خريجات دور الرعاية: مصير مجهول وحلول قاصرة

خريجات دور الرعاية: مصير مجهول وحلول قاصرة
الرابط المختصر

فقدوا آباءهم أو أحد والديهم؛ مشاكل أسرية أدت إلى تفكك العائلة؛ مجهول نسب يعرف أمه لكنه لا يعرف أباه إو لا يعرف الإثنان. هكذا تبدأ حياتهم في دور رعاية الأيتام ينشؤون سوية، يتشاركون أفراحهم وأحزانهم ثم يبلغون سن الـ18 عاما ويغادرون لبدء حياة جديدة من المصير المجهول.

 

تتباين الصعوبات وأحيانا المستحيلات أمام هؤلاء، ليواجه كل منهم أيامه بما تحمله في جعبتها من معيقات ومشاكل، تصاحب نظرة المجتمع إليهم من سلبية، منفردا ومتكئأ فقط على عزيمته وإرادته.

 

ومن بين هؤلاء تتفاقم معاناة الإناث منهم تحديدا، أمام دولاب حياة يطحن بلا رحمة، في مجتمع ما تزال نظرته دونية تضع النساء في مرتبة أقل من أقرانهن الرجال.

 

هؤلاء الفتيات المتخرجات من دور الرعاية، لا مأوى لهن ولا ملجأ، يجدن أنفسهن فورا أمام جملة تحديات، لا تتوقف عند إيجاد مآوى أو مأكل أو ملبس، بل تمتد لتشمل العمل وحتى الزواج، ما يبقي مصيرهن في مهب الريح.

 

 

 

تصف ريما "اسم مستعار" (26 عاماً) طريقها نحو المجهول بعد الخروج من دور الرعاية بـ"النحت في الصخر". وتقول ريما بأنها خرجت أول يوم ومعها زميلتها في الدار و"لم يكن معنا المال لنأكل".

 

وتضيف "بحثنا عن منزل يأوينا لكن بلا فائدة. عدنا إلى الدور للنوم هناك لكنهم رفضوا اعادتنا للنوم داخل الدور، وفي النهاية سمحو لنا بالنوم على الأرض، وفي اليوم التالي اضطررت للعمل بمسح الأرضيات بأحد المطاعم في وسط البلد كعمل مؤقت".

 

ولريما أحلامها، كأي فتاة؛ فهي تتمنى استكمال تعليمها، لتلتحق بالجامعة "لكي أصبح ممرضة"، لكنها وجدت نفسها مضطرة إلى استئجار شقة فارغة، كانت تنام فيها "على ورق الكرتون".

 

وتتابع ريما "شيئا فشيئاَ حتى تمكنا من فرش المنزل، بفرش متواضع أنا وزميلتي التي لم يحالفها الحظ بإيجاد عمل من بداية الرحلة مثلي لكنها وجدت أخيرا وهي تعمل الان في أحد مطاعم الوجبات السريعة، أما أنا فأعمل بإحدى المدارس، وما زلت أحلم بأن أصبح ممرضة".

 

"لا احد يرضى بالزواج من فتاة مجهولة النسب"

 

يصف علاء الطيبي الناطق بإسم الأيتام في الأردن مصير الفتيات المتخرجات من دور رعاية الأيتام بالمجهول ومستقبلهم بالضائع، وايضا بـ"ميل الفتيات إلى الانحراف لما يلاقينه من ظروف معيشية صعبة".

 

ويأتي ذلك في ظل "عدم وجود برامج لتزويج الفتيات"، بحسب الطيبي الذي يقول أنه "في حال تم تزويجهن يكون زواجا لبعض العمالة الوافدة إلى الأردن"، مرجعا السبب في ذلك إلة أن "أحدا لا يرضى بالزواج من فتاة من مجهولي النسب"، بالإضافة إلى أنه "لا يوجد أي منظمة تعنى بتمكين الأيتام أو مجهولي النسب. والكثير من المنظمات تدعي ذلك لكن لا يوجد أي تطبيق فعلي على أرض الواقع".

ولمواجهة ظروفهن تسكن مجموعة كبيرة من الفتيات المتخرجات من دور الرعاية  سوية في سكن طالبات، فيما تختار بعضهن السكن داخل مكان العمل.

 

"على الـ18 الله ييسر أمرك"

ورغم تأكيده أن وزارة التنمية الاجتماعية "بدأت حديثا بتحسين خدماتها للمتخرجات من دور الرعاية"، لكن الطيبي يقول أن عدد المستفيدات "قليل جدا".

 

وفي الوقت نفسه، يصف الطيبي "أساس عمل الوزارة"، تجاه المتخرجين من دور الرعاية (ذكورا وإناثا)، بـ"التهميش". ويشرح "نحن نعيش في عذاب مع هذه الوزارة. هناك إهمال كبير. وفي سن الـ18 يقال لنا مع السلامة؛ الله ييسر أمرك".

 

"الرعاية اللاحقة تسمتر بعد التخرج"

تتعامل وزارة التنمية الاجتماعية مع أنواع متعددة من الفتيات بموجب القانون، حسب ما ذكره الناظق باسم الوزارة د.فواز الرطروط، موضحا أن الوزارة تتعامل مع ثلاثة فئات، تشمل: المحتاجات للحماية والرعاية لظروف المّت بهن وبأسرهن كأن تكون الفتاة يتيمة أو معرضة لعنف أسري أو ضحية تفكك أسري والمتخلى عنهن بما يعرف بمجهولي النسب. الفئة الثانية تكون الفتاة في خطر فيتم حمايتها، أما الثالثة فهن المتغيبات عن المنازل.

 

ويقول الرطروط "لكل من هذه الفتيات شؤونها. وترعاهن وزارة التنمية منذ سن يوم حتى سن 18 عاما. وبعد خروجهن من الدور لا نتركهن (بل) يوجد لدينا برنامج الرعاية اللاحقة ويقدم للخارجات من دور الرعاية الاجتماعية كاليتيمات والمتخلى عنهن والمساء إليهن من قبل أهلهن وضحايا التفكك الأسري".

 

ويتابع أن الوزارة "تقدم لهن خدمة المسكن التي تقدم فقط للحالات الصعبة، حيث أن ثمن المسكن يتراوح من 20 إلى 25 ألف دينار"، موضحا أن وزارة التنمية "سلمت في العام 2015 مساكن لـ29 من هؤلاء الحالات، وفي العام 2016 شملت هذه الخدمة 34 فتاة"، من دون يكشف عن العدد الإجمالي للمتخرجات من دور الرعاية.

وبالإضافة إلى المسكن، تقدم الوزارة، وفقا للرطروط، "خدمة تأثيث منزل الزوجية"، التي يقول أن "33 أنثى أي بنسبة 42% استفدن منها"، مشيرا إلى أن "كلفة المساعدة لتأثيث بيت الزوجية تتراوح بين 500 وألف دينار".

 

وأيضا، توفر الوزارة، بحسب الرطروط كذلك، "خدمة التدريب والتأهيل والتشغيل لكلا الجنسين، وبأعداد متغيرة، فمثلا مؤسسة الأميرة تغريد تخرج منها 20 فتاة العام 2016 تم تأهيلهن لسوق العمل وغيرها من المؤسسات التي تعنى بالتدريب المهني".

 

وأيضا "هناك صندوق الأمان لتشغيل الأيتام، والذي تخرج منه 55 خريجة في العام 2016، وكذلك الخريجات اللواتي يستكملن المراحل الجامعية، حيث تخرج على كلفته 6 فتيات في العام 2016، بالإضافة لدعم الوزارة بقيمة ربع مليون سنويا لهذا الصندوق"، حسب الرطروط الذي أشار إلى أن مجلس الوزراء أقر بانتفاع الخارجين من دور رعاية الأيتام بالتأمين الصحي بعد التخرج، إضافة إلى صندوق الأمان "يؤمن لبعضهن مستقبلهن التعليمي".

 

 

ويشير الناطق باسم الوزارة إلى أنها توفر "خدمات دعم مالي تقدم سنويا لكلا الجنسين، حيث استفاد منها في العام 2016 حوالي 60 شابا وفتاة مناصفةً وبلغ إجمالي المبلغ 10 آلاف دينار".

 

ويسهب د.الرطروط في الحديث عن دور الوزارة، فيقول أنها أيضا ترعى "من يكون عليها خطر من قبل أسرتها، والتي لا يتم إخلاء سبيلها بموجب أمر قضائي، إلا إذا تم تسوية الأمر مع أسرتها. وتتعامل الوزارة مع 100 حالة سنويا في هذا السياق. وواجب الوزارة حماية هذه الفتاة إلى أن تزول عنها عوامل الخطورة بتدخلات اجتماعية من قبل الاخصائيين الاجتماعيين".

 

"المطلوب تمكين الفتيات قبل بلوغ سن الـ18"

حقوقيا، "المطلوب من وزارة التنمية العمل تأمين الفتيات بفرص عمل لائقة أو بالتدريب والتمكين قبل بلوغهن سن الـ18"، وفق المحامية المختصة بحقوق الإنسان هالة عاهد، التي تعتبر أن على الوزارة أيضا "توفير منح دراسية لعدد أكبر من الفتيات ومتابعة الإشراف عليهن بعد الخروج، حتى لا تضطر الفتيات إلى العمل بأماكن غير لائقة لهن وللمجتمع"، موضحة أنه "ليس المطلوب عندما تصل (الفتاة) عمر الـ18 أن تفتح لهن الباب ومع السلامة ولا المطلوب حبسهن".

 

وتضيف المحامية عاهد أن "مصير الفتيات (حاليا) هو الشارع لأن أغلبهن سيبدأن بمواجهة صراع الحياة، والبعض منهن ستبدأ باكمال دراستها من صندوق الأمان، والتي تجد فرصة عمل ستعمل. لكن من لم يحالفها الحظ ستواجه جميع الصعوبات التي يواجهها أي إنسان لا يوجد لديه رعاية وعمل أو تأهيل".

 

وحسب قوانين وزار التنمية فإن "الوزارة غير مسؤولة عن الفتيات بعد عمر 18، إذ أن بقاء الفتيات في الدور بعد سن الـ18 يعتبر حجز حرية على اعتبار الفتيات بالغات عاقلات ويستطعن تحديد مصيرهن"، وفقا لقول عاهد.

 

وتعتبر المحامية المختصة بحقوق الإنسان أن "خروج الفتيات بعمر 18 سنة هو سن مبكرة ومعظمهن غير مؤهلات للعمل في سوق الوظائف، أي لم يتم ترتيب وظائف لهن، وجميعهن في سن 18 سنة، ولا يملكن شهادة جامعية تكنهن من الحصول على وظائف جيدة في سوق العمل".

 

وتشير عاهد إلى أنا الفتيات المتخرجات من دور الرعاية مضطرات لتحمل مصاريف السكن، كما أنهن مدفوعات للقبول بأي عمل حتى لو كان هناك هضم لحقوقهن العمالية، بالإضافة إلى القضايا التي لها علاقة بالتحرش، لأنهن لا يزلن بعمر الـ18 الذي هو سن مبكرة ولم يتوفر في أيديهن أي مهنة أو حرفة أو شهادة تمكنهن من الحصول على وظائف مناسبة.

 

أضف تعليقك