تدهور صناعة الألبسة يتسبب بفقدان آلاف الخياطين لوظائفهم
طالب المرصد العمالي الأردني، التابع لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، بإعادة النظر باتفاقيات التجارة الحرة، التي وقعها الأردن مع العديد من الجهات والحكومات، بما يحمي صناعة الألبسة الوطنية، مبينا أن توقيع الاردن اتفاقيات التجارة الحرة المختلفة، أضرت بشكل كبير بالعديد من القطاعات الصناعية الأردنية ومنها قطاع صناعة الالبسة.
وبين المرصد العمالي، في بيان صحفي أصدره أمس، إن عدد مشاغل الخياطة، المتوزعة في كافة أرجاء المملكة يصل اليوم، لحوالي (2000) مشغل، تتركز ثلثها في العاصمة عمان حيث يوجد فيها حوالي (650) مشغلاً، في حين كان عدد المشاغل عام 2007 حوالي (7000) مشغل.
بالنسبة لعدد العاملين في هذا القطاع، فبعد ان كان يشّغل اكثر من (21) الف عامل عام 2007، فهو لا يشغل حاليا اكثر من (8000) عامل، وبذلك، تظهر هذه الارقام الحال المتدهور الذي وصل اليه القطاع والذي اجبر العاملين فيه على تركه والبحث عن قطاعات عمل اخرى، الامر الذي عرضهم لصعوبات عمل كبيرة تخللها انتهاكات لابسط حقوقهم العمالية.
وقال البيان الصحفي، الذي استند في معلوماته، على تقرير موسع أجراه المرصد العمالي الاردني تناول ظروف عمل الخياطين، وحمل عنوان: "تدهور صناعة الالبسة الاردنية يتسبب بفقدان آلاف الخياطين لوظائفهم" ان مجموعات التركيز والاتصالات مع العاملين في قطاع الالبسة أظهرت ان الخياطين الاردنيين العاملين حاليا في المشاغل المحلية لا يزيد عددهم عن (25%) في حين يسيطر العمال المهاجرين، واغلبهم من الجنسية البنغالية ممن لا يحملون تصاريح عمل، وتركوا أعمالهم في مصانع المدن الصناعية المؤهلة، على فرص العمل في قطاع الخياطة، حيث يفضل اصحاب المشاغل تشغيلهم لقبولهم بظروف عمل متدنية، يقبلونها مضطرين، في حين لا يستطيع العامل الاردني قبولها كونها لا توفر له ابسط احتياجاته الاساسية.
بالنسبة للاناث في قطاع الالبسة المحلي، فانهن يشكلن ما يقرب (20)% من اجمالي حجم العمال وينحصر عملهن عادة في اعمال "التشطيب" للقطعة، وتشير مقابلات العمال الى انه يوجد قاصرين وقاصرات يعملون في هذا المجال تتراوح اعمارهم ما بين 12- 15 عاما، وتشكل نسبتهم حوالي 5%.
وطالب المرصد بتسريع عملية تحويل المنشآت العاملة في الاقتصاد غير المنظم الى الاقتصاد المنظم، عملا بالاطار الوطني الذي تم اقراره رسميا بالتعاون مع منظمة العمل الدولية والشركاء المحليين من أصحاب اعمال ونقابات عمالية بما يضمن شروط عمل لائق لكافة العاملين في الاقتصاد غير المنظم وعلى وجه الخصوص العاملين في صناعة الألبسة.
وتطرق تقرير المرصد الموسع لسرد ظروف عمل الخياطين، حيث أفاد الخياطون، ان الخياط يبقى في مهنته عشرات السنين ولا يتغير أجره، ويتساوى الخياط ذو الخبرة مع الخياط القديم، مبينين ان اجرة انتاج قطعة ملابس يتقاضون عليها من 60 قرشاً الى دينار، حسب صعوبة انتاجها، ولافتين الى انه في السابق كان حجم العمل كبير جدا وكان الخياط يحصل يوميا من 25 دينارا الى 35 دينارا، نتيجة وجود اقبال على تفصيل الملابس، لكن مع بداية اغراق السوق بالملابس التركية والصينية تدهور حالهم واغلب المشاغل تم اغلاقها.
الخياطون لفتوا ان العمل في الخياطة عمل موسمي، حيث يعملون في فترات معينة فقط، مثل قبل موسم الأعياد وبداية موسمي الشتاء والصيف، وفي السابق كانوا يستطيعون تأمين المال حتى وان عملوا لاشهر قليلة خلال العام، لكن الان العمل شبه معدوم، وبذلك حتى في فترة المواسم لا يستطيعون توفير مبلغ مالي قليل.
ورغم ان تعديلات قانوني العمل والضمان الاجتماعي تلزم المنشآت الصغيرة، حتى التي يعمل فيها عامل واحد، على تسجيله في الضمان الاجتماعي واعطائه حقوقه العمالية من اجازات سنوية ومرضية، وان يعمل ثمان ساعات يوميا وان تحسب الساعات الإضافية بأجر يعادل 150% من اجره المعتاد، الا ان غالبية الخياطين اكدوا انهم غير مشمولين في الضمان الاجتماعي، مع التأكيد ان عدم تسجيل المشاغل لعمالها يعتبر مخالفا لأحكام قانون الضمان الاجتماعي مما يضطر المؤسسة لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقه بما في ذلك تقدير المبالغ (الأجور الشهرية للعمال) وفرض الغرامات والمبالغ الإضافية المترتبة عليها بموجب أحكام قانون الضمان.
العدد القليل من الخياطين، المشمولين في الضمان الاجتماعي قالوا ان صاحب العمل يجبرهم على ان يسجلوا في الضمان في الحد الادنى للاجور البالغ (220) دينارا، بحيث يتم اجبارهم على توقيع مخالصة اسبوعيا تؤكد انهم يتقاضون اجرا يصل مجموعه (220) ديناراً شهريا، في حين ان اجورهم الشهرية بحال جمعها تزيد عن ذلك.
فيما يخص توفر شروط السلامة والصحة المهنية، لفت البيان الصحفي الى انه نظرا لتعامل الخياطين مع الات ثقيلة، ومقصّات ومكوى وغيرها من المعدات، فضلا عن احتمالية وقوع حرائق قد تكون كبيرة لسرعة احتراق الاقمشة، يحتاج العاملون في المشاغل لتوفير شروط السلامة والصحة المهنية، لكنهم يؤكدون ان سلامة العامل هي مسؤوليته فقط دون صاحب العمل، حيث لا يتعرف صاحب العمل، في اغلب الحالات، على العامل بحال تعرضه للاصابة، وحتى وان احتاج لدخول مستشفى او توفير علاج فإن العامل يتكفل بذلك، وبحال اضطرته اصابته لملازمة البيت لفترة فانها تكون على حسابه.
ودعا البيان الى تفعيل اجراءات تنظيم سوق العمالة المهاجرة لمنع انتقال العمال المهاجرين من قطاع لآخر حماية لمصالح العمال الاردنيين، مبينا انه مع بدء تأسيس المناطق الصناعية المؤهلة، والتي تعمل 97% من مصانعها في مجال الغزل والنسيج، لجأ اصحابها الى استقدام العمالة الاجنبية للعمل فيها نظرا لان تكلفة تشغيلهم اقل من تكلفة تشغيل العامل الاردني، وبذلك يهيمن العمال المهاجرين على العمل في المناطق الصناعية المؤهلة.
ورغم المحاولات الحكومية لتشجيع الأردنيين للعمل في المصانع إلا أن تقارير وزارة العمل الخاصة برصد عدد العمال في المناطق الصناعية المؤهلة تثبت أن النسب للعمالة الأردنية تتراوح ما بين 19% إلى 23%، ما يشير إلى انخفاض الاقبال الأردني على العمل في المصانع.
وعزا البيان أسباب ذلك لعدم توفر شروط عمل لائق في هذه المصانع، ما يجعل إقبال الأردنيين على العمل فيها منخفضاً، حيث أن أغلب المصانع لا يتجاوز الأجر الشهري فيها الــ (220) دينارا، فضلاً عن طول ساعات العمل واجبار العمال على العمل أيام العطل والاجازات الأسبوعية، وعدم إعطائهم البدل المناسب لقاء العمل الاضافي، فضلا عن سوء المعاملة التي يلقاها العمال في بعض المصانع، ناهيك عن عدم توفر شروط الصحة والسلامة المهنية.
ومع شبه انعدام فرص الخياطين الاردنيين من العمل في المناطق الصناعية المؤهلة، يعاني الخياطين من ازمة كبيرة جدا تتمثل في تسرب العمال المهاجرين، واغلبهم من الجنسية البنغالية، من المصانع وعملهم في المشاغل الاردنية واغلبهم تصاريح عملهم منتهية، وبذلك هم من المخالفين.
ويؤكد الخياطون ان ظاهرة اخرى جديدة سيطرت على قطاع الخياطة المحلية، قضت على فرص عملهم، تتمثل في لجوء بعض التجار لفتح مشاغل غير مرخصة، حيث يستأجرون بيتا او مستودعا يستقبلون فيه العمال البنغال للعمل كخياطين، حيث يغلقون عليهم باب المستودع طوال اليوم لحين انتهاء العمل، وبعض العمال من البنغال يتخذ المستودع مكانا للسكن، وهذا امر يفضله أصحاب العمل كونه يعطي اجورا قليلة جدا للعمال البنغال، ويخصم منهم مقابل نومهم في المستودع.
يقول الخياطون ان العامل البنغالي يقبل باجرة (25) قرشاً على القطعة في حين يتقاضى الاردني ما لا يقل عن (70) قرشا، وبذلك يفضل صاحب العمل العامل البنغالي.
وقال البيان: "يستغرب الخياطون من عدم وجود تفتيش ورقابة من قبل وزارة العمل والجهات المختصة على انتشار هذه المشاغل غير المرخصة، فضلا عن وجود العمال الوافدين بشكل كبير في الاحياء التي تتنشر فيها هذه المشاغل ويستطيع ايا كان ملاحظة ذلك".
مدير المرصد العمالي احمد عوض قال ان قطاع صناعة الالبسة الاردني تعرض، الى جانب غيره من القطاعات الصناعية والانتاجية الاخرى، للتدهور نتيجة المنافسة غير العادلة مع السلع المستوردة، حيث أثرت اتفاقيات التجارة الحرة المختلفة التي وقعها الاردن مع العديد من الجهات والدول الاخرى سلبا على هذه القطاعات، الامر الذي أدى الى تراجع قدرات العديد من هذه القطاعات على خلق فرص عمل لائقة كما كان عليه الوضع سابقا وهذا يفسر جانب من تفاقم مشكلة البطالة بين الاردنيين خلال السنوات الماضية.
وقال عوض: "آن الاوان لاجراء مراجعة شاملة لمختلف السياسات الاقتصادية التي ادت الى الاضرار بالعديد من القطاعات الانتاجية للتقليل من حجم الاضرار التي لحقت بعشرات آلاف الأردنيين العاملين في هذه القطاعات".