الانسحاب الروسي من سورية.. المفاجأة المبيّتة

الانسحاب الروسي من سورية.. المفاجأة المبيّتة
الرابط المختصر

لم يكن لدى كتاب مقالات الصحف اليومية وقت لقراءة القرار الروسي بسحب القوى العسكرية الرئيسية من سورية الذي "بُيّت في ليل" الثلاثاء، مساحة في أعداد اليوم التالي، حتى ضجت أعداد الأربعاء بقراءات عديدة، حول دوافع هذا القرار ونتائجه.

 

الكاتب محمد أبو رمان، يشير إلى أن هنالك تساؤلات في العمق لمحاولة التعرّف على الأسباب التي تقف وراء هذا التطوّر المفاجئ، في خضم استئناف محادثات جنيف، والتشدد الملحوظ الذي بدا عليه موقف وزير الخارجية السوري وليد المعلّم، عشية انعقاد المحادثات، عندما أعلن رفض طرح موضوع الانتخابات الرئاسية.

 

ويرى أن موقف الرئيس الروسي فلاديمير  بوتين، وكأنّه فرمل تماماً الموقف السوري في جنيف، وأحرج ممثلي النظام هناك، وقوى من الحالة المعنوية للوفد المعارض.

 

ومن بين التسريبات الوحيدة المتاحة، التي تقترب بنا كثيراً من تفكيك "اللغز الروسي"، يلفت أبو رمان إلى مقالي الإعلاميين سامي كليب ومحمد بلوط، اللذين يتوافقان على أنّ هناك خلافاً روسياً-سورياً حول ملفات حيوية وأساسية.

 

إلا أن "النتيجة الوحيدة لهذا التطوّر هي أنّه أعاد خلط أوراق اللعبة السورية، وفتح الاحتمالات على مصراعيها"، يختتم الكاتب مقاله.

 

وهنا يشير الكاتب فهد الخيطان، إلى الرواية السورية الرسمية، بوجود "تنسيق" بين دمشق وموسكو حول سحب معظم القوات الروسية من سورية، فيما تؤكد وسائل إعلامه أن الأمر لم يكن كذلك أبدا، كما أن قيادات المعارضة السورية المشاركة في مفاوضات جنيف فوجئت هي الأخرى بالقرار.

 

ويضيف الخيطان بأن "بوتين صانع المفاجآت يمارس هوايته من جديد، ويقلب التوقعات؛ فاجأ العالم بقراره التدخل عسكريا في سورية، وصدمه بقرار الانسحاب بعد أشهر".

 

و"ليس دقيقا القول إن التدخل الروسي قد حقق أهدافه في سورية؛ فتنظيم "داعش" ما يزال يسيطر على ثلث أراضي البلاد، و"النصرة" تستحكم في مواقع استراتيجية، وفصائل المعارضة الأخرى قادرة على العودة إلى ميدان العمليات من جديد"، بحسب الخيطان.

 

ويطرح الكاتب مجموعة من التساؤلات حول إمكانية استمرار محادثات جنيف، وعن الموقف الروسي في حال انهيار الهدنة وعودة القتال في سورية، وإن كان هنالك اتفاق بالتخلي عن الرئيس السوري بشار الأسد، "في إطار تسوية دولية كبرى جرى طبخها في الغرف المغلقة بين واشنطن وموسكو".

 

إلا أن الشيء الوحيد الذي يمكن الجزم به، بحسب الخيطان، هو أن موسكو وواشنطن، ومن خلفهما دول الإقليم، لن تسمح لتنظيم "داعش" بقطف ثمار القرار الروسي، وقد تشهد الأسابيع المقبلة حملة عسكرية حاسمة للقضاء على ولاية "داعش" في الرقة وغيرها من المناطق، باعتبار ذلك شرطا لا بد منه لنجاح العملية السياسية.

 

الكاتب عريب الرنتاوي، يلفت إلى أن الرئيس الروسي يظهر بهذا القرار  رغبته الجارفة في اعتماد “دبلوماسية الصدمات”، بعد أن تتحول خطواته السريعة وقراراته المفاجئة، إلى “أحجية” ينشغل الساسة والمحللون والمراقبون، لأيام وأسابيع، في تحليل كنهها وأسبابها والنتائج المترتبة عليها.

 

ويضيف الرنتاوي أن القرار الروسي المفاجئ يكشف حقائق ربما لم نكن نعرفها عن المستوى الذي بلغه “التوافق” الروسي الأمريكي، معربا عن اعتقاده بأن موسكو ما كانت لتقدم على خطوة من هذا النوع، لو أن تأزماً جدياً يشوب علاقاتها مع واشنطن.

 

كما يكشف القرار، بحسب الرنتاوي، حجم الفجوة بين دمشق وموسكو، والتي بدأت مع تفضيل النظام خيار الحسم العسكري، وقبوله بالتهدئة على مضض وتحت الضغط، وانتهاء بالتصريحات التي أدلى بها كل من وليد المعلم وبشار الجعفري، التي اعتبرت استفزازية في موسكو.

 

و"خلاصة القول، لقد حرك القرار الروسي المفاجئ مياهاً راكدة في مسارات الحرب والسلام في سوريا، أعاد خلط الأوراق والمواقف والمواقع، وأضاء أكثر من ضوء أحمر للحلفاء"، إلا أن المؤكد أن هذا القرار، يضع النظام أمام استحقاق التجاوب على نحو أفضل مع مقتضيات مسار جنيف ومندرجاته، على أن تتكفل الولايات المتحدة بحلفائها وتسعى في تدوير الزوايا الحادة في مواقفهم، يقول الرنتاوي.

 

أما الكاتب ماهر أبو طير، فيشير إلى ضرورة التأكد إن كانت القوات الروسية قد انسحبت فعليا أم أعادت تموضعها داخل سورية، بحيث لم تعد تشارك بعمليات ميدانية برية، وأطلقت تصريحاتها حول سحب الجنود، من باب التضليل لإظهار الدعم للعملية السياسية.

 

إلا أن المثير بقرار الانسحاب، بحسب أبو طير، هو التوقيت قبل الدوافع، وهذا توقيت ترافق مع إطلاق التسوية السياسية في جنيف، اذا تمت الامور كما هو مقرر لها، وقد يعني الانسحاب هنا، بداية صفقة او تسوية سرية تمت بين واشنطن وموسكو، من اجل الوصول الى حل.

 

ويلفت أبو طير إلى أن "انسحاب الروس يعني شيئا أخطر وأهم من الملف السوري، اذ إن المعركة بين الروس والمعسكر الغربي كبيرة وممتدة، وانسحاب الروس في هذا التوقيت لا يمكن أن يكون معزولا عن حسابات روسية عالمية بمعزل عن سورية.

 

كما يرى الكاتب رحيل غرايبة أن الانسحاب الروسي يأتي في سياق الاتفاق الدولي بزعامة أمريكا وروسيا على الشروع في إيجاد التسوية الإقليمية الشاملة، الذي بدأت حروفه الأولى في الاتفاق النووي الإيراني مع الدول العظمى.

 

ولا يعني انسحاب الجيش الروسي انسحاب روسيا، بل ما زال دور روسيا حاضراً من خلال قواعدها السابقة المعززة بالقوة العسكرية والخبراء الروس الذين يتولون الإشراف على إدارة النظام السوري حكومةً وجيشاً وحلفاء وأتباعا، بحسب غرايبة.

 

ويرجح الكاتب أن تشهد المرحلة المقبلة في سورية، عملية "تطهير" للأراضي السورية من العناصر الوافدة، حيث يتم الحد من التدخلات الإقليمية عبر الحدود من كل الأطراف، من أجل التكيف مع مقتضيات التسوية الشاملة.

ويذهب الكاتب طارق مصاروة، إلى أن إعلان بوتين انسحابه العسكري المفاجئ كان عمليا في خدمة مفاوضات جنيف.

 

ويضيف مصاروة أن الروس لم يحاربوا تنظيمي داعش والنصرة، وإنما رفعوا الانهيار عن النظام، "فإعادة لملمة الوضع الداخلي السوري تقدم لروسيا واميركا ميدانا فسيحا لضرب التنظيمين وحصارهما في منطقة معينة".

 

وأفضل ما يمكن إطلاقه على قرار بوتين، بحسب الكاتب عمر عياصرة، أنه "مرحلة مفصلية" في الأزمة السورية التي تدخل عامها السادس.

 

ويرجح عياصرة أن يكون القرار مفاجئا، مستبعدا علم واشنطن به، "فالاستنفار هو عنوان لردود فعل كل الأطراف المتداخلة في الأزمة السورية دون اشتثاء أحد".

 

ويتساءل الكاتب إبراهيم غرايبة، إن كانت روسيا قد انسحبت بالفعل، وهل استعادت الولايات المتحدة زمام المبادرة في سورية والشرق الأوسط؟

 

ويلفت غرايبة إلى أن التدخل العسكري الروسي وإن أفاد النظام السوري في التفوق وحماية مناطقه الأساسية والتقدم باتجاه مناطق جديدة، فإنه لم يضف حقائق ووقائع جديدة وجوهرية إلى خريطة الصراع".

 

ويخلص الكاتب إلى القول "مشكلتنا في التحليل والتخمين أننا ننظر إلى الأحداث من وجهة نظرنا، مدفوعين بآلامنا وهمومنا، برغم أن التحليل أساسا (كما اللعب أيضا)، هو أن تضع نفسك مكان اللاعب الآخر، هم يراقبون الخريطة ليس نيابة عنا، ولكنهم "هم" وليسوا "نحن".