، ومحاولة إسرائيل طمس معالم المدينة المقدسة العربية والإسلامية، وخرق الاتفاق الأردني والإسرائيلي بشأن المقدسات، وللرفض الإسرائيلي المطلق لحقّ العودة للاجئين الفلسطينيين.
وبحثت الجلسة الرابعة للندوة والتي أدارها الدكتور علي محافظة المؤرخ وأستاذ الشرف في الجامعة الأردنية العلاقات العربية مع إثيوبيا ودول الجوار الأفريقي، فتناولت الورقة الأولى للجلسة التي قدمها الدكتور عبد السلام بغدادي أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد واقع علاقات المشرق العربي ووادي النيل مع دول جنوب الصحراء الأفريقية منذ استئناف عقد القمم العربية- الأفريقية المشتركة عام 2010 وحتى الآن.
وأشار بغدادي إلى الأهمية الاستثنائية التي تتمتع بها أفريقيا عموماً، وبلدان القرن الأفريقي وشرق أفريقيا على نحو خاص، سواءً من حيث الموقع أو الثروات المائية والنفطية والزراعية والحيوانية والمعادن، وتحركات كل من نركيا وإيران وإسرائيل وأوروبا و الولايات المتحدة في إفريقيا لدوافع مختلفة.
وأوصي بغدادي الطرفين العربي والإفريقي بضرورة إيلاء الشراكة العربية الأفريقية أهمية كبيرة بما يخلق فضاءً استراتيجياً مشتركاً، والتصدي لأي تحركات دولية أو إقليمية في إفريقيا في حال إضرارها بالعلاقات العربية الإفريقية .
فيما قدم الدكتور عمار جفال رئيس وحدة البحوث والدراسات في العلاقات الدولية في جامعة الجزائر ورقة حول الأبعاد السياسية للعلاقات بين دول الشمال الإفريقي العربية مع دول جنوب الصحراء معتبراً أن هذه العلاقات اتسمت بقدر كبير من التواصل، وباستثناء التوترات التي نجمت عن نشاط النظام الليبي في عهد القذافي، كما شهد التمثيل الدبلوماسي لأقطار المغرب العربي بالقارة تطوراً ملموساً مند الاستقلال، مع ارتباطه بعاملين اثنين، وهما الإمكانيات المادية ودرجة الانخراط السياسي في قضايا القارة، مع ضعف العلاقات الاقتصادية.
واعتبر جفّال أن الانسجام العام المحدود بين مواقف الأقطار العربية في شمال القارة ضمن القضايا السياسية الشاملة أدّى إلى أشكال من التنافس الصامت أحياناً والمعلن أحياناً أخرىما أدى إلى أن تتكرّر مع القارة الأفريقية نفس السياسات التي اتبعتها مع الاتحاد الأوروبي؛ أيْ السياسات الوطنية بدلاً من السياسات التكاملية القائمة على أساس قدر من التنسيق الإقليمي المغاربي، وهو الأمر الذي يعمّق من هشاشتها ويزيد من نسبة خسارتها السياسية والاقتصادية الناجمة عن استمرار حالة "اللامغرب" على حد وصفه.
وفي ورقة بعنوان العلاقات العربية الإثيوبية تناول الدكتور بدر الشافعي خبير الشؤون الإفريقية العلاقات العربية مع إثيوبيا باعتبارها الدولة القائد في منطقة الشرق الأفريقي وارتباطها بعلاقات تاريخية ودينية وجغرافية، وأمنية واقتصادية بالعرب، وما وصفه بالعلاقة المتباينة الصراعية والتعاونية والحيادية بين الدول العربية وإثيوبيا، وأخيراً أبرز التحديات التي تواجه العلاقات.
وأوصى شافعي بوضع إطار سياسي عربي موحد للعلاقة مع الأفارقة بصفة عامة، والعلاقة مع الدول المفصلية مثل جنوب أفريقيا، نيجيريا، إثيوبيا بصفة خاصة، والتوقف عن بثّ الكراهية أو الصورة الذهنية السلبية لكلا الطرفين عن الآخر، والتركيز على الجوانب الإيجابية، وتبني حملات إعلامية تكرّس هذه الإيجابيات، إلى جانب زياده الاستثمارات وحجم التبادل التجاري مع إثيوبيا، خاصةً مع دول الخليج.
وبحثت الجلسة الخامسة للندوة التي أقيمت بعنوان "مستقبل العلاقات العربية-الإقليمية: محددات وآفاق المستقبل" وأدارها الدكتور موسى بريزات المفوض العام للمركز الوطني لحقوق الإنسان، اعتبر وزير الخارجية السوداني الأسبق الدكتور مصطفى عثمان أنّ مؤسسات العمل العربي المشترك، كجامعة الدول العربية، ومجلس التعاون الخليجي، والاتحاد المغاربي، تقف الآن عاجزة عن فعل أي شيء إزاء النزاعات التي تعصف بالوضع العربي، فضلاً عن أن تفعل شيئًا في مواجهة التدخلات الخارجية والتمددات الإقليمية في المصالح العربية، بالرغم من أنها أُسِّست ليكون لها دور تكاملي وتوحيدي تبرز من خلالها الدول العربية كمحور أساسي ضمن المحاور الإقليمية.
واعتبر عثمان أن التحديات التي تواجه المنطقة العربية لا يمكن أن ترقى إلى كونها تحدياً وجودياً رغم حجم الصعوبات والتحديات التي تجعل العرب وتجعلهم عاجزين عن اللعب بدور فعّال في النظام الإقليمي، مشيراً إلى أن القوى الإقليمية الفاعلة كإسرائيل وإيران وتركيا يمكن التعامل معها من خلال قراءة الحاضر والمستقبل والتخطيط السليم في التعامل معهم.
وأكد عثمان على ضرورة أن تتوافر في المشروع العربي استراتيجية للإصلاح الشامل، تستند على معالجة الاختلالات البنيوية والهيكلية في الاقتصاد، وإنهاء النزاعات العربية– العربية، وتعزيز مؤسسات العمل العربي المشترك وإنشاء مؤسسات لفض النزاعات، وتوحيد المواقف العربية تجاه القضايا العربية الكبرى كالقضية الفلسطينية والقضايا الإقليمية والدولية، وتحديد القضايا الإقليمية مثل قضايا مكافحة الإرهاب والتطرف والمجموعات الانفصالية والتدخلات الخارجية باعتبارها قضايا تهم الأمن والاستقرار في المنطقة وتمسّ العرب والشركاء الإقليميين وتوحيد الموقف حولها، ولتكون مدخلاً لاستراتيجية إقليمية يكون العرب ضلعاً فاعلاً فيها.
فيما اعتبرت الدكتورة نورهان الشيخ أستاذة العلاقات الدولية في جامعة القاهرة وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية أنّ العلاقات العربية الإقليمية تموج بالعديد من الإشكاليات التى تزداد حدة وتعقيداً بفعل التعقيدات فى الداخل العربي ومحيطه الإقليمي وسياقه الدولي، مما يجعل من الصعب رسم خط واضح لاتجاه العلاقات العربية الإقليمية مستقبلاً.
وأكدت الشيخ أن مستقبل العلاقات العربية الإقليمية سيبقى رهناً بالإرادة العربية ومدى قدرتها على إعادة البناء الداخلي والإنطلاق بقوة ورؤية مشتركة لمراجعة علاقاتها مع القوى الإقليمية على النحو الذى يعظم الشراكات ويحدّ من التحديات التى تمثلها سياسات ومواقف هذه القوى وتدخلاتها فى العالم العربي.
وأشارت الشيخ إلى أن إعادة صياغة هذه العلاقات فى المستقبل يعتمد إلى حدّ بعيد على نجاح الدول العربية في تجاوز أزماتها وعدم الاستقرار الذى يجتاحها، واستعادة قوّة الداخل بها من ناحية، وتجاوز الخلافات العربية العربية، والوصول إلى حدّ أدنى من التوافق والمشتركات فيما يتعلق بالقضايا العربية، وبالعلاقات العربية مع المحيط الإقليمي، وأنه ليس من المتصور أن تنجح الدول العربية مستقبلاً فى بناء علاقات متوازنة مع القوى الإقليمية دون ذلك.
كما اعتبرت الشيخ أن تركيا ستظل حليفاً أكثر منها تهديداً بالنسبة لغالبية الدول العربية لا سيما دول الخليج، وأن عدد من الدول العربية ستظل تنظر إلى طهران على أنها تهديد مباشر لأمنها القومي خاصة السعودية والبحرين والإمارات، فيما ستظل القضية الفلسطينية ستظلّ موضع إجماع العرب، مع الحاجة إلى تحرك عربي ضاغط في مواجهة السياسات الإسرائيلية، وطالبة البعض فى هذا الإطار بسياسات عربية نشطة لملاحقة "إسرائيل" في المنظمات الدولية المختلفة.