زواج الأطفال.. طفلٌ ينجب طفلاً

زواج الأطفال.. طفلٌ ينجب طفلاً
الرابط المختصر

عندما نكتب على محرك البحث (جوجل) عن "زواج الأطفال" نلاحظ شيئين: الأول هو الكم الهائل من الدراسات والأبحاث والمواد الصحفية التي ذهبت الى الحد من هذه الجرائم، والثانية هو اقتصار هذه المعالجة على الاناث فقط، وغياب المعالجة عن الانتهاك الذي يقع على القصر (الذكور).

مثل هذا الزواج جريمة بحق الأطفال سواء كان ذكرا أم أنثى، غير ان الكثير من منظمات المجتمع المدني والحقوقيين المختصين بحقوق الطفل تنصب دراساتهم ومعالجاتهم فقط حول حقوق الأنثى والدفاع عنها، وإهمال الذكر رغم كل ما يترتب علية من انتهاكات.

أسرةٌ قاصرة

ربما يكون الزواج سببا للبهجة والسرور لدى أقرباء الطفل دون مراعاة حجم الانتهاك الذي يقع على هذا الطفل، ففي حادثة وقعت قبل أشهر لطفلٍ من محافظة معان لم يتجاوز الخامسة عشر، سلبت منه حقوقه ومنها حقه في التعليم إذ أجبر على  ترك الدراسة في سن مبكرة جداً لينخرط في حياة العمل مع والده في مجال المقاولات.

وحسب ما ورد عن عم الطفل في وسائل الاعلام الالكترونية واليومية  قال "إن الطفل عمل مبكراً في الحجارة والتراب والإسمنت ويصفه بالطفل المثابر والمجتهد"، وأضاف انه "بعدها تزوج فتاة تساويه بالعمر ليكونا أسرة كريمة قائمة على الطيبة والعادات الإسلامية السمحة".

يعد زواج القاصر انتهاكا لاتفاقية حقوق الطفل الذي نصت المادة الأولى أن الطفل هو كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه، ومخالفاً أيضاً للمادة 28 الذي نصت على (أن تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في التعليم، وتحقيقا للإعمال الكامل لهذا الحق تدريجيا وعلى أساس تكافؤ الفرص، تقوم بوجه خاص، وجعل التعليم الابتدائي إلزاميا ومتاحا مجانا للجميع).

في حالة أخرى وقعت في مدينة الرمثا مؤخراً، فحسب جريدة الرأي، قام رب الأسرة بإجراء مراسم الخطوبة لابنه والذي لم يتجاوز11 سنة، حيث تضمنت مراسم الخطبة على ابنة خاله التي تقاربه في العمر، وتنفيذا لرغبات والده ووالدته من اجراء هذه الخطوبة، وكانت الخطوبة دون عقد قرآن في المحكمة حتى يتم سن 15 عشر.

ويشترط قانون الأحوال الشخصية الأردني رقم (36) لسنة 2010 في أهلية زواج الخاطب والمخطوبة ان (يكونا عاقلين وأن يتم كل منهما الثامنة عشرة من عمرهما)، ولكن أستثنى من ذلك  الزواج في سن الخامسة عشرة شمسية (بموافقة قاضي القضاة الذي له أن يأذن في حالات وفقاً لتعليمات يصدرها لهذه الغاية إذا كان في الزواج  ضرورة تفتضيها).

طفل ينجب طفلاً

في سن الثانية عشر ترك (عمر)، اسم مستعار، مقعد الدراسة، وذهب للعمل الشاق مع والده في الملاعب والمسابح الخاصة بهم، ويقول إن المفاجئة الصادمة التي تعرض لها والتي اكتشفها بعد سنين من إصرار والده على تزويجه من ابنة عمه التي تقربه في العمر، وهذا كان في سن السادسة عشر، قائلاً أن "الفاجعة العظمى تكررت مرة أخرى حين أخبرتني والدتي بأنني سأصبح أباً وان زوجتي أصبحت حاملاً، في ذلك الوقت لم أكن اعرف كيف حدث هذا ولم  اكن قادر على التفكير بها".

وأضاف بأنني غير مدرك معنى الآب، متسائلاً كيف سيكون لدي طفل، مضيفاً ان التفكير المستمر بما يحدث له من فاجعات متوالية أدت الي تزايد المشاكل بينه وبين زوجته، ويقول بأنا لم نستطيع سوياً أن نحتوي ابننا وتربيته وتعليمه وانا غير متعلم أساساً، انتهت قصة عمر بالطلاق، عقب دوامة من المشاكل بين العائلتين.

شقيق عمر الأكبر يقول انه لم يكن موافقاً على هذا الزواج  "وحاولت أكثر من مرة إفشاله، لكن أصرار الوالد على تزويجه لأنه أخر العنقود في العائلة، كان أقوى"، ويضيف :"كنا نعاني في مساعدته من ناحية توعيته وتثقيفه عن الحياة الزوجية وكيفية تربية طفله"، بحسب شقيقه "عمر الان"، يعيش في حالة من الاكتئاب النفسي بعد الطلاق".

 

اهمال مشترك في المعالجة

اعتبر الناشط الحقوقي المحامي  صدام ابو عزام أن الزواج المبكر حكراٌ على الفتيات دون الذكور، وهذه المسألة ينتابهاالغموض لا بل العوار المنهجي في معالجة الموضوع من كافة اطرافه، مضيفاً ان هذا احد الأسباب الرئيسة التي أدت الى انتاج ذات الحلول بذات الوسائل التقليدية والتي لم تفلح جميعها في الوقائع العلمية، سواء بتغيير بعض الأرقام من حيث الزيادة او النقصان.
وأضاف أبو عزام أن ما نلاحظه في معالجة الزواج المبكر من احتكار للفتيات دون الذكور، لان القاصرات ذو طابع ثقافي، والذي يؤكد على مسألة الموروث الاجتماعي حيال المرأة، حتى انساقت العديد من المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني في تناول هذه المسألة من ذات النظرة التقليدية دون الاهتمام في زواج القاصر الذكور.

untitled

الناشطة الحقوقية هالة عاهد قالت أن زواج الأطفال في الأردن مازال قضية جدل بين الحكومة ومنظمات المجتمع المدني، وأن هذا "الإجرام تحت حماية القانون في تنامِ وتفشِ في المجتمع، حيث بلغ عدد حالات الزواج في عام 2015 بنسبة 13.4% من عدد الزواج في المملكة، وان هذه الأرقام هائلة وتدل استمرارية  تراخي الحكومة وعدم اتخاذ أي خطوة نحو الحد من هذه الجرائم".

وأشارت عاهد أن زواج الطفل ينتج عنه مخاطر وانتهاكات سواء كان للذكر او أنثى، فبعد الزواج  يُجّبر القاصر الذكر على ترك مقاعد الدراسة والإنخراط في الحياة الزوجية قبل اكتمال النضوج الفكري ومعرفتة الكامل لمعنى الحياة الزوجية، وأن القاصر الذكر يترتب عليه واجبات قاسية لا تناسب عمره، مشيرتاً الى ان الطفل سيجبر للدخول الى سوق العمل- مثلا- رغم صغر سنه وضرورة تأمين مصاريف الحياة الزوجية وهذا اكبر الانتهاكات التي يتعرض لها الذكر.

وأضافت عاهد أن منظمات المجتمع المدني المدافعة عن حقوق الطفل قد وقعت بالخطأ  بسبب إهمالها وتقصيرها حول معالجتها للانتهاك الذي يقع على الذكر، وأن هذه المنظمات انصب تركيزها واهتمامها على الإناث أكثر من الذكور، رغم أن كلاهما غير راشدين أو بالغين.

وتابعت أن الحكومة مازالت متراخية في معالجة هذا الخلل، رغم مطالبتنا المستمرة في تعديل الاستثناءات الموجودة في قانون الأحوال الشخصية الأردني الذي سمح للقاضي إبرام عقد الزواج دون سن 18عاماً.

واستغربت عاهد تناقض الحكومة التي حددت أدنى سن للمشاركة في الانتخاب او الحق في التصرف في أموال الميراث لغاية سن 18 عاماً، في حين سمحت للطفل دون 18 عاما على تكون اسرة.

جمعية معهد تضامن النساء الأردني بدورها أشارت الى أن عدد الأزواج الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً بلغوا 386 زوجا خلال عام 2014 ، علماً بأن أغلب حالات الزواج التي يكون فيها عمر الزوج أقل من18 عاماً يكون عمر الزوجة أيضاً أقل من 18 عاماً أيضاً.

 

ويعتقد منير دعيبس المدير التنفيذي للجمعية أن الزواج المبكر للفتيات بما يترتب عليه من نتائج سلبية تتعلق بالتعليم والصحة، وإهدار لإمكانياته وقدراته، ويحد من حريته في تحديد مستقبلة، داعياً الى التشدد في استخدام الاستثناءات التي تجيز الزواج المبكر للفتيات والفتيان على حد سواء.

وطالب دعيبس بمنع ووقف الزواج في حال كان كلا الزوجين او كأحدهما أقل من 18 عاماً، وتطبيق أحكام القانون عند مخالفته خاصة في حالات الزواج خارج الدوائر الرسمية (الزواج غير المسجل)، والى تطبيق الحد الأدنى لسن الزواج على سن الخطبة أيضاً لكل من الخاطب والمخطوبة وبنص صريح في قانون الأحوال الشخصية للمسلمين وقوانين الطوائف المسيحية.

في هذا الصدد تساءلت الأمينة العامة للجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة أسمى خضر بأنه كيف لقاضٍ قضاة أن يبرم عقد زواج لطفل غير بالغ وراشد، مشيرةً الى ان هذا الطفل يبقى طفلاً سواء كان بالشرع او بالقانون او بالاتفاقيات، وهوغير قادر على اختيار شريكة حياته وغير مدرك وغير ناضج لخوض تجربة الزواج ومسؤولياته.

وأضافت خضر أن الزواج تحت السن القانوني سواء كان للذكر او للأنثى كلاهما انتهاك وتعدِ على حقوقهم، وان المنضمات المدافعة عن حقوق الطفل كان تركيزهم على القاصرة أكثر من القاصر لأن الأرقام التي ترصد حول زواج القاصرات عالية جدا وأن الحالات المراجعين للجمعية هم من الاناث، مضيفتاً الى ان الانثى قابلة  للتعرض الى مشاكل صحية أكثر من الذكر.

وبينت خضر الى ان القاصر يتعرض الى معيقات وصعوبات أثناء زواجه، وانه يجبر على الدخول لسوق العمل وترك مقاعد الدراسة لتأمين المصاريف اليومية للزوجة، واحياناً قد يتعرض الى مشاكل صحفية في الانجاب.

الانفوجرافيك بالتعاون مع (انفو عربي)

رابط الأنفورجافيك (هنا)

هذا التقرير أعُد ضمن مشروع “إنسان”

أضف تعليقك