تمثيل المرأة في النواب: عقبات متجذرة.. وتقدم رغم الصعوبات

تمثيل المرأة في النواب: عقبات متجذرة.. وتقدم رغم الصعوبات
الرابط المختصر

 كالعادة بدأت يومها بقهوة الصباح وقرأت أنه موعد إعلان أسماء المرشحين ، بدأت بشغف تبحث عن مرشح يمثلها ويمثل جيل الشباب بشكل عام، تفاجأت بالشح في نوعية المرشحين والتي تكمن بعدد كبير من الذكور يفوق عدد الاناث.

 

لم تكن تنوي الترشح لكنها لم تجد من يمثلها فقررت ترشيح نفسها للبرلمان. هذا كان دافع رند عواد عند قرارها الترشح لمجلس النواب الثامن عشر في الأردن، حيث باشرت بالتجهيز لحملتها الانتخابية فالمدة شهر واحد فقط، أسرعت في تجهيز وجمع ما يلزمها للترشح لكن سرعان ما باءت المحاولة الأولى بالفشل.

 

تعزو رند سبب عدم نجاحها في الانتخابات النيابية إلى صعوبة التواصل مع الناخبين، بالإضافة إلى عدم اقتناع شريحة واسعة من المجتمع، بأن تمثلهم إمرأة، فضلا عن القاعدة العشائرية التي تنتخب الأقراباء فقط، وكذلك المبالغ "الخيالية" التي صرفت على الحملات الانتخابية بشكل عام، والتي من الصعب أن تجاريها إمرأة وفقدان الثقة عند الناس.

 

"كوني إمرأة وأم كانت تجربة شبه مستحيلة"

 

تصف رند تجربتها بـ"الصعبة" كونها إمرأة وأم وعاملة، فقد كان تحديا، خصوصا مع وجود أطفال أصغرهم رضيع بعمر 4 أشهر، عند إعلانها نية الترشح لأول مرة؛ فـ"المرأة في المجتمعات الشرقية تحتاج إلى دعم وتمكين أكثر من المساواة، وهذه الأسباب تمنع الكثير من السيدات من خوض مثل هذه التجارب".

 

"سعيدة بحصد 2077 صوتا وأشعر بأنه إنجاز عظيم"

تضيف رند "لم أشعر أن كوني إمرأة كان سببا بحرماني من الفرص على أي صعيد، سواء إن كان في العمل أو في المجتمع أو في الانتخابات؛ فأنا أرى نفسي مكافأة للرجل وكسبت أنني أوصلت رسالة، وكسرت النمط فلقد دخلت بدون قاعدة جماهرية، وسعيدة بحصد 2077 صوتا، بالنسبة لي هذا يعتبر إنجازا عظيما لأنه دائما يوجد خوف عند الناخبين من انتخاب مرشح جديد، كما ساعدتني منصة مواقع التواصل الاجتماعي بالتأثير بعدد كبير من الناخبين".

 

"العرف الاجتماعي يعيق وصول المرأة للبرلمان"

 

يرى د.خالد كلالدة رئيس الهيئة المستقلة للانتخاب أن أبرز الصعوبات التي تعترض طريق المرأة للوصول إلى قبة البرلمان هي "العلاقات الاجتماعية المحدودة للمرأة؛ فالعرف الاجتماعي السائد: التزام المرأة للبيت، وبالتالي تنشأ علاقات محدودة لدى السيدات، والعلاقات الاجتماعية هي البنك الأساسي في أي عملية تصويت".

 

ويضيف أن "حركة الرجل بشكل عام في المجتمعات الشرقية أسهل من حركة المرأة، وبالتالي يسهل على الرجل الوصول إلى ناخبين أكثر. كما أن الرجل يستطيع التأخر عن المنزل ويستطيع الذهاب إلى جميع المناطق البعيدة، لكن المرأة لا تستطيع التحرك ببساطة نتيجة الثقافة المجتمعية".+

 

"المرأة ذاتها لا تصوت للمرأة"

أحيانا تكون "المرأة عدوة المرأة"، وفق الكلالدة الذي يقول "عادةَ المرأة لا تصوت للمرأة، فإذا نظرنا لنسب الاقتراع سوف نجد نسب تصويت المرأة للرجل تصل إلى النصف وأكثر من النصف، أما نسبة ضئيلة من السيدات يصوتن للمرأة".

 

ويضيف الكلالدة إلى جملة الأسباب التي تعيق وصول المرأة للبرلمان، إمكانياتها المادية "المحدودة؛ فالحملات الانتخابية مكلفة كثيرا، واعتماد المرأة على وجود مقعد الكوتا؛ فينحصر التنافس في هذا المحور عوضا عن الطموح إلى الحصول على مقعد عادي، وبالتالي يعملن لكن بتعب أقل".          

                                                            

زيادة عدد النساء  في البرلمان قضية تدريجية

أما عن عدد السيدات في الكوتا، فيرى الكلالدة أن المسألة "تدريجية كون المجتمع في الأردن لا يزال مجتمعا شرقيا. البرلمان السابق كان يضم 3 سيدات من خارج الكوتا من أصل 150 نائبا، إما مجلس النواب الحالي فيضم 5 سيدات من أصل 130، وهذا دليل على أن المجتمع بدأ يتقبل المرأة وينظر لها بأنها مكافأة الرجل".

 

ولا يعتقد الدكتورالكلالدة أن وجود 20 سيدة أمام 110 رجال في البرلمان "انتهاك لحق العدالة الاجتماعية؛ فهذه القضية لا نستطيع أن نقارنها مع المجتمعات المتطورة والديموقراطية منذ مئات السنين، أغلب النساء العاملات (في مجتمعنا) يعملن في قطاعي التربية والتعليم والصحة لأن ساعات الدوام أقل والتقاعد بسن مبكر، وطبيعة العمل تواءم المرأة الشرقية، لأن أغلب السيدات الشرقيات يحملن همً بيوتهن الذي لا يشاركهن به الرجل في المنزل، والذي يأخذ جزء كبيرا من وقتها ومن جهدها ".

 

وفي النهاية يرى الكلالدة أن مسألة زيادة عدد سيدات النواب في الأردن "تعود أولا وآخرا إلى (الوعي المجتمعي)، كما أن هناك مسألة وقت، ولا بد أن تكون التشريعات صديقة للمرأة".

 

ذكورية المجتمع تعيق وصول المرأة لأي منصب عام

 

يقول محمد الحسيني، مدير مركز هوية، أن أكبر التحديات التي تعترض طريق المرأة هي "الطبيعة العشائرية للمجتمع، والتي طبيعتها طبيعة ذكورية، التي تعد بحد ذاتها عائق أمام وصول المرأة لأي منصب عام وليس فقط للبرلمان، والبتالي المرأة لا تجد الدعم من المجتمع".

 

وإلى معيقات وصول المرأة للبرلمان، يضيف الحسيني "العائق المادي في الانتخابات لن يكون سهلا ولن تستطيع أن تنافس الرجل في المجال المالي، وأيضا الفهم المغلوط لفكرة الكوتا النسائية، حيث أن المجتمع لا يرى الكوتا باعتبارها حدا أدنى لوجود المرأة في المجلس، ويرى أن وجود النساء في المجلس يجب أن يكون محصورا في هذه الكوتا".

ويضيف كذلك أن تواجد المرأة في المنظمات وفي الحياة العامة؛ كالنقابات والأحزاب "ضعيف و بالتالي هذا لا يؤهلها أن تقدم صورتها كمرشحة قادرة على الوصول إلى مجلس النواب،  وعدم تواجد المرأة في الأماكن التي تقدم خدمات للمجتمع وبالتالي يصعب على المرأة أن تحوز على ثقة الناس بسبب عدم تقديم هذه الخدمات".

 

(معدل النساء في البرلمان حول العالم 30 في المئة، بينما في الاردن 10 في المئة، أي أقل بالثلثين. عدد المقاعد 15 من أصل 130)

ويعتبر الحسيني أن احتساب نسب الكوتا "لم يكن منطقيا"، والسبب أنه في كل الدوائر خصص مقعد للمرأة على الدائرة، باستثناء عمان وإربد و الزرقاء فقد أعطي المقعد على المحافظة وليس على الدائرة، ما قلل زيادة عدد المقاعد المخصصة للكوتا. (يوجد في مدينة عمّان 5 دوائر لو أعطي لكل دائرة مقعد سيكون هناك 5 مقاعد للكوتا بينما اعطي مقعد واحد).

ويقول "لو خصص لكل دائرة انتخابية مقعد كوتا نسائية، لسوف يوجد لدينا عدد أكبر من المقاعد وسوف تكون النسبة أعلى وأكثر منطقية".

 

"ليس أهلي بل بعض عشيرتي عارضوني"

 

النائب في البرلمان وفاء بني مصطفى تقول عن تجربتها لأول مرة عام 2010 في خوض معركة الترشح أن صغر سنها "وقف عائقا"، بالإضافة إلى "حداثة التجربة السياسية بالنسبة لها في المرة الأولى، كما أنها لم تكن تملك رصيدا سياسيا، وأيضا التحديات المالية، بما أن  رجال الأعمال والوجهاء غالبا يسيطرون على مجلس النواب في الأردن".

كورية يعانون بصورة اكبر و ليس من السهل ان يفرضوا انفسهمي يقودها مركزر

وبحسب بني مصطفى، كالعادة وقفت "عدم قناعة فئة" من المجتمع بترشح النساء عائقا أمامها، لكن إصرارها وعزمها ساعداها على النجاح.

وتضيف "لم يعارضني أهلي  وزوجي بل قدموا لي الدعم الكافي لأكمل بإصرار، ولكن عارضني البعض من عشيرتي. والآن اصبح المعارضون محايدون".

 

"صوت المرأة يغيب باختيارها"

لا تنكر النائب بني مصطفى أن النساء "يحاربن داخل البرلمان رغم من كفاءتهن، ولأن هناك ذكورية داخل المجالس النيابية، فإن النساء يعانين بصورة أكبر للوصول إلى المواقع القيادية وليس من السهل أن يفرضن انفسهن لأنه غالبا ما تسيطر الذكورية، وحالة أن على النساء الاكتفاء بالصفوف الثانية ولا يكون صوت المرأة غائبا إلا إذا اختارت أن تغيب صوتها، أو أن تقبل كونها رقم إضافي في البرلمان"، ومع ذلك فإن هناك داعمين للمرأة وحريصين على وجودها، و"هؤلاء يشكلون نصرة لنا، فهم يتعاملون مع المرأة على أساس الكفاءة".

 

"لا اخترقات قيادية للمرأة في الأردن"

 

تصل نسبة السيدات في البرلمان الأردني إلى 15.8 أي 20 سيدة من بين 130 نائبا، وهذه النسبة هي الخامسة عربيا. وتعتبر بني مصطفى أن نجاح 20 سيدة أدى إلى تعيين 10 سيدات في مجلس الأعيان، وهذا يعني تقدما ايجابيا لمستوى المرأة في الأردن، وعدا عن ذلك لم تشهد المرأة في الأردن حتى يومنا هذا اختراقات في المواقع القيادية مثل رئاسة البرلمان رئاسة الوزراء".

 

وفي النهاية تصف وفاء بفخر تجربتها بـ"الناجحة" ذلك أنها فازت 3 مرات متتالية؛ الأولى عبر مقعد الكوتا، والثانية عبر مقعد تنافس، والأخيرة بنظام القوائم عن طريق الكوتا النسائية.

 

"إنصاف المرأة يتطلب تساوي التمثيل"

تؤكد رئيسة جمعية معهد تضامن النساء الأردني اسمى خضر أن عدد السيدات اللواتي يمثلن المرأة في البرلمان "غير منصف، ولن يكون منصفا إلا حين يتساوى تمثيل الرجال والنساء مع نسبتهم العددية في المجتمع".

وتشير إلى أنه "كلما زاد عدد النساء كل ما زاد اهتمامهن بقضايا المرأة، وأصبح المجتمع أكثر جرأة بتناول مثل هذه القضايا. مثلا عندما أصبح عدد النساء 18 سيدة أنشأن ملتقى النساء البرلمانيات وملتقى البرلمانيات العربيات لمناهضة العنف ضد المرأة، بالإضافة إلى لجنة المرأة والأسرة في مجلس النواب ومجلس الأعيان، وهذا لم يكن متصورا قبل وجود عدد معقول من النساء في البرلمان".

 

ورغم إشارتها إلى أن "تمثيل 20 سيدة في البرلمان يؤثر ايجابيا"، لكن خضر تعتبر أن ذلك التأثير "غير كامل بل جزئي"، موضحة أن "الكوتا تكسر الحواجز أمام المرأة وتشجعها على خوض المعارك الانتخابية".

ضغط منظم من المجتمع لزيادة عدد البرلمانيات

تعديل القوانين والأنظمة لزيادة عدد الكوتا يحتاج إلى قرار سياسي الذي يحتاج بدوره إلى "ضغط منظم" من المجتمع قادر على إدراج الحاجة لزيادة هذه النسبة، خصوصا وأن السياسة المتبعة في الأردن "هي التدريجية وهي بطيئة جدا"، وفق خضر التي ترى ضرورة ألا تقل نسبة السيدات في البرلمان عن 30 في المئة".

عقلية ذكورية سائدة

اما عن تهميش المرأة داخل البرلمان، فتؤكد خضر أن الثقافة الموجودة تقليدية والعقلية الذكورية السائدة "تجد أن مكان المرأة هو البيت ومكان الرجل هو الساحة السياسية، ولم يصل المجتمع إلى مستوى إدرااك أن المرأة مواطنة ذات حقوق كاملة، وأن لها ساحات السياسة والاقتصاد مثلما لها مسؤوليات الأسرة كما الرجل الذي أيضا عليه مسؤوليات الأسرة".

وبالنسبة لمحاربة النساء داخل البرلمان، رأت خضر أنه "كلما زاد عدد النساء كلما قلت محاربتهن داخل البرلمان، في وقت يطلب منهن أداء متميزا لا يطلب نفسه من الرجال، أي بمعنى أن العين مسلطة على هفواتهن، بينما الرجال يرتكبون أضعاف هذه الهفوات لكن لا يتم تسليط الضوء عليهم".

 

"قدرات المرأة تهمش دورها النيابي"

يرى وليد حسني الصحفي المختص في مجلس النواب أن دور المرأة "مهمش في مجلس النواب، لكن ذلك لا يأتي من خلال خطة أو توجه من داخل المجلس، وإنما يعود إلى قدرات المرأة. لأن قدرات السيدات اللاتي وصلن إلى المجلس قدرات محدودة  أو ضعيفة".

أما عن أبرز الصعوبات، في رأي حسني فإن "عدم قدرة المرأة على التواصل مع وسائل الإعلام هو العائق الأهم، بالإضافة إلى عدم قدرتها على التعبير عن نفسها للعمل داخل البرلمان من خلال مناقشة القوانين والتشريعات أو من خلال عملها الرقابي. وهذا ما يجعل المرأة تبدو كعنصر مهمش أو عضو غير فاعل".

 

ويقول حسني أن "الكوتا ليست منصفة للنساء لكنها طريقة جيدة لتعبيد الطريق أمام المرأة للوصول إلى البرلمان"، معتبرا في الوقت نفسه أن المجلس الحالي الذي نجحت فيه 5 سيدات بالتنافس الحر "إنجاز عظيم".

 

"ارتفاع في عدد المرشحات للنواب"

استنادا الى التقارير الصادرة عن تحالف نزاهة لمراقبة الانتخابات، وهو أحد البرامج التي يقودها مركز الهوية، فإن عدد السيدات اللواتي ترشحن للانتخابات البرلمانية الأخيرة بلغ 252 مرشحة أي ما يعادل 20% أمام نسبة الرجال التي كانت 80%.

 

ومقارنة مع العام 2013، هنالك زيادة بـ37 سيدة، لتصل بذلك نسبة الزيادة بعدد النساء المرشحات بين انتخابات 2013 و2016 إلى 17%.

أضف تعليقك