"المجاهدون الجدد" هل يغيرون خارطة الإقليم؟
قال مسؤول استخباراتي أمريكي لصحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية، إن "ما نراه راهناً هو حلول جيل جديد من المقاتلين الإسلاميين، الذين يملكون أجندة أكثر تركيزاً وتطرفاً، محل تنظيم القاعدة، لكن هذا الجيل الجديد من الإرهابيين يُعتبر أكثر طموحاً، فلا يكتفي بالتخطيط لاعتداءات إرهابية ضد الغرب، بل يبدو مصمماً على إنشاء دولته الإسلامية".
هذا الجيل الجديد من الجهاديين بدأت تتشكل نواته على يد أبو مصعب الزرقاوي، لتقوى شوكتهم بعد ذلك في قلب الأحداث السورية، بعد تصارع القيادات التقليدية لتنظيم القاعدة على السلطة، وأحقية استلام زمام الأمور والزعامة، وتبرء القاعدة من أبي بكر الغدادي زعيم "داعش".
و يكشف كتاب "الدولة الإسلامية بين الحقيقة والوهم" لأبي عبدالله محمد المنصور، الأمير في جيش المجاهدين في العراق وأستاذ الزرقاوي، الملاحظات والمآخذ على الدولة الاسلامية في العراق وبلاد الشام، أو ما تعرف بـ " داعش".
يحدد "المنصور" في كتابه، موطن الخلاف مع "داعش" بالقول: "فأصول خلافنا معهم خمسة أمور: التكفير بغير حق، والقتل بغير حق، والكذب، والجهل، وعدم مراعاة السياسة الشرعية في العمل الجهادي".
بينما تظهر ورقة بحثية حول الجماعات السلفية المقاتلة على الأراضي السورية، أعدها مركز "عمران"، الجيل الجديد من الجهاديين بات يعطي الأولوية للقضايا الإقليمية والمحلية، خلافا للجيل السابق الذي أعلن قبل عقد من الزمن عن إيمانه بـ"جهاد عالمي".
ويلاحظ على هذا الجيل الجديد للجهاديين أن أغلبهم ذو نشأة محلية من نفس المناطق التي تشهد الصراعات، على عكس الجيل القديم العابر للقارات؛ كالجيل الذي قاتل في العراق وأفغانستان والشيشان في نهايات العقد الأخير من القرن الماضي.
ويقول يوسف وهو شخص مقرب لتنظيم داعش في سوريا، أن "الجيل الجديد للجهاديين جلّهم من الشباب اليافع الملتزم حديثا، حيث يدين بالولاء المطلق لأمير المؤمنين وينفذون دون نقاش".
ويسعى الجهاديون الجدد لتحقيق ما فشل تنظيم القاعدة به وهو "إنشاء دولة الخلافة الإسلامية " وبدى ذلك جليا من خلال ازالة الحدود والسواتر الترابية فور سيطرة داعش على الموصل ومناطق حدودية بين العراق وسوريا.
إلا أن القيادي في التيار السلفي الجهادي الأردني محمد الشلبي المعروف بأبي سياف يدعو في حديث لـ"عربي 21" "لعدم التخوف من الجماعات الإسلامية سواء جبهة النصرة أم الدولة الاسلامية في العراق والشام" واصفا إياها " بالغيث الذي يحمل الخير أينما حلت".
ويتهم أبو سياف الإعلام "بتشويه صورة" هذه الحركات الجهادية نافيا عنها ما يتم نقله من صور قتل وذبح، إذ يقول "ما نسمعه على الإعلام مخالف لما يعتقده المجاهدون سواء في الجبهة أو في فكر الدولة الاسلامية".
وحول سعي "المجاهدين الجدد" لتوسيع نطاق عملياتهم وبناء دولة الخلافة، يرى أبو سياف أن "التمكين في الارض يحتاج لسنوات طويلة، مؤكدا أن جبهة النصرة والدول الاسلامية لا تسعى لتوسيع عمليات القتال خارج العراق وسوريا، فعلى سبيل المثال زج قبل فتره باسم الجبهة والدولة بأنها تريد توسيع الصراع الى تركيا، وتناولت وسائل إعلام أن الدولة الاسلامية ستستهدف الضريح العثماني على الحدود بين سوريا وتركيا، لتصدر الدولة الاسلامية بيانا استنكرت فيه هذه الأخبار وأكدت أن عملها داخل سوريا فقط".
و على أرض الواقع، لا يخفي زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي في كلمة له بثت على موقع الفرقان، القسم الإعلامي للدولة الإسلامية، نيته التوسع وما أسماه "الزحف المقدس" وبدء "فتح لدول عربية" التي قسمتها اتفاقية سايكس بيكو وتطبيق الشريعة الاسلامية".
الباحث والخبير في شؤون الجماعات الاسلامية حسن أبو هنية يرى أن تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام يملك قدرات كبيرة، ولديه أهداف محدده وواضحه لإقامة إمارة واسعه، ليس فقط في العراق وسوريا ولكن من العراق إلى بلاد الشام، إذ توسعت "داعش" غرب العراق وشرق سوريا وأقامت إماره الرقة، وبعد ذلك توسعت في محافظات عراقية عديده حيث سيطرت على الموصل ومحافظه نينوى وتوسعت بعد ذلك في صلاح الدين وقامت بإلغاء الحدود بين سوريا والعراق وأصبح للتنظيم تواجد على الحدود الأردنية الآن".
يقول أبو هنية إن داعش تريد إعادة التاريخ وبناء دولة الخلافة في هذه المناطق التي كانت منطقه واحدة، وبالتالي لديهم طموحات كبيرة، لكن السؤال هو هل يتمكن التنظيم فعلا من إعادة رسم خريطة المنطقه وإلغاء ما يسمى بسايكس بيكو؟؟ وهذا ما فعله جزئيا حيث تمكن التنظيم من فتح الحدود بين العراق وسوريا، ويسعى إلى التمدد بشكل كبير، ولا يخفي هذه الطموحات على الاطلاق. لكن التنظيم بالتأكيد له طبائع براغماتيه يعني أنه سينتظر قليلا، وبعد ذلك سيحاول اختبار واستكشاف مدى قدراته على التمدد باتجاه الأردن بكل تأكيد، وليس هناك أي وارد لفتح جبهات جديده ولكنه جزء من بنك أهداف هذا التنظيم.
وتشير ورقة "عمران" البحثية، أن الحرب في سورية شكلت بالنسبة للقوى السلفية الجهادية تحولا مهما على الصعيد الأيديولوجي، من خلال التركيز على مقولات "العدو القريب"، مقارنة بالإيديولوجية السابقة المتمحورة حول "العدو البعيد"، والتي عبرت عنها أحداث الحادي عشر من أيلول.
و يرى الجيل الجديد للمجاهدين أن الأولوية لمحاربة "العدو القريب"، والمتمثل بالأنظمة العربية الحاكمة التي تعتبرها "أنظمة كافرة"، على اعتبار أنها نقطة البداية للوصول "للعدو البعيد" وتحرير بيت المقدس بعد إزالة هذه الحواجز، وظهر ذلك جليا في سلسلة وثائقي صليل الصوارم الذي انتجته "داعش" وبثته على الانترنت.
رئيس مركز القدس للدراسات الاستراتيجية في عمان عريب الرنتاوي يستشعر بوجود "تهديد كبير" لتوسع هؤلاء المجاهدين خصوصا بعد النجاحات التي حققتها داعش وسيطرتها على ما يقارب نصف العراق، وعلى محافظتين في سوريا والتمدد إلى محافظات أخرى وقد يشمل هذا التوسع الأردن".
ويقول الرنتاوي "نتحدث عن تهديد يتخد صبغه إستراتيجية وليس صبغه أمنيه تكتيكية فحسب، في ظني أن ضرورات تثبيت دولة البغدادي بين سوريا والعراق قد تطرح قضية الانتشار والتمدد صوب الأردن، ولذلك حذرنا منذ وقت من خطورة هذا الهلال الالتهابي الذي يحيط بالأردن من ثلاثة أرجاء؛ شمالا من سوريا وغربا من العراق وجنوبا من صحراء سيناء. نعم هناك تهديد بشكل أو بآخر. وتزداد خطورة هذا التهديد إذا أخذنا بعين الاعتبار أن لداعش أنفار في الأردن، ونحن نعرف أن هناك أكثر من ألفي مقاتل أردني في سوريا يقاتلون إلى جانب هذه التنظيمات.
ويتسائل الرنتاوي، كم من هؤلاء داخل الأردن، إذا أخذنا بعين الاعتبار أنها هي التي أنتجتهم؟ وماذا عن دورهم في المرحلة القادمه؟ هذا تهديد يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، ويجب أن يقاوم منذ الآن. في الحقيقه بوسائل ناعمة، سياسية وفكرية وثقافية واقتصادية أو اجتماعية حتى لا يداهمنا هذا التهديد لحظة عدم استعدادنا" .
و نشر تنظيم دولة العراق والشام الإسلامية "داعش" خريطة لتصور الدولة الإسلامية التي يسعى لإقامتها، وبدا لافتا أن التنظيم وضع الكويت والأردن وفلسطين ولبنان ضمن دولته المرتقبة.
و يرى معهد واشنطن للدراسات أن سيطرة داعش على مناطق في العراق تعتبر قمة الموجة الثانية من المقاتلين الأجانب القادمين إلى العراق، أما الموجة الأولى المماثلة من الجهاديين فشهدتها البلاد في ذروة الحرب العراقية التي اندلعت في العقد المنصرم حين تدفق ما يقدر بنحو 5,000 - 4,000 مقاتل أجنبي (معظمهم سعوديون وليبيون وسوريون) على مدى خمسة أعوام إلى البلاد وتم قمعهم من قبل حركة "الصحوة" المحلية و"الطفرة" الأمريكية في عدد القوات.
الدكتور باسل حسين نائب رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيحية يعتبر في حديث لـ"عربي 21" أن "ما يجري في العراق هو نقطة تحول حاسمة، لها مسارات عسكرية وإستراتيجية وسياسية، إذ استطاعت داعش الامتداد والقتال على أكثر من جبهة. بمعنى أنها استطاعت أن تقوم بعمليات في أكثر من مكان وهذا لم يكن سابقا، ولم يكن لديها القدرة".
"داعش ليست هي الطرف الموجود في هذا الصراع، انظر هناك مساحة واسعة تمتد من الأنبار إلى صلاح الدين وصولاً إلى الموصل. هذه المناطق شاسعه وتحتاج إلى الالآف من أجل الهيمنة. هذا لم يكن لولا وجود الطوائف الأخرى وهناك فصائل أخرى موجودة. فصائل عراقيه ولها مطالب".
ويعتقد د.حسين أن "الأحداث السورية خدمت داعش من خلال التدريب، بينما كشف تمدد داعش ضعف بنية المؤسسة العسكرية العراقية التي قامت أساسا على إبعاد الضباط الأساسيين الحقيقيين تحت ذرائع طائفية، لينتج جيش عبارة عن ميليشيات دون تدريب ودون وجود عقيده عسكرية ودون معلومات استخباراتيه جيده وبذلك أنتج هذا المنتج".
ويضيف: أن "هناك نقاط رئيسية يمكن أن تغير نمط الصراع، تتمثل باقتراب حدود الصراع من سامراء أو من بغداد أو من ديالى المحاذية لإيران، التي سترسل المقاتلين -وهناك أنباء أنها أرسلت فعلا – وفيما إذا اقترب الصراع من بغداد. عندها سيتحول إلى صراع مليشيات ولن تكون هنالك حكومة".
وحذر حسن من "انتقال عدوى الصراع إلى الدول المجاورة للعراق". وقال: لو حدثت الحرب الأهلية في العراق ستحدث هجرة ملايين العراقيين هذه المرة وليس المئات أو الآلاف. وستشكل خطراً على جميع الدول المجاورة، واحتمال انتقال الصراع سيشكل عدوى تطال مناطق أخرى فيها أقليات دينية، وسيتحول من صراع مطلبي إلى صراع طائفي، وبدل ما نقول الأرض بتتكلم عربي سنقول الارض بتتكلم طائفي مع الأسف".
الكاتب والباحث في مركز الدراسات الاستراتيجيه بالجامعة الأردنية الدكتور محمد ابو رمان يرى أن المشكلة الكبرى التي تقع فيها الإدارة الامريكية في النظر إلى الجماعات المتشددة هي التسطيح في قراءة هذه الحركات التي هي في الأساس نتائج لشروط واقعية وموضوعية، فعندما نتحدث عن صعود التيار السلفي الجهادي يجب البحث عن الظروف الواقعية التي أدت الى ذلك قبل الحديث عن خطر هذا التنظيم، ففي الأردن مثلا نمو التيار السلفي الجهادي مرتبط بضروف اقتصادية واجتماعية. لدينا ألفان من الشباب الأردني يقاتلون في سوريا، وهذه إشارة خاطئة في الأحشاء الاردنية".
أما بخصوص ما يجري في العراق يقول أبو رمان إن " هنالك أخطاء فادحة عند اختزال ما يجري على أنه حرب بين داعش والمالكي، هنالك ثورة سنية مسلحة نتيجة الاضطهاد والتهميش، وداعش هي خيار اضطراري لشريحة اجتماعية معينة وصلت لهذه القرارات".
يختم ابو رمان بالقول "نحن أمام تحولات جذرية جوهرية في المنطقة".
عربي 21