العدالة والطبقة الوسطى ضحيتا ضريبة الدخل
يترقب الأردنيون الآثار الملموسة لقانون ضريبة الدخل الجديد، الذي أضحى نافذا مطلع العام الجاري، بعد مناقشته خلال 60 جلسة واجتماع نيابية، وجلستين للأعيان، انتهت بإقراره في الساعات الأخيرة من العام الماضي.
الشاب أحمد، موظف في شركة، تمكن أخيرا من تحسين دخله من خلال عمله الجديد براتب 900 دينار، ليتمكن من تحقيق طموحه بشراء سيارة يسدد ثمنها عن طريق قرض من أحد البنوك بقسط شهري مقداره 200 دينار، إلا أن الاقتطاعات الضريبية الجديدة ستقلص راتبه وقد تؤجل تنفيذ خططه.
يرى أحمد أن الاقتطاع الضريبي "غير عادل بالنسبة لموظف يعمل ليلا نهارا". وينظر إلى الحكومة وكأنها تتقاسم معه دخله الذي تحّسن في السنوات الأخيرة. فبعد اقتطاع ضريبية الدخل التي تبلغ 70 دينارا، إضافة إلى رسوم اشتراك الضمان الاجتماعي، يبقى من راتبه نحو 750 دينارا، وهو مبلغ يقارب ما كان يتقاضاه سابقا.
وتعّبر رئيسة تحرير صحيفة الغد، جمانة غنيمات، في مقالة بعنوان "اتركوا الطبقة الوسطى بحالها"، عن واقع أحمد وأمثاله من الموظفين متوسطي الدخل. وتنبه أن "تخفيض الدولة الإعفاءات الممنوحة للأفراد والأسر، يتبعه زيادة في نسبة الضريبة عليهم في آن، ما يعني توجيه ضربة قوية للأسر ذات المداخيل المتوسطة، قد تنزلق نتيجة لها إلى ما دون الطبقة الوسطى، ولتفقد هذه الأخيرة جزءاً غير يسير من مكوناتها".
كما يصف المحلل الاقتصادي سلامة الدرعاوي، "ضريبة الدخل بأنها لا تختلف عن ضريبة المبيعات في قسوتها على المواطن، ولا تراعي قدرة الشرائح الصغيرة والمتوسطة". ويقول إن القانون "بحلته الجديدة ابتعد عن توسيع إجراءات التحصيل من خلال زيادة أعداد المكلفين واكتفى بزيادة وتشديد العقوبات على الملتزمين، كما رفع الضريبة على الأفراد من ذوي الدخل المرتفع".
أما المحلل الاقتصادي منير حمارنة، فيرى فيما تضمنه قانون ضريبة الدخل الجديد، "خطوات إيجابية تجاه المساواة والعدالة"، مؤكدا في الوقت ذاته على ضرورة انسجامها مع الإجراءات التنفيذية والتطبيق الحكومي لمضامين القانون.
الحكومة بدورها تنظر إلى تبعات الانخفاض على الزيادة المتوقع تحصيلها من الإيرادات السنوية لضريبة الدخل بعد دخول تعديلات القانون حيز التنفيذ في عام 2015، والتي حذر منها مدير عام دائرة ضريبة الدخل والمبيعات إياد القضاة. وقدر قيمة الانخفاض بـ 60 مليون دينار سنويا، لتتراجع الإيرادات من 160 مليون دينار إلى 100 مليون دينار.
وتستهلك الأعباء الضريبية ثلث مداخيل المواطنين الأردنيين بنسبة 30%، فيما تشكل الموارد الضريبية في الموازنة الحجم الأكبر من موارد الدولة المحلية بنسبة تتجاوز الـ70%.
ويخلص مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، في دراسة "الحماية الاجتماعية في الأردن 2014"، إلى أن السياسات الضريبية في المملكة، تعاني من تشوهات كبيرة وغياب العدالة، مشيرا إلى زيادة العبء الضريبي من جهة ليصل إلى مستويات 25% من الناتج المحلي الإجمالي، في الوقت الذي لا تزيد فيه إيرادات ضريبة الدخل عن 5% من الناتج المحلي والتي يجب ألا تقل عن 10% وفقا للمعايير العالمية.
قانون ضريبة يتعارض مع الدستور
يحظر الدستور فرض أي ضريبة مقابل الخدمات المقدمة للمواطنين، إلا بإصدار قانون، مع ضرورة مراعاة الحكومة مبدأ تصاعدية الضريبة وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة، وبحدود قدرة المكلفين.
قانونا ضريبة الدخل "القديم منه والجديد"، وفقا للمحلل الاقتصادي فهمي الكتوت، "لا يحققان المبدأين الدستوريين، بالضريبة التصاعدية وتحقيق العدالة والمساواة، وذلك لأن القانون لا يتعامل بمبدأ التصاعدية على الشركات الكبرى والبنوك التي حددت الاقتطاعات الضريبية منها بنسب ثابتة، بينما يقتصر ذلك على الأشخاص الطبيعيين الأفراد".
فيما يؤكد وزير المالية أمية طوقان، أن القانون بصيغته الجديدة، يعتمد مبدأ تصاعدية الضريبة، وزيادة النسب الضريبية على كبار المكلفين فقط، بهدف تعزيز إيرادات الدولة المحلية.
وتتراوح نسب الاقتطاع الضريبي الثابتة على مختلف القطاعات الاقتصادية ما بين 14 – 35 %، فيما تتدرج النسب المفروضة على الأفراد تصاعديا من 7 – 20 % من دخولهم على اختلاف شرائحها.
وفي تفاصيل الإيرادات الضريبة، سجلت الضرائب على الدخل والأرباح ما نسبته 22% من إجمالي الإيرادات الضريبية بواقع 757 مليون دينار، و12% ضرائب أخرى تتقاضها الحكومة. في حين سجلت الضرائب المفروضة على السلع والخدمات ما نسبته 66% من إجمالي الايرادات الضريبية وقيمتها 2.8 مليار دينار.
التهرب.. عقدة في "منشار" الضريبة
كشفت دراسة اجراها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والتي أعدها الخبير الاقتصادي د. معن النسور بعنوان: "التهرب الضريبي في الأردن: أسبابه، طرقه، وحجمه" ، أن حجم الفاقد الضريبي يبلغ 1,9 مليار دينار شاملا الاعفاءات الضريبية البالغة 834 مليون دينار والمتاخرات الضريبية البالغة نحو 370 مليون دينار في حين ان حجم التهرب الضريبي يقارب 695 مليون دينار منها 200 مليون دينار تهرب من ضريبة الدخل والارباح و495 مليونا تهرب من ضريبة المبيعات.
من جانبها، تؤكد وزارة المالية اتخاذ إجراءات رادعة للحد من التهرب الضريبي في قانون الضريبة الجديد.
المحلل الاقتصادي حسام عايش يقول إن "عدم العدالة في قانون ضريبة الدخل يكمن في سهولة التهرب الضريبي لدى البعض، من خلال اخفاء سجلاتهم المالية، بحيث لا تستطيع الدائرة ملاحقة هذه الجهات باعتبارها دخلت ضمن منظومة اقتصاد الظل".
وتنتقد الكاتبة جمانة غنيمات في مقال بصحيفة الغد، القانون الجديد بسبب غياب "المواد المتعلقة بمحاربة التهرب الضريبي، والذي يمضي العام تلو الآخر من دون أن نحدث فرقا بشأنه، برغم أنه يساعد الحكومة على ضمان تحصيل أموال تقدّر بمئات ملايين الدنانير من المتهربين من تسديد حقوق الخزينة. وليكون التركيز، بدلاً من ذلك، على جمع مبالغ أكبر من الملتزمين أصلا بالقانون؛ قطاعات وأفراداً!".
ويجسّد التهرب الضريبي، بحسب حمارنة، انتهاكا جليّا لمبدأ المساواة والعدالة الاجتماعية، حيث يتم اقتطاع ضرائب الدخل على حساب جيوب فئة "ذوي الدخل المحدود"، بينما تلتف شركات كبرى وأصحاب رؤس أموال متهربين من أدائها.
ويعزو مركز الفينيق انتشار ظاهرة التهرب الضريبي إلى ضعف سيادة القانون الأمر الذي أدى إلى تطبيق سياسات اقتصادية غير اجتماعية، لم تُعن بشكلٍ كافٍ بتوفير الحماية الاجتماعية باعتبارها حق من حقوق الإنسان لدى الحكومات الأردنية المتعاقبة.
وكان المركز الوطني لحقوق الانسان قد أوصى في الصادر عام 2014 بسرعة إصلاح النظام الضريبي الشامل بإعادة النظر بقانوني ضريبة المبيعات والدخل بحيث يتم التوجه نحو الضريبة التصاعدية تحقيقا للعدالة الاجتماعي.
مواطنون أمام مجاهل القوانين
القوانين الاقتصادية عامة، والضريبية خاصة، تُقابل بغياب شبه مُطبق بين المواطنين لمعرفة موادها وتفاصيلها رغم مساسها بكافة طبقات المجتمع، حيث بينت جولة لقاءات قام بها معد التقرير مع مواطنين، عدم معرفتهم بمواد قانون ضريبة الدخل الجديد.
جورج وهو عامل في إحدى مكتبات وسط البلد، لا يبدي أي اهتمام بمعرفة القانون بسبب وضعه الاقتصادي المتردّي كونه من ذوي الدخل المحدود براتب 300 دينار شهريا، ومعيلا لخمسة أفراد.
ولا يكترث محمد الذي يعمل في مجال الأمن والحماية، بقانون الضريبة "فهو يشمل صغار المواطنين ويستثني أصحاب رؤوس الأموال لما يتمتعون به من علاقات ونفوذ لدى المسؤولين"، مشيرا إلى حالات التهرب الضريبي "الممنهج".
فيما تؤكد دائرة ضريبة الدخل حرصها على تعريف المواطنين بمفاصل القانون وما يترتب على المكلفين، وفقا للناطق الإعلامي باسم الدائرة موسى الطراونة، الذي أشار إلى إصدارها لمجلة شهرية متخصصة باسم "الوعي الضريبي"، لتحقيق هذا الهدف، والتي توقف إصدارها بعد سياسة الحكومة بترشيد النفقات مطلع عام 2013 والاكتفاء بنسختها الالكترونية.
ولدى الإطلاع على مضمون بعض أعداد مجلة "الوعي الضريبي"، يتضح اقتصارها على نشر أخبار الدائرة والأخبار الرسمية "البروتوكولية"، في أغلبية زواياها
** هذه المادة أعدت باشراف مشروع تعزيز الحوار العام حول قضايا حقوق الانسان من خلال الاعلام