المشهد الانتخابي بين سطور المحللين

المشهد الانتخابي بين سطور المحللين
الرابط المختصر

لم تقتصر المتابعة الإعلامية للعملية الانتخابية التي انطلقت بحملاتها الدعائية للمرشحين الأسبوع الماضي على التغطية الإخبارية، حيث واكبت هذه التغطية، مراقبة فاحصة بأقلام الكتاب والمحللين في مقالاتهم بقراءة المشهد الانتخابي، وإلقاء الضوء على مصير العملية الانتخابية المقبلة.

المشهد الانتخابي.. استنساخ لمشهد سابق:

أول ما رصده الكتاب هو ما يواجهونه في الشارع من أسماء وصور وشعارات المرشحين، التي ذهب معظمهم إلى أنها لم تحمل جديدا عما سبق من انتخابات نيابية.

الكاتب الدكتور ليث كمال نصراوين يسجل في مقال له، ملاحظة أساسية مع انطلاق الدعاية الانتخابية التي رأى بأنها "لم تأت بجديد لا من حيث الشعارات أو العبارات التي تضمنتها يافطات المرشحين، حتى أن معظم المرشحين يستخدمون في حملاتهم الانتخابية الحالية صورهم الشخصية ذاتها التي سبق لهم وأن استخدموها في تجاربهم الانتخابية السابقة دون مراعاة عامل السن والاختلاف في الملامح والأشكال".

ولم يقتصر الأمر، بحسب نصراوين، على الصور والشعارات الرنانة الواردة فيها، بل إن البيانات الانتخابية للمرشحين لم تتغير، وبقيت كما هي تتمثل في جمل وعبارات مزينة ومزركشة يصعب تطبيقها على أرض الواقع.

ويشير أستاذ القانون الدستوري المساعد في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية، إلى أن الشعب الأردني يستحق مرشحين يخاطبونه بلغة العقل والمنطق من خلال طرح برامج انتخابية تلامس الواقع وممكنة التطبيق.

ويذهب الكاتب طاهر العدوان إلى أن بقاء هذه المفردات في الحملات الانتخابية على حالها بعد ما يقارب من عامين على الربيع العربي يمثل "عين المأساة"، مشيرا إلى غياب الإصلاح والموقف من القضايا الرئيسية التي أفرزت في البلاد مؤيدون ومقاطعون عما يشاهد من شعارات للمرشحين.

ويؤكد العدوان في مقال له بأن "لا شعار في هذه المرحلة يعلو على شعار الإصلاح السياسي انه محرك التاريخ في العصر العربي الراهن وهو المدخل الصحيح للإصلاح الاقتصادي والمالي ومحاربة الفساد وإقامة المشاريع الرأسمالية النظيفة من السمسرة والقرارات  الإدارية المشبوهة, لأن الإصلاح السياسي يوفر مؤسسات رقابية صارمة وفي المقدمة منها مجلس النواب".

فيما اعتبر الكاتب باتر ورد أن ما نراه أمامنا اليوم هو شبه إعادة لمسار انتخابات 2010 في الأسماء والشعارات مع إضافات قليلة جدا من شخصيات لها وزن سياسي مقابل مئات المرشحين غير المعروفين على مستوى العمل العام.

ويرجع وردم سبب إعادة المشهد الانتخابي السابق إلى المشكلة الأساسية التي "قد تتمثل في أن قانون الصوت الواحد يعطي الأفضلية لفئتين من المرشحين لا أكثر وهما الرموز العشائرية المحلية وأصحاب راس المال، مشيرا إلى أن منح الناخب أكثر من صوت واحد هو الخطوة الأولى، "وكان يمكن أن نرتقي كثيرا بالانتخابات الحالية لو تم منح القوائم الوطنية حوالي 50% من مقاعد المجلس.

ويرى بأن هذا الأمر كان من شأنه تشجيع الكثير من النشطاء والمثقفين من الطبقة الوسطى على الاندماج في قوائم تنافس بشدة على 75 مقعدا وليس فقط 27 مقعدا وكذلك تشجع الأحزاب على العمل بطريقة ايجابية والمشاركة الفعالة في كافة النشاطات الانتخابية.

ومن الملاحظات التي سجلها الدكتور ليث نصراوين على قائمة المرشحين المستقلين أنها تضم أسماء شخصيات سبق وأن ارتبط اسمها بجرائم فساد واستثمار وظيفة ومخالفة أحكام قانون الانتخاب وقواعد المال السياسي، مشيرا إلى أن النص الدستوري الذي منح هؤلاء أهلية الترشح "جاء مطلقا وعاجزا عن استيعاب حالات تقتضي حرمان أشخاص معينين من حق الترشح كأولئك الذين لم يتصد القضاء موضوعا للتهم المسندة إليهم، وإنما تقرر إسقاط التهم الجزائية عنهم لشمولها بالعفو العام أو مرور الزمن بالتقادم، وأولئك الذين تتم محاكمتهم أثناء إجراء الانتخابات بتهم تملك النيابة العامة أدلة إدانة واضحة وبينات قاطعة على ارتكابهم الجرم المسند إليهم.

وحول التوقعات بنسب المشاركة بالانتخابات، يشير الكاتب عمر كلاب إلى أن العزوف الانتخابي مرشح للزوال، موضحا بأن النسبة المتوقعة في ظل الدلالة الرقمية لتعداد المرشحين ستكسر حاجز الأمان المطلوب وتتجاوزه بحيث تفوق نسبة الناخبين حاجز الـ 50% وهي النسبة المطلوبة لقبول شرعية البرلمان القادم.

فيما يؤكد الكاتب فهد الخيطان في مقال له أن الإقبال على الترشح للانتخابات النيابية لا يعكس المزاج العام للناخبين، والذي ما يزال في حالة ركود ينتظر أن تحركها الحملات الانتخابية.

والمفاجأة التي تكاد لا تحظى بأي ذكر، وفقا لما يسجله الكاتب عريب الرنتاوي على المشهد الانتخابي، هي احتلال محافظتي المفرق ومعان، المكانين الأخيرين من حيث نسب التسجيل للانتخابات، الأمر الذي يعد مؤشراً قوياً مرجحاً لاحتمال تراجع نسب الإقبال على الانتخابات.

القوائم العامة: تجربة جديدة وانتقاد لتزاحمها:

يؤكد الكاتب باتر وردم أن تجربة القوائم الوطنية ستكون هي القيمة المضافة الأولى لبرلمان 2013 والتي تعني أول تجربة لقوائم انتخابية في تاريخ المملكة، وهي محط الأنظار لمعرفة التفاصيل السياسية والإدارية والدوافع التي ستحكم انتخاب هذه القوائم.

ويوضح الكاتب عمر كلاب بأن فكرة القائمة جاءت لتعزيز التماسك الكتلوي قبل الانتخابات, بعد أن أثبتت التجربة النيابية أن الكتل تحتها مجرد كثبان رملية متحركة

إلا أنه يشير إلى أن التوسع في تشكيل القوائم لن يخدم الفكرة المطلوبة, مضيفا بأن على رؤساء القوائم أن يعيدوا حساباتهم جيدا وأن يلتفتوا إلى مقاعد الكوتا التي تقارب نصف مقاعد القائمة.

ويؤكد وردم بأن منسوب التفاؤل تراجع بعد صدور القوائم التي بلغ عددها 61 وضمت أكثر من 800 شخص يتنافسون على 27 مقعدا نيابيا.

فـ"الغالبية العظمى من القوائم خلت من الرموز السياسية ومن الشخصيات النشطة في الحقول السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى في القطاع الخاص أو المجتمع المدني، بالإضافة إلى ذلك فإن هذه القوائم خالية من البرامج السياسية والاقتصادية التي تشكل التبرير الأهم لوجود القوائم ربما باستثناء بعض القوائم الحزبية وقائمة واحدة أو اثنتين من القوائم غير الحزبية".

ويرجع وردم سبب تفضيل كثير من المرشحين اللجوء إلى القوائم ، إلى ما يمنحه ذلك من تخفيف الكلفة المالية للدعاية الانتخابية، كما أن التواجد ضمن قائمة يقلل من الحوافز المادية التي يقدمها المرشحون في الدوائر الفرعية لاجتذاب الناخبين.

فيما ذهب الكاتب أسامة الرنتيسي إلى أن سبب ارتفاع عدد القوائم "الذي كشف بوضوح ضعف الحياة السياسية وهشاشتها"، هو وجود من دفع باتجاه زيادة عدد القوائم، وزيادة أعداد المرشحين فيها من أجل رفع نسبة التصويت، من دون الأخذ بعين الاعتبار حجم الهدر الذي سوف يحصل في الأصوات.

والسبب الثاني، من وجهة نظر الرنتيسي، يتمثل "بقناعة الأردنيين -على عكس ما روجت له استطلاعات فاسدة- بأن الحياة السياسية لا تستقيم إلا بدفن الصوت الواحد، والبحث عن قواسم من خلال القوائم الوطنية".

الكاتب ماجد توبة يرى أن تضخم عدد القوائم المترشحة، تشير بوضوح إلى أن فكرة ومغزى القائمة العامة على مستوى الوطن أمر لم يتم هضمه سياسيا بصورة حقيقية من قبل عرابي هذه القوائم، موضحا بأن حالة التزاحم بين القوائم الانتخابية العامة، يشيران إلى أن بعض الباحثين عن وجاهات زائفة وتسجيل الحضور في العرس الانتخابي ودعاياته، وجدوا فرصة جديدة هذه المرة في الترشح عبر القوائم الوطنية العامة.

فيما قد يكون سبب هذا الازدحام في القوائم، بحسب طاهر العدوان، أنها تشكل تجربة جديدة في الانتخابات الأردنية، وأن المرشحين يقدمون عليها بدون معطيات وحسابات حقيقية على الأرض، وإنما بناء على انطباعات تقود إلى الوهم بوجود شعبية لهم على مستوى الوطن.

الكاتب عريب الرنتاوي، يشير إلى أن القوائم  تكاثرت بصورة غير طبيعية لأنها قوائم مغلقة، موضحا بأنه لو اعتمد نظام القوائم المفتوحة، لأمكن اختزالها إلى النصف أو ما دون النصف، وهذا أجدى للانتخابات والناخبين والهيئة، وأفضل للبرلمان المقبل، فضلاً عن كونه عاملاً مساعداً على بناء الائتلافات والتحالفات السياسية والحزبية والوطنية.

ويوضح الرنتاوي بأن أغلب القائمين على هذه القوائم يعرفون أن فرصهم ضئيلة، لكن وهم “الشعبية” المتضخم، وسوء الحساب والإدارة، ومن قبل طبيعة القانون، يدفع إلى هذا “الزحام المعيق للحركة”.

ويسجل العدوان إيجابية لهذه التجربة الجديدة، والتي تتمثل برؤية مرشحين من مختلف المحافظات يتجمعون في إطار واحد وضمن حملة انتخابية واحدة بعد أن كانت مواسم الصوت الواحد قد أقامت فواصل وحدودا بين المرشحين وبين الناخبين، والتجربة ستكون أغنى وأجدى لو أن عدد نواب القائمة اكبر مما هي عليه.

أما على المستوى الرسمي، فتعول الدولة، وفقا للكاتب الخيطان، على القوائم الوطنية في رفع نسبة المشاركة في الانتخابات، وسط مؤشرات مقلقة على تراجع الاهتمام بالعملية الانتخابية في أوساط الناخبين.

"كما يأمل مسؤولون أن تساهم مخرجات القائمة الوطنية في تجويد تركيبة البرلمان، بما يساعد في تحقيق أهداف عملية الإصلاح السياسي، ويسهل ولادة أول حكومة برلمانية في عهد المملكة الرابعة"، بحسب الخيطان.

ويصف الخيطان تركيبة القوائم بأنها "تبعث على الأسى؛ فبعد الاسم الثالث أو الرابع، لا تكاد تجد اسما معروفا على مستوى منطقته، فما بالك على المستوى الوطني؟!".

ويشير إلى أن خريطة القوائم تعطي صورة دقيقة عن حالة "التجريف" التي أصابت الحياة السياسية الأردنية، وأطاحت بفرص تجديد النخب لأكثر من عشرين سنة مضت، ظلت الأحزاب خلالها على هامش التجربة الديمقراطية، وتآكلت قدرة مؤسسات الدولة على إنتاج قيادات جديدة.

أضف تعليقك