انتبهِ .."إنت لست حرة".. والسبب "التفضيل الديني والثقافي للرجل"

انتبهِ .."إنت لست حرة".. والسبب "التفضيل الديني والثقافي للرجل"
الرابط المختصر

 

" لكل إنسان الحق في اتخاذ قرارته"، " الحكم للجوهر لا للمظهر"، " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟ ".

 

تربت تمارا العمري على هذا الطابع الفكري العام الذي يردد هذه العبارات وعايشته كنظريات، حتى قررت الانتقال إلى التطبيق ولتعيش حياتها بالصورة التي تريد، فقوبلت بنسف كل ما تعلمته.

 

رأت العمري التناقض بين النظرية والتطبيق حين قيل لها "إنت مش حرة "، " إنت مش عايشة لحالك بالمجتمع"، " الناس إلها الظاهر"، " الله يعين الشباب ع لبسكم" فانتظرت تمارا الزمن حتى يمنحها الله رجلًا تهرب إلى وصايته أمام أعين الناس بدلًا من وصاية الرجال الذين كبلوا حياتها بمعتقداتهم وعادات مجتمعهم.

 

رجل لم يحاكمها حين قررت خلع حجابها، الذي ارتدته بعد ضغطٍ تعرضت له في سن مبكرة، خائفًة من عذاب النار، ولئلا تكون مختلفة عن مثيلاتها من الفتيات، ارتدته بعد محاولاتها العاجزة بشد صدرها واستعادة جسدها الصغير على حد تعبيرها.

 

تقول تمارا لعمان نت "بعد زواجي وخلع الحجاب ظهر من يشتمني، ويلعنني، ومنهم من قررأنني سأدخل النار لا محالة، ومنهم من قطع علاقته بي لأني بنظره "سافرة"، الا أن أمي العظيمة شجعتني لأعيش بالطريقة التي أحب، أما أبي لم يعرف بعد وليس عندي أدنى فكرة عن ردة فعله كيف ستكون".

 

 

 

الكاتب والصحفي، باسل رفايعة، يعيد سبب اختلال الموازين في مساواة النظرة للمظهر العام بين الرجل والمرأة، لـ"التفضيل الديني والثقافي الممنوح للرجل في الحياة العربية"، إذ أن النصوص الدينية من وجهة نظره "منحت الذكر سطوة ونفوذًا كبيرين على الأنثى، ما جسّدَ حالة مُهينة من تبعية المرأة لقانون الرجل، الذي يتكئ أساساً على الدين، ويأخذ مشروعيته منه،".

 

بينما يرى فادي الشورة، أستاذ الشريعة، أن "الدين لم يمنح الرجل أفضلية على المرأة، إذ اعتبرهما متساويان من حيث الثواب والعقاب والمسؤولية، ولا وصاية لإنسان على غيره إلا إن كان مجنونًا أو غير بالغ".

 

مستندًا في حديثه على عدد من الآيات مثل " كل نفس بما كسبت رهينة"، "ولا تتمنوا ما فضّل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن" وغيرها.

 

أما في الجانب القانوني فترى المحامية والناشطة الحقوقية، نور الإمام، أنه وبموجب الدستور الأردني فقد "تساوت النساء والرجال وكفلت حرياتهم الشخصية وما نراه اليوم من مشهد قولبة وتنميط لمظاهر النساء العامة وإطلاق الأحكام السطحية عليهن وعدم السماح لهن باتخاذ قراراتهن ما هو إلا مشهد تعصبي يعود للفكر الضيق وقلة الوعي".

 

مضيفة " لم يحاسب مجتمعنا الأردني النساء في سبعينات القرن الماضي، كانت المرأة الأردنية تظهر بالمظهر الذي تريد وبصورة تحررية دون الإساءة لها أو تقييم لمظهرها، أما اليوم فيبدو المجتمع متعصبًا لما ترتديه النساء، عليه أن يكون أكثر تسامحًا وانفتاحًا مع أبنائه" وعن ردها لاعتبار البعض أن بند خدش الحياء العام في اللباس، الوارد في قانون العقوبات الأردني يساهم في الحد من منح المرأة حريتها في اختيار ما تريد ارتدائه، قالت الإمام " القانون لا يميز في المظهر بين النساء والرجال، المادة لكليهما ممن يخرج بمظهر يخالف النمط والضابط العام، إنما الواقع الأردني يشهد التنوع الكبير في مظاهر السيدات وعلى الأفراد احترام هذا الاختلاف والتنوع".

"جسمك ملك جوزك"

 

وظهرت موجة جددت الحديث حول حرية اختيار المرأة لمظهرها العام وربطه في التحرش، وتعددت الآراء حول ذلك، فمنهم من يرى أن المسبب وراء قضايا التحرش والاغتصاب والخيانات الزوجية وما سماه ب"العقوبات الإلهية" هو لباس المرأة.

 

المحامية الإمام اعتبرت ذلك انتهاكا صارخا للقاعدة القانونية الأساسية التي تقول إن "العقاب للجاني لا للمجني عليه".

 

تضيف الإمام " أن يتهم المجتمع المرأة بأنها السبب وراء فعل إجرامي كفعل التحرش هو جريمة أخرى، وتفليت المجرم من العقاب الذي ينص عليه قانون العقوبات وقانون العمل مؤخرًا، ومحاولة مستمرة في إخافة النساء من الإفصاح عن الانتهاكات اللتي يتعرضن لها أمام العقول الذكورية"، بعيدًا عن التناقضات التي تمر بالنساء، إذ أن في بعض الأحيان يكون الرجل المتحرش قد تحول في ثوانٍ إلى شهم نبيل يدافع عنها في حال استنجادها به، هذا الواقع الذي جعله كائنًا مفصومًا مرتبكًا في تعاطيه مع المرأة.

 

 

ولم يسلم الرجال من حول المرأة، ممن يمنحونها الثقة وحرية الاختيار من وصفهم بألقاب مسيئة كـ"ديوث"، حين وقوف أحدهم إلى جانب حرية النساء وإعانة قريبته أو حبيبته بتقرير نوعية لباس معينة قد لا تتفق وثقافة آخرين.

 

إذ انتشرت جملة لأحد الإعلاميين "جسمك ملك جوزك" بين آلاف مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي تدليلًا على نظرة المجتمع للمرأة كإنسان درجة ثانية غير كامل الأهلية، وهنا يأتي رد الرفايعة " جسد المرأة مُلكها، والتعامل معه بمختلف الكيفيات والدوافع من حقها وحدها، وذلك يعني حكمًا أن لا حق لأحد بالتدخل في ما ترتدي المرأة، فالإظهار والإخفاء هنا يرتبط بالحرية الغائبة بفضل الدين والثقافة الاجتماعية، التي تقمع خيارات المرأة في لباسها، وفي تعليمها، وفي سلوكها العام، وتريدها أن تخضع لطاعة مطلقة لولي الأمر، وللزوج، والشقيق، فالمرأة ليست شرف الرجل، كما هو سائد، فالمرأة كيان إنساني مستقل، وعلى القوانين أن تكفل ذلك، وتحميه".

 

 

تنبع فكرة امتلاك الرجل لقرارات المرأة وتحكمه بخياراتها من فكرة دينية تخلص إلى قوامة الرجل على المرأة والذي يعتبرها الشورة "قوامة رعاية وحماية وليست سلبًا لحرية المرأة بل هي تحميل للرجل مسؤولية إضافية برعاية من يعول من النساء على أن لا تكون هذه الرعاية على حساب استقلال قراراتها وحريتها الشخصية، فلا أحد مسؤول عن قرارت أحد إلا من باب النصيحة لا الإجبار".

التجديد الديني أم تعديل القوانين؟

زيرى الرفايعة أن ادعاءات عدم جاهزية المجتمع لحرية حصول النساء على حقهن في الاختيار، يرجع إلى الذهن البدائي تجاه انسانية المرأة، وأن "ذات الادعاءات قيلت في نهايات القرن الثامن عشر لقاسم أمين وغيره من روّاد حركة تحرير المرأة العربية من التبعية والتجهيل، ويُقال الآن، وسيقال أيضاً ربما بعد مئة عام، ما دام قانون الذكر المدعوم من السلطتين السياسية والدينية سائداً ".

 

ويعتبر أنها "الحجة الهزيلة نفسها عن عدم جاهزية مجتمعاتنا للديمقراطية، وللحكومات البرلمانية، وللتشريعات المدنية، إذ لا يمكن أن تتغيّر أوضاع المرأة في الأردن دون بناء منظومة تشريعية مدنية متحضّرة".

 

وهذا الذي توافق عليه الإمام وتؤكد أنهم كناشطين حقوقيين بصدد العمل عليه، وبصدد تعديل قانون العقوبات وتشديد العقوبة على من يتعرض لإمرأة.

 

انتقالًا للطرح الذي يفضي بتجديد الخطاب الديني كوسيلة لتغيير الثقافة المجتمعية، فيصفه رفايعة بأنه " وهم كبير، إذ لا يمكن تجديد المقدس، لا يمكن للسؤال المعرفي أن يُحدث ثغرة صغيرة في حائط مغلق، الإصلاح من داخل النص الشرعي تجاه الحقوق الإنسانية للمرأة محاولة يائسة وتزيد من خيبات النساء ومن خسائرهن، وحتى تحصل المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة يجب أن يكون القانون هو المرجع وليس الدين، فالمحتوى الديني لا يمكن تغييره ليتكيّف مع الاحتياجات المعاصرة، الاقتراح الممكن في هذا السياق هو الدساتير والقوانين العلمانية، التي تراعي المصلحة ومستجدات العصر" إلا أن الشورة يختلف مع ما يراه الرفايعة في الجانب الديني، إذ يرفض فكرة اعتبار أن الدين هو سبب اضطهاد المرأة".

 

ويضيف أن " النصوص الدينية تجزم بالحرية لكل إنسان، سواء أكان ذكرًا أم أنثى، والاضطهاد جاء من فتاوى وعادات وتقاليد أُلبست لباس الدين، أنا مع أن تكون الدولة محايدة في الأمور الدينية الشخصية للناس ولا تتدخل فيها بأي حال وتترك للناس الحرية في اختيار ما يشاؤون لأنفسهم من ناحية الاعتقاد أو من ناحية العبادة أو حتى من ناحية العادات والتقاليد ما دامت لا تؤثر على غيرهم، وتحمي هذه الحرية ولا تسمح لأحد أن يتعدى أو يفرض اختياراته على اختيارات الآخرين".

سلوك وثقافة المجتمع

الرفايعة والشورة والإمام، يتفقون مجتمعين على أن تغيير سلوك وثقافة المجتمع إزاء حرية اختيارات النساء عملية مجهدة، تتطلب مساندة ثقافية تربوية ترتكز على الأهل بدايًة في عدم خلق تمييز بين الأبناء والبنات، وتليهم المناهج التعليمية ثم الإعلام من خلال تسليطه الضوء على مثل هكذا قضايا وخلق مساحات حوارية بين مكونات المجتمع لا لفرض مواصفات معينة للباس مقبول أو غير مقبول وإنما لأجل نشر ثقافة تقبل أن كل إنسان حر في اختيار لباسه بحيث لا يتم إهانة وإيذاء أي شخص يرتدي ما يخالف توجهات الآخر، وبث خطابات احترام حقوق المرأة وحرياتها دون أن يكون لها وصاية من أحد.

 

وللحظة هذه لا زالت النساء في مجتمعنا تناضل من أجل أبسط الحقوق كاختيار مظهرها و تقرير نوعية لباسها  ولا زال عليها أخذ إذن مجتمعي لخلع أو ارتداء قطعة قماش ما، وإن المرأة لليوم تتنقل بين "وصاية" الرجال حتى لا يقال عنها "مش حاكمها حدا"، و لا زالت "سببًا للتحرش".
تمارا الآن حصلت على حريتها في الاختيار، يقابلها مئات الآلاف من الفتيات اللواتي يغرقن في أوامر وأحكام وتهم، فهل يمد المجتمع لهن يده حتى يتنفسن الحرية؟.

أضف تعليقك