تيلرسون يزور الشرق الأوسط..لماذا؟

تيلرسون يزور الشرق الأوسط..لماذا؟
الرابط المختصر

يتوجّه وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون إلى مصر والكويت والأردن ولبنان وتركيا الأسبوع المقبل، في جولةٍ يركّز من خلالها على بسط الاستقرار وجهود إعادة الإعمار بعد إلحاق الهزيمة ميدانياً بما يُسمّى تنظيم "الدولة الإسلامية"، وفق ما قاله مسؤولون وديبلوماسيون أميركيون لموقع "المونيتور".

 

لكن فيما تحاول الولايات المتحدة وشركاؤها في التحالف ترسيخ المكاسب التي تحققت في ساحة المعركة عبر اجتثاث "الخلافة" التي أنشأتها الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، يحذّر ديبلوماسيون أميركيون سابقون وخبراء أميركيون من أن غموض الأهداف التي تسعى واشنطن إلى تحقيقها في سوريا في مرحلة ما بعد "الدولة الإسلامية"، قد يُطارد صنّاع القرارات ويقضّ مضجعهم. ويعربون عن توجّسهم من الكلام الصادر عن إدارة ترامب والذي أبدت فيه نيّتها الاحتفاظ بنحو ألفَي جندي أميركي في شرق سوريا بانتظار أن تحقّق أهدافها السياسية الواسعة في ذلك البلد. وتشتمل تلك الأهداف، كما عرضها تيلرسون في كلمة ألقاها الشهر الفائت، على الحؤول دون عودة تنظيم "الدولة الإسلامية"، إنما أيضاً التصدّي للوجود الإيراني في سوريا، وردع التهديد الإيراني لحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، وإفساح المجال أمام عودة اللاجئين، والدفع باتجاه التوصل إلى تسوية سياسية لمرحلة ما بعد الحرب في سوريا من مقوّماتها رحيل بشار الأسد.

 

 

لقد حذّر السفير الأميركي السابق لدى سوريا، روبرت فورد، من أن وجود قوات أميركية في شرق سوريا لا يمنح واشنطن نفوذاً كافياً بما يُتيح لها أن تفرض، بصورة مجدية، التسوية السياسية في غرب سوريا الخاضع لسيطرة الأسد، حيث يعيش معظم السكان. واعتبر أنه، في غضون ذلك، يمكن أن يتحول الجنود والمسؤلوون المدنيون الأميركيون الذين يعملون على بسط الاستقرار في شرق سوريا، إلى أهدافٍ لأعمال عنفٍ غايتها الدفع باتجاه ظهور معارضة سياسية في الداخل الأميركي تُبدي احتجاجها على بقائهم في سوريا.

 

 

أضاف فورد، وهو حالياً زميل بحثي في "معهد الشرق الأوسط"، في مقابلة مع موقع "المونيتور" اليوم: "بوجود بعثة عسكرية غير محدّدة المعالم كما يجب، ولا تحظى بدعم الشعب الأميركي... لا أدري ما هو مستوى التقبُّل في حال سقوط ضحايا في صفوفها. ولن يكون لدى إدارة ترامب ما تُقدّمه دفاعاً عن قرارها. عندئذٍ ستبدأ الضغوط من أجل الانسحاب".

 

 

تابع فورد: "المفهوم الأميركي القائل بأنه يمكننا الانخراط في تحرّك ديبلوماسي من أجل وضع حد للحرب يجب أن يأخذ في الاعتبار بأنه في حالة الحرب، العمليات العسكرية عاملٌ حاسم في النفوذ الديبلوماسي"، مضيفاً: "إذا كنت تريد التأثير في الحرب الأهلية الأوسع نطاقاً، مسرح العمليات الأساسي هو غرب سوريا، حيث يتركّز السكان. الأميركيون موجودون في شرق سوريا. ولذلك هم لا يتمتعون بتأثير في الديبلوماسية من أجل إنهاء الحرب الأوسع نطاقاً".

 

 

 

بعد محطته الأولى في القاهرة، سوف يحضر تيلرسون مؤتمرَين في الكويت في 12 و14 شباط/فبراير الجاري: مؤتمر الكويت الدولي لإعادة إعمار العراق، والاجتماع الوزاري للتحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، وفق ما أعلن السفير الأميركي لدى الكويت، لورنس سيلفرمان.

 

 

وقد صرّح سيلفرمان في مؤتمر صحافي يوم الاثنين المنصرم: "لقد انتصرنا في الجزء الأكبر من المجهود العسكري ضد داعش، عبر تحرير الأراضي العراقية والسورية بكاملها تقريباً، إنما يجب أن نفوز في المعركة ما بعد العسكرية من أجل إلحاق هزيمة دائمة بداعش والقاعدة"، مستخدماً في كلامه التسمية المختصرة باللغة العربية للإشارة إلى تنظيم "الدولة الإسلامية".

 

 

أضاف: "أعتقد أننا نقف عند منعطف يشكّل محطة أساسية من أجل تثبيت المكاسب، والتأكّد من إلحاق الهزيمة بداعش والقاعدة، وإعادة الحياة إلى طبيعتها".

 

 

بعد الكويت، يتوجّه تيلرسون إلى الأردن، حيث من المرتقب أن يوقّع مذكرة تفاهم ممتدة على خمس سنوات لتقديم المساعدات الأميركية إلى الأردن، بحسب الكاتب في موقع "المونيتور"، داود كتاب. يُشار في هذا السياق إلى أن لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي أقرّت، يوم الاثنين، قانون تمديد التعاون الدفاعي الأميركي-الأردني. وقد أشارت راعية مشروع القانون، النائبة الجمهورية عن ولاية فلوريدا، إليانا روس-ليتينين، إلى أن الهدف من القانون هو "دفع القطاع الخاص في المملكة إلى الأمام، وكذلك مساعدة اقتصادنا"، وفق ما أورد بريانت هاريس، الكاتب في موقع "المونيتور".

 

 

ثم يُعرّج تيلرسون على العاصمة اللبنانية، بيروت، في 15 شباط/فبراير، في زيارة تستمر يوماً واحداً. إشارة إلى أن مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد ساترفيلد، موجود في لبنان من أجل التحضير للزيارة، وفق ما كتبت جويس كرم في مجلة "ذي ناشونال".

 

 

ومن بعدها، يتوجّه تيلرسون إلى تركيا، في إطار مسعى يبذله المسؤولون الأميركيون والأتراك لمعالجة الخلافات المتعددة، لا سيما على خلفية التوغّل العسكري التركي الأخير ضد "قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة من الولايات المتحدة في عفرين في سوريا، والتهديد التركي بالسيطرة على منبج.

 

 

في حين يحضر تيلرسون الاجتماع الوزاري الذي يعقده التحالف ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" في الكويت الأسبوع المقبل، من المرتقب أن يلتقي وزراء دفاع الدول المنتمية إلى التحالف في روما زهاء 14 شباط/فبراير. ثم تستضيف واشنطن اجتماعاً لكبار المسؤولين عن إنفاذ القوانين في التحالف في 27-28 شباط/فبراير الجاري.

تأتي جولة تيلرسون في وقتٍ يقول فورد وسواه من الخبراء المتخصصين في الشؤون السورية، إنه على الولايات المتحدة أن تعمد إلى خفض سقف أهدافها في سوريا، وتفعيل مصالحها، وإلا تواجه خطر التعرض لانتكاسة شديدة.

 

 

وفي هذا الصدد، علّق فورد: "هذه هي نظرتي إلى المسألة، انطلاقاً من خبرتي في العمل في أماكن مثل العراق وسوريا والجزائر خلال الحرب الأهلية في التسعينيات"، مضيفاً: "عندما تنشر جنوداً في مكان ما، وترسل مدنيين من وزارة الخارجية والوكالة الأميركية لتنمية الدولية، سوف يلاحظ الأشرار وجودهم، وسيتحوّل هؤلاء العسكريون والمدنيون في نهاية المطاف إلى أهداف".

 

 

تابع فورد: "يمكنك أن تتخذ إجراءات جيدة لحماية هذه القوة... لكنهم سيصبحون أهدافاً في نهاية المطاف، وعندما يبدأ سقوط الضحايا، سوف يُطرَح السؤال، حتّامَ ستبقون هناك؟"

 

 

يقول فورد إنه بعد تفجير ثكنة المارينز في بيروت في العام 1982، أصدر رونالد ريغان أمراً بالانسحاب الفوري للقوات الأميركية من هناك. وبعدما أدلى فورد بإفادته حول سوريا أمام إحدى اللجان الفرعية التابعة للجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي يوم الثلاثاء، أعرب عن غضبه الشديد لأن الكونغرس يطرح، على ما يبدو، الأسئلة نفسها التي كان يطرحها في العام 2011 عن الأوضاع في سوريا، ولأنه لا يزال غير مدرك لحجم التغيير الذي شهدته الأوضاع على الأرض بدفعٍ من المكاسب العسكرية التي صبّت في مصلحة الأسد. كذلك وصف فورد عملية جنيف التي تتم برعاية الأمم المتحدة بـ"الميتة".

 

 

تحاول إدارة ترامب استخدام وجودها العسكري الراهن في شرق سوريا وسيطرتها على حقول نفطية حيوية في البلاد من أجل تعزيز موقعها في المساعدة على الدفع باتجاه تسوية سياسية في سوريا، كما جاء على لسان المحلل العسكري نيكولاس هيراس.

 

 

قال هيراس، من "المركز من أجل أمن أميركي جديد"، لموقع "المونيتور" في مقابلة معه اليوم: "نظرتي إلى استراتيجية ترامب في سوريا... [و] ما حاولوا تحقيقه من خلال خطاب تيلرسون، هي أنهم يضعون رؤية كبيرة ويُحدّدون شكل الدولة النهائية التي يسعون إليها".

 

 

أضاف: "ما نراه الآن من موقف أميركي في سوريا مرتبط فعلياً بمرحلة الاستقرار المؤقتة؛ الهدف هو استخدام الوجود الأميركي من موقعه الحالي كوسيلة لإظهار تصميم الولايات المتحدة والتزامها في ملف النزاع السوري، وكذلك توجيه رسالة أوسع نطاقاً إلى تحالف الأسد، لا سيما إيران وروسيا، بأن الولايات المتحدة منخرطة في سوريا. تدرك الولايات المتحدة أن مستقبل سوريا يعنيها ويؤثّر في مصالحها، وأنه يجب أن يكون لها دورٌ في رسم معالمه".

 

 

في حين أبدى معظم المحللين قلقهم مما بدا أنها تعريفات مبهَمة للأهداف الأميركية في سوريا، بما في ذلك ما هو المقصود من تقليص الوجود الإيراني هناك، أشار هيراس إلى أن هذا الغموض متعمّد.

 

وقال في هذا الإطار: "أعتقد أن فريق ترامب يتعمّد، في هذه المرحلة، أن يكون مبهماً في ما يتعلّق بـ[المقصود من الكلام عن] ’تقليص الوجود الإيراني‘ لأنه يريد الحفاظ على المرونة العملانية".

 

أما في ما يختص بالانتخابات الرئاسية المقبلة في الولايات المتحدة في العام 2020، فقد وافق هيراس على أن التطورات على الأرض ستحدّد إذا كان الداخل الأميركي سيشهد معارضة سياسية متزايدة للوجود الأميركي في سوريا. لكنه لفت في المقابل، إلى أنه إذا لم يُسجَّل سقوط عدد كبير من الضحايا، فقد يتناسى الأميركيون إلى حد كبير الوجود الأميركي في سوريا: "في هذه الحالة، تستطيع إدارة ترامب أن تُبقي على وجود صغير هناك إلى ما لا نهاية".

 

لكن فورد اعتبر أن استخدام الجنود الأميركيين في شرق سوريا لإثبات "العزيمة" الأميركية لن ينجح في تحقيق الغاية المنشودة. ولفت إلى أن التهديدات الأميركية والغربية بحجب المساعدات المخصّصة لإعادة الإعمار عن المناطق السورية الخاضعة لسيطرة الأسد لن تدفع، على الأرجح، هذا الأخير إلى تقديم تنازلات سياسية ذات مغزى.

 

أضاف: "لم يقدّم الأسد أي تنازل جوهري منذ سبع سنوات، بما في ذلك إلى الأكراد. لدى الإيرانيين والروس مصلحة وطنية حيوية في الحرص على عدم انهيار الحكومة السورية اقتصادياً. لقد رأيتهم يُقدّمون، مراراً وتكراراً، ليس بطيبة خطر إنما مراراً وتكراراً، القروض والمساعدات السلعية. والأسد يدرك ذلك".

*المونتيور

أضف تعليقك