اختارت كثير من وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونيّة عرض البيانات الصادرة عن جهات رسميّة، تباعاً، في ما يتعلق بالأحداث التي تشهدها مدينة الرمثا منذ يوم الجمعة، ما جاء على حساب التناوُل الشموليّ والمعمّق للقضية، التي كان يُنتظَر من الإعلام تناوُلها بشكل أكثر مهنيّة ومحاولة تقديم جديد للمتلقّي يتعدّى حدود نقل البيانات الرسميّة المتوفرة عبر منصّات عدّة.
وفي وقت اكتفت فيه معظم هذه الجهات الإعلاميّة بتناقُل التصريحات المتوالية تباعاً، فإنّ بعضها الآخر قد التقط بعض النقاط الفريدة، كما في الحديث عن جزئيّة الألعاب الناريّة التي جرى استخدامها، ما أخلّ بشرطيّ الشمولية والعُمق اللذين كانا متوقعان في تناوُل الإعلام للأحداث، ليقع بعضها الآخر في ما يمكن وصفه بالاستسهال من خلال تناقُل ما يجري تداوُله حتى عبر منصّات التواصل الاجتماعيّ وجعل "المصدر الأمني" المذكور في الخبر مجهولاً، من دون مبرّر كافٍ لإخفاء تصريحات أمنية يُفترض بها أن تكون مخوّلة بالتعليق، لا سيّما وأنّ التصريح لم يتجاوز حدود قول إنّ الأجهزة الأمنية تتعامل مع الأحداث الدائرة في الرمثا.
وقد وقعت مواد صحافيّة في أخطاء مهنية حين حاولت استعراض ما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي حول الأحداث، مُطلِقة عليه مصطلح "تعاطف شعبي"، فقامت بنقل تغريدات ومنشورات تنطوي على إطلاق اتهامات واصطفافات مناطقيّة، من دون التعامُل بمسؤوليّة مع فحوى هذه المشاركات التي لا بدّ للإعلام المسؤول من تناوُلها بحذر.
مواد أخرى أظهرت تناقضاً حين أوردت جزئيّة على لسان مصدر أمني يقول إنه لا بدّ من التثبتّ من المعلومة الصحيحة قبل تناقُل شيء حول الأحداث، فيما أبقت المادّة نفسها هويّة المصدر الذي أدلى بتصريح كهذا مجهولة، من دون وجود مبرّر كافٍ للإخفاء، لا سيّما وأنّ المصدر ذاته هو من نفى وفاة مواطن، ما كان يستدعي سوق تصريح واضح المعالم ومقنع لمن يتداولون، عبر منصّات التواصل الاجتماعي تحديداً، خبراً مفاده وفاة مواطن في الأحداث الدائرة.
تناقُل بيان جهة ما والاكتفاء به في متون معظم الأخبار، سواءً كان للجهات الرسميّة أم لأهالي الرمثا، أظهرَ الأمر في مرّات كثيرة كما لو كان انحيازاً لرواية طرف دون آخر، ما أظهر خللاً في مسطرة المهنيّة التي تُحتّم على الصحفيّ إحداث نوع من التوازن، من خلال عرض الآراء كلها، ولو على صعيد تذييل الخبر بأنّ هنالك "طرف آخر" كان قد أصدر بياناً انطوى على وجهة نظر مقابلة للمذكورة أعلاه.
الاصطفافات كانت الملمح الأبرز في التغطية الإعلاميّة لأحداث الرمثا، حتى وإن كانت على محمل حُسن النيّة ومحاولة الإحاطة بأيّة مستجدّات لإحراز سبوقات صحفيّة، لكن كان ظاهراً بقوّة وجود مواد تتناوَل الإصابات في صفوف قوّات الدرك، فحسب، فيما أخرى تنحاز للرواية الشعبية، لتتناقل مواد كثيرة تصريح الجهة الرسميّة هذه أو تلك فقط، بل كان هنالك مواد اكتفت فقط بعرض وجهة نظر نائب أو تيّار سياسي مثلاً في الأحداث الجارية.
السابق كله، أشار لمكمن خلل كبير في التغطية الصحفيّة لأحداث بعينها، كمثل الدائرة في الرمثا حاليّاً، وهو بشكل أساسي غياب الشموليّة والعُمق في المواد الصحافيّة، والاستسهال في تناوُل خبر ما إعلاميّاً، إما عن طريق سوق بيانات متتابعة من دون محاولة ربطها ببعضها البعض وبناء قصة صحفيّة متينة متماسكة، أو من خلال تجهيل المصادر من دون وجود مبرّر كاف، بل استسهال تناقُل ما يرِد عبر منصّات التواصل الاجتماعيّ ونسبه لمصدر أمني لم يزِد شيئاً على ما يذكره المواطن الصحافيّ الذي يتحدّث عبر "فيسبوك" عن تعامُل الأمن مع الأحداث الجارية.
وتجنّب الإعلام المحليّ مناقشة قضايا مرتبطة بأحداث الرمثا مثل المهادنة في تطبيق القانون، مستعيضاً عن ذلك بتناقل تصريحات حمّاد فحسب، لتستأثر منصّات التواصل الاجتماعي بهذا النقاش.
وقد اختارت صحف عربيّة إسقاط قضايا أخرى على الأحداث الدائرة في الرمثا، كمثل ربطها الأمر بقضيّة العلاقات مع سوريا، لكن كان ملحوظاً وجود مساحة أوسع لتحليل الأمر لديها مقارنة بوسائل إعلام أردنيّة، التي بقيت في معظمها حبيسة تناقُل البيانات الرسميّة أو إعادة تدوير ما يرِد عبر منصّات التواصل الاجتماعيّ من دون تمحيص أو إثراء للمادة الصحافيّة.