حبيسات الأزواج".. عزلٌ لا يعاقب عليه القانون"

حبيسات الأزواج".. عزلٌ لا يعاقب عليه القانون"
الرابط المختصر

صمت يخفي قصصاً وراء أبواب موصدة

 

(صابتني حالة نفسية، هو بروح عشغله ثلاث أيام وبتركني بالبيت ممنوع أشوف حدا ولا أطلع عالدكان اللي تحت البيت وقبل ما أنشر الغسيل عالسطح كنت أبعثله عشان يسمحلي)  هذا ما ترويه أحلام* عن زواجها الذي دام ستة أشهر وما زال قائماً ورقياً فقط.

أحلام إبنه ال27 عاماً التي قررت منذ تسعة أشهر الارتباط بشخص لم تكن تعرفه مسبقاً، ودامت خطبتهما 3 أشهر، لم تكن على حد قولها تعرف أنها ستنتقل من حياة الحرية لدى أهلها لحياة مُختلفة تماماً ومعزولة، "كنت مسجونة، أحياناً كنت أشعر بأنّي سأُصاب بالجنون من ملازمة المنزل وحدي،  والذهاب لأهلي أيضاً ممنوع، حتى عندما أصبحت أعمل بروضة كان يمنعني من الذهاب لمكان آخر" تتابع أحلام أنها حاولت تغيير الوضع القائم لكنها لم تستطع الصبر أكثر فطلبت الطلاق شفوياً وانتقلت للعيش مع أهلها دون وجود أبناء بينهما.

في قصّة ترويها أحلام (كنت مرّة مروحة من الشغل وما كان عندي لبن بالبيت وزوجي ما كان موجود، رنيتله أحكيله إني بدّي أشتري من الدكان اللي جنب بيتي، منعني وقلّي ما تحاولي تحطيني تحت الأمر الواقع، ما تمرّي لأي مكان، وروّحِت وما مرّيت للدكان)، وفي مكالمة غاضبة من والدها لزوجها بعد شكوكه بما يحصل لابنته أخبره أن يتوقف عن منعها من زيارتهم قائلاً (أنا بنتي طول عمرها حرّة ما بسمحلك تجننلي اياها).

عند بحثنا عمّا يُعرّف رسمياً هذه الحالة، نجد أن الإطار الوطني لحماية الأسرة يُفسر كل أمر ينتج عنه اضطراباً في السلوك العقلي أو يسبب ألماً نفسياً كالعزل عن الأهل والأصدقاء أو الحرمان التعسفي ّ للحقوق والحريات فهو يندرج تحت مظلّة العنف النفسي في الأسرة*،

بالتالي يرى مختصّون أن الضرر النفسي الذي يتعرض له الشخص يوازي الضرر المادي، لكن حسب المحامية المعنية بشؤون المرأة نهيل الزعبي: "لا يوجد ما يُعاقب الرجل على عزل الزوجة عن العالم الخارجي أو منعها من الخروج في القانون الأردني".

وتكمن المسؤولية الحقيقية للدولة الأردنية حسب اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة في اتخاذ جميع التدابير المناسبة لضمان حصول ضحايا جميع أشكال العنـف على المساعدة، وبصفة خاصة في المناطق الريفية وتزويدهم، ضمن جُملة أمور بالمـساعدة القانونية والطبية والنفسية وإعادة تأهيلهم، ما يعني الاهتمام في منع الإضرار النفسي عبر القوانين ومعالجة الآثار النفسية المترتبة عليه.

لكن الحديث عن قضايا الحبس الذي يفرضه الزوج على زوجته يتقاطع بشكل مباشر مع الثقافة المجتمعية التي تُعوّل على الزوج موضوع القوامة على زوجته، على الأقل هذا ما تظنه النساء المُعنفات الصامتات. "إن الأمر يحدث بكثرة لكن يصعب رصده بسبب قلّة الشكاوى" هذه النقطة التي أثارتها عبيدة عبده الإعلامية الناشطة في المجلس الوطني لشؤون المرأة أثناء النقاش بالأمر. الحالات القليلة التي تم التحدّث معها داخل وخارج التقرير كانت تفضل البقاء بعيداً عن الشكوى الرسمية لدائرة حماية الأسرة أو اللجنة الوطنية لشؤون المرأة نظراً لأنهن لا يردن توسعة الإشكالية.

وذلك ما جعل أحلام تطلب الطلاق شفوياً دون التحرك بدعوى قضائية رسمية إضافةً لعدم رغبتها بالتنازل عن أي حقٍ ماديٍّ لها حسب مُجريات قانون الأحوال الشخصية في طلب المرأة للطلاق، وتعتقد أن الضرر النفسي الذي أفرزته هذه العلاقة كان كبيراً عليها ما يمنعها من تقدّيم التنازلات.

"عندما تلجأ المرأة لطلب الطلاق (الشقاق والنزاع) بالتالي ستفقد شيئاً من حقوقها، والرجل غالباً ما يرفض الطلاق الغيابي حتى لا تحصل المرأة على كافة حقوقها المالية" المحامية نهيل الزعبي.

pi21c321-5

قصّة أحلام تختلف عن غيرها لاتخاذها قرار بالتوقف مبكراً، تختلف أيضاً عن قصة أُم سليم* التي عاشت مع زوجها 19 عاماً قبل طلاقها منه، كانت تعتقد أن تقييد تحركاتها  داخل وخارج المنزل هو "قضاء وقدر" كان لابد أن تتعامل معه بشكلٍ سلميّ من أجل أبنائها حسب قولها،  لذا فقد حاولت كثيراً التشبّث بهذه العلاقة إلا أن حياتها تشكّلت بطريقة مختلفة بعد طلاقها.

تزوجت أم سليم منذ عمر ال17، هي من خارج الأردن ولم ترى زوجها قبل عقد الزواج إلّا عن طريق الصورة، بعد ذلك حاولت التعايش مع عالمها الجديد، إن حياتها مع زوجها وعائلته لم تقتصر على وجود المرافقين الدائمين وتقييد حركتها؛ بل إنها كانت تُمنع من الخروج مع زوجها وحدهما نظراً لخوفه الشديد ضغوطات أهله " خرجت معه فقط مرتين لوحدنا، ولم أكن اخرج لوحدي، حتى ابنتي الكبيرة كان يمنعها الجلوس بحديقة البيت، كنت أخاف، أشعُر بأنه ولّد لدي هذا الخوف، رسم صورة مرعبة لفكرة خروجي في الأردن، أشعرني بأن شيء ما سيحدث بحال خروجي هُنا".

بالنسبة لأم سليم كانت الحياة طبيعية لاعتيادها الأمر أو على الأقل "كنت أعتقد أن النساء جميعا هنّ مثلي" كما تقول، لذا فقد امتنعت أثناء حياتها الزوجية عن النقاش والاعتراض مبرّرةً الأمر بأنها إنسانة مسالمة ولا تُحب المشاكل، ولكن ابنتها الكُبرى اعترضت الحديث ( أنا كنت دايماً أحكيلها ما تسكت عن حقها، وإمي كانت ضعيفة وما كانت عارفة حقوقها وأنا كنت أحكيلها القانون معك بس لازم نكون أقوى ).

تروي ابنة أم سليم احدى المواقف: ( مرة من المرّات طلبَت إمي منه إذن وطلعنا نجيب أكل من جنب البيت، فهو وقفلنا عالأشارة وصار يصرّخ علينا بنص الشارع، أنا بطلت أجمع ولا أعرف طُرُق، رحت لأندعس، وبعدين هو رن عأهل إمي وقال: بنتكو ما بترُد، بنتكو بتطلع بدون إذني، بس أهل إمي ما سكتوله فهو خاف واعتذر ).

قبل الطلاق الرسمي (الثاني) تزوج زوجها امرأة أخرى، بعدها طلق أم سليم لأمر تافه حسب قولها، وسافرت هي لأهلها مدّة عام ونصف، خلال هذه المدة حاول أهلها حثّها لترجع لتعليمها حتى تتعدى الأمر، لكنه ما لبث أن رأى ذلك حتى أصبح يلحّ على أخوتها بإرجاعها واعداً إياهم بأنه سيتغير. قبِلَت هي الرجوع لزوجها لأجل أبنائها بعد أن أقفل عليهم باب الخروج من المنزل سنة كاملة في غيابها، وتم الزواج بعقدٍ جديد لكنه بالمقابل كان هاجراً لها خوفاً من معرفة زوجته الثانية بأنه أرجعها على ذمته، "ولم يتغير شي بمعاملته لنا ولا ليوم واحد" حسب روايتها.

غاب زوج أُم سليم عن منزلها ستة أشهر ورفع بضغط ممن حوله قضية طلاق "شقاق ونزاع" وكان أهله شهود في المحكمة الشرعية بادعاء التقصير من الزوجه، لكنها أخبرت القاضي بعدم حدوث أي خلاف بينهما وأنه بالأصل كان هاجراً لها منذ مدّة طويلة، وبالتالي رفض القاضي الشرعي قضية الزوج لتقديره عدم صدق الشهادات المُقدمة من قِبل الزوج، فاضطر اللجوء للطلاق التعسفي.

من حظ أم سليم أنها حصلت على حقها المتأخر بالنفقة ومهرها الكامل قانونياً بعد الطلاق التعسفي، لكن أحلام واحدة من الحالات التي لازالت تنتظر حصول هذا الأمر، وغيرهن يتنازلن عن كل شيء اضطرارياً للحصول على الحرية.  ولكن يذهب بعض الحقوقيين لما هو أبعد من ذلك، حيث يرون أن هؤلاء النساء هنّ متضررات من هذه العلاقة الزوجيةً، لذا فإن المجرى الذي يتخذه القانون ليس كافياً، الحقوقية نهيل الزعبي تقول: "إن القانون الأردني لا ينصف المرأة التي تعرضت للضرر بشكل نفسي، ولا يعوّض النساء اللواتي أُجبرن على اتخاذ الطلاق وسيلة لإيقاف الأذى الذي لحق بهنّ" وتركز بهذه النقطة على أن السيدة التي تطالب بالطلاق بعد عزل زوجها لها ينبغي أن تحصل على تعويض الضرر المعنوي الذي لحق بها جرّاء هذه العلاقة.

طلاق أم سليم تم رسمياً قبل ثلاث سنوات، تقول: "عندما أفكر الآن بالماضي أستغرب كيف كنت أتنازل! أستغرب كيف عشت بسجن وأنا لا أعلم، الآن نفسياً أنا مرتاحة وواثقة بنفسي أكتر، في الماضي كان ظاهراً علي الكِبر، لكن الآن حتى وجهي تغيّر"، هي تشعر الآن بإمكانية تطوير ذاتها وتتمنى أن يرجع الزمن فيها للوراء لإكمال دراستها، قالت ذلك وصمتت قليلاً فتابعت أنها تودّ ذلك للآن! أن تُكمل دراستها أو تأخذ لغة وأحياناً تفكر بتعلم مهنة ما. ( هلأ أنا غير، ما بخاف من حدا لإني صرت واثقة من حال ).

حسب أم سليم وابنتها فقد أثّرت معاملة الزوج على العائلة كُلها بشكل نفسي كبير، لكنّ النتيجة والانعطافات الهائلة في حياتهم وحصولهم على الحرية كانت تستحق النتيجة كما أجمعتا "الحل من البداية كان بكلمة لأ".

*الأسماء مستعارة

تصميم الانفورجرافيك من خلال (انفو عربي)

 

أضف تعليقك