تعذيب قنديل وغياب مواجهة خطاب الكراهية
مع انشغال الشارع الأردني، نهاية الأسبوع الماضي، بحوادث السيول والفيضانات التي شهدتها مناطق مختلفة من المملكة، مرت حادثة ا، دون صخب رسمي أو إعلامي، إلا انها وجدت صداها بين أعمدة الرأي في الصحف اليومية.
ويشير الكاتب عريب الرنتاوي، إلى أن جريمة الاعتداء على قنديل، لم تحظ بالاهتمام الرسمي الذي تستحق، فالتعامل مع الجريمة جاء كما لو أنها "واقعة جنائية" بانتظار نتائج التحقيق، مع أن الواقعة بتفاصيلها، تدلل بالبرهان الملموس، أنها جريمة كراهية موصوفة وبامتياز، بصرف النظر عن هوية وأسماء الفاعلين والجناة.
ويضيف الرنتاوي "كنّا ننتظر أن تنهض الحكومة، بالحديث عن هذه الجريمة، إدانتها والتنديد بمن خطط ونفذ، وحرّض، وهذا هو الأهم"، فـ"الرجل تعرض لما تعرض إليه، على خلفية مؤتمر تم إلغاؤه، وهو يقود منظمة إقليمية، لها ما لها وعليها ما عليها".
"ما حصل في «أدغال» عين غزال، ما كان ليحدث لولا ثقافة الكراهية والتكفير والتحليل والتحريم، لولا تعاطي البعض منّا مع «المختلف» بوصفه عدواً ومارقاً وزنديقاً، لولا قيام البعض منّا بدور الوصي على عقولنا وثقافتنا وتفكيرنا وأخلاقنا وسلوكنا".
ويؤكد الكاتب أن "على الدولة بمؤسساتها المختلفة، أن تبدأ من التحريض، وأن تواصل تحقيقاتها إلى حين إلحاق القصاص العادل، بالجناة جميعا"، وأن "تقاتل دفاعاً عن تعدديتها ومدنيتها، وأن تحفظ حق الجميع في التعبير والانتظام والاجتماع والتفكير".
ويرى الكاتب "والنائب السابق"، جميل النمري، أن القصة بدأت بشكوى النائب ديما طهبوب، التي تتهم فيها القائمين على مشروع ندوة بالإساءة للذات الإلهية وازدراء الأديان! بالتزامن مع حملة باطلة ترويعية وتكفيرية على وسائل التواصل يبدو أنها أخافت وزير الداخلية فأصدر قراره بمنع الندوة.
ويرجح النمري عدم معرفة المعتدين على قنديل به إلا بهذه المناسبة، "تماما كما هو حال قاتل الشهيد المرحوم ناهض حتر الذي اعترف أنه لم يقرأ له ولا يعرف عنه إلا الاتهامات على وسائل التواصل".
فقد "كان يمكن للمعترضين على الندوة لو كانت قضيتهم محقة وعادلة، أن يلجأوا إلى القضاء والقانون الذي يجرم ازدراء الأديان والإساءة للذات الإلهية.. فقضيتهم هي استثارة الرأي العام وخلق أجواء الترهيب الفكري".
كما يستذكر الكاتب رومان حداد، حادثة إطلاق النار على المفكر حتر قبل أكثر من عامين، كـ"أول جريمة كراهية" في تاريخ الأردن السياسي، "بعد أن تعالي صخب خطاب الكراهية الموجه ضده.
"حينها تعالى خطاب الكراهية من منابر إعلامية وشخصيات تدعي احتكارها للدين وللبوابات المقدسة له، ولم تقم الحكومة بأي فعل لضبط المشهد وإيقاف سيل خطاب الكراهية، بل يمكن القول إن بعض افراد الحكومة حينها ساهموا في تأجيج خطاب الكراهية"، يقول حداد.
ويسجل الكاتب، من خلال الحادثتين، عددا من الملاحظات، أولها أن هناك من يستهدف صورة الاردن والملك عبدالله الثاني عالميا.
أما الملاحظة الثانية فهي "ما الذي يجعل الحكومات الأردنية غير جادة في مواجهة خطاب الكراهية الذي يلبس لبوساً دينياً، ويشوه الدين من باب الادعاء لنصرته، رغم أن رؤساء الوزراء والعديد من الوزراء يدعون أنهم مع الدولة المدنية".
ويتساءل حداد "ما الذي يريده من يقومون بتصدير الأزمة للداخل الأردني، وهم يدعون محاربتهم للفكر المتطرف وهم في ذات الوقت يقبضون أموالا من الخارج كي يثيروا العديد من الفتن داخل الأردن، وهم لا يستطيعون أن ينبسوا ببنت شفة ضد القمع في دول إقامتهم وترزقهم".
ويختتم الكاتب مقاله بالقول "طرفان يحاولان، كل بمعوله وماله وتمويله، الهجوم على الأردن والتأثير على الداخل الأردني، أولهم داخلي ينتمي لفكر ضلالي لا يرى في الأردن وطناً بل مجرد ساحة من ساحات تنظيمه، وثانيهم خارجي يتوسد على أبناء الأردن الذين باعوا ضمائرهم بحفنة من مال، وصاروا بنادق مأجورة ضد الأردن".
ولم يكن الكاتب باسم الطويسي، ليتصور أن تصل مجتمعاتنا إلى حد ممارسة القتل والتعذيب على أساس الفكر، متسائلا "هل نحن أمام موجة من الظلمة والتعتيم".
ويشدد الطويسي على ضرورة الاعتراف بأن "الصراعات التي شهدناها في السنوات القليلة الماضية في المجتمعات العربية، ما تزال استمرارا للصراعات التاريخية التقليدية ضمن ثنائية النخب والطبقات الحاكمة، أما الصراع الحقيقي داخل المجتمعات الذي يحرك الراكد الحقيقي فيها ويجعلها تملك مصيرها فلم يخض بعد".
فـ"الثورات الحقيقية المنتظرة ما تزال بعيدة ومؤشراتها غامضة؛ تلك الثورات العميقة التي تحرك طبقات من الخوف والجهل والعوز، وتنتقل من صراع النخب الذي استهلك أكثر من قرن على شكل صراع بين النخب والسلطات، إلى صراع حقيقي داخل القواعد الاجتماعية"، يضيف الطويسي.