أثار القرار الأميركيّ بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل موجة من ردود الفعل في الشارع وفي الأروقة السياسيّة. لكنّ الحراك الأكبر كان على الأرجح في العالم الافتراضيّ. فقد لجأ الملايين إلى مواقع التواصل الاجتماعيّ والمنصّات الرقميّة للتعبير عن دعمهم للقدس ومواقفهم من هذا الموضوع. ويتمّ منذ أيّام عدّة تداول هاشتاقات مثل #القدس عاصمة فلطسين باللغتين الانكليزيّة والعربيّة. وقال سائد كرزون، وهو مؤسّس شركة "تغيير للإعلام المجتمعيّ" ومديرها التنفيذيّ ومدرّب فلسطينيّ في مجال التواصل الاجتماعيّ في رام الله، لـ "المونيتور" إنّ كلمة "القدس" في اللغة العربيّة، مع نعوت مختلفة لها، نُشرت ملايين المرّات على صفحات فرديّة على مواقع التواصل الاجتماعيّ وأماكن أخرى على منصّات رقميّة. وقال: "ما هو إيجابيّ اليوم هو أنّ الثورة الرقميّة أتاحت انتفاضة من الأسفل إلى الأعلى. لقد حصلت قصّة القدس في الوقت المناسب في ظلّ اشمئزاز الكثير من الشبّان حول العالم من النظام العالميّ إلى درجة أنّ ردود الفعل الرقميّة كانت قويّة جداً". وقالت عروب صبح، وهي أردنيّة مؤثّرة على مواقع التواصل الاجتماعيّ ومقدّمة سابقة لبرنامج شعبيّ للأطفال على التلفزيون الأردنيّ، لـ "المونيتور" إنّ العالم العربيّ شهد الكثير من المحاولات الافتراضيّة للتعبير عن دعم الفلسطينيّين ولرفض الخطوة الأميركيّة. وأضافت: "يتمّ تداول كلمة القدس باللغتين الانكليزيّة والعربيّة في العالم العربيّ أكثر من أيّ كلمة أخرى. واكتسبت عبارات مثل "القدس عاصمة فلسطين" أو "عاصمة فلسطين الأبديّة" شعبيّة، ما شجّع الناس في الأردن إلى المطالبة بإلغاء معاهدة السلام وصفقة الغاز مع إسرائيل". ونتيجة الدعم الشعبيّ الهائل، صوّت البرلمان الأردنيّ بالإجماع على الطلب من اللجنة القضائيّة إعادة النظر في كلّ الاتّفاقات مع إسرائيل ورفع تقارير عن الانتهاكات الإسرائيليّة لهذه الاتّفاقات. وفيما وُجّهت مشاعر الغضب والاحتجاجات إلى إسرائيل بشكل خاصّ، هاجم الكثيرون الولايات المتّحدة بسبب هذا القرار. وانعكست الاحتجاجات الشعبيّة خارج السفارات الأميركيّة في أماكن متعدّدة في احتجاجات إلكترونيّة أيضاً. وفي الأردن ومصر، حقّقت المطالبات الإلكترونيّة بتغيير اسم الشارع الذي تقع فيه السفارة الأميركيّة نتائج ملموسة. وقال عصام بستنجي، وهو عضو في المجلس البلديّ من عمّان، لـ "المونيتور" إنّه تقدّم بطلب إلى بلديّة عمّان لتغيير اسم شارع الأمويّين حيث يقع مقرّ السفارة الأميركيّة في حيّ عبدون الفاخر إلى "شارع القدس العربيّة". وفي البرلمان الأردنيّ، طالب النوّاب بتغيير اسم الشارع الذي يقع فيه مقرّ السفارة الإسرائيليّة إلى "شارع فلسطين". وأثارت هذه الفكرة إعجاب الناشط المصريّ خالد داوود، الذي نشرها على حسابه على مواقع التواصل الاجتماعيّ. وقال داوود لـ "المونيتور" إنّه اتّصل بالأحزاب المصريّة وشجّعها على القيام بخطوة مماثلة في القاهرة. ونشر الموسيقيّ المصريّ شعبان عبد الرحيم في 9 كانون الأول/ديسمبر أغنية على "يوتيوب" بعنوان "ترامب خلاص اتجنن". وسجّلت الأغنية أكثر من مئتي ألف مشاهدة حتّى تاريخ كتابة هذا المقال. وأثار قرار إدارة ترامب بشأن القدس ردود فعل حول العالم أيضاً. ورسم رسّام الكاريكاتير البرازيليّ كارلوس لطوف رسماً لامرأة ترتدي فستاناً فلسطينيّاً مطرّزاً وتضرب شخص ترامب من الخلف بحذائها وهي تقول له إنّ القدس عاصمة فلسطين. وقال لطوف لـ "المونيتور" عبر البريد الإلكترونيّ إنّه يرسم من أجل فلسطين وعنها منذ رحلة أجراها إلى الضفّة الغربيّة سنة 1998. وأضاف: "كان من الطبيعيّ أن أرسم كاريكاتيراً عن قرار ترامب بشأن القدس". ولم يكن لطوف أيضاً راضياً عن ردّ فعل القادة العرب مقارنة بالمشاعر العامّة. وقال: "ما أغضبني هو أنّه بينما يتظاهر العرب في الشارع، لا يحرّك القادة العرب ساكناً... بل على العكس، يدلون بتصاريح فارغة للفلسطينيّين، محافظين في الوقت نفسه على التعاون مع إسرائيل". وفيما نالت ردود الفعل الشعبيّة والإلكترونيّة الاستحسان والدعم بشكل عامّ، لم يكن الجميع راضياً عنها. وقد طُردت مذيعة تلفزيونيّة من عملها في محطّة تملكها الملكة العربيّة السعوديّة بسبب تغريدتها حول الموضوع، التي فُسّرت على أنّها انتقاد لردود الفعل الضعيفة في منطقة الخليج. وأوقفت المذيعة الأردنيّة من أصل فلسطينيّ، علا الفارس، عن العمل في 7 كانون الأول/ديسمبر كالمقدّمة الرئيسيّة لبرنامج إخباريّ أسبوعيّ على شبكة "أم بي سي" التلفزيونيّة الشعبيّة، بحسب تقارير إعلاميّة سعوديّة، بسبب نشرها تغريدة شجّعت فيها العرب على التحرّك ضدّ ترامب واعتبرها البعض انتقاداً لردود الفعل الفاترة في منطقة الخليج على الرئيس الأميركيّ. وقد قامت الفارس لاحقاً بمحو التغريدة وكتبت: "فلينتقد من يحاولون تحوير ما أكتبه ترامب وليس أنا التي أحبّ المملكة العربيّة السعوديّة وشعبها". واعتبر آخرون أنّ الحملة الافتراضيّة مضيعة للوقت. فكتب كاتب العمود عماد الدين حسين في 9 كانون الأول/ديسمبر في صحيفة "الشرق" اليساريّة التي يتولّى رئاسة تحريرها مقالاً بعنوان "النضال بتغيير صورة البروفايل!" انتقد فيه النشاط على مواقع التواصل الاجتماعيّ. وتحدّث حسين في مقاله عن مواقع التواصل الاجتماعيّ التي حلّت مكان النضال الحقيقيّ، قائلاً: "نحن أمّة عندما تغضب فإنّها تهدّد بتغيير صورة البروفايل لمدّة يومين فقط ثمّ تعيدها مرّة أخرى إلى الصورة العاديّة". لكنّ فلسطينيّاً من القدس يدعى علاء أبو دياب رفض الهجوم على النشاط على مواقع التواصل الاجتماعيّ. ونشر مقطعاً مصوّراً على الانترنت في 8 كانون الأول/ديسمبر قال فيه إنّ مواقع التواصل الاجتماعيّ لديها في عالمنا اليوم تأثير كبير على عمليّة صنع القرار السياسيّة وإنّ البلدان التي تحاول تغيير الرأي العامّ تستعين بالأشخاص المؤثّرين على مواقع التواصل الاجتماعيّ وتدعمهم. المونتيور