الاعتداء الالكتروني على الأطفال من يتحمل المسؤولية؟

الاعتداء الالكتروني على الأطفال من يتحمل المسؤولية؟
الرابط المختصر

«لم أكن أتوقع أن تتعرض طفلتي التي لم تتجاوز السنوات العشر لأي خطر داخل المنزل (...) فهي كعادتها تقبع في غرفتها بهدوء لساعات طويلة، فصغيرتي كانت متسمرة أمام شاشة الكمبيوتر تستمع لرجل ما ظهر على الكاميرا وعندما قمت باشعال الضوء وشاهدت الامر بدأت اصرخ غير مستوعبة حقاً ما كان يحدث».. تروى علياء (اسم مستعار) قصتها حول تعرض ابنتها للتحرش اللفظي عبر»الفيسبوك».

 

وبعد ان قامت علياء بابلاغ زوجها تم التحدث مع طفلتها لتخبرها بان هذا الرجل الذي اقتحم غرفة الدردشة الخاصة بها عنوة يتحدث لطفلتها كل ليلة في امور جنسية تندرج تحت مسمى» التحرش اللفظي «و» التحرش بالنظر والإيماءات».

 

وتضيف: «يبدو أنها تعرفت عليه عبر الإنترنت، الخطر كان في غرفتها، داخل منزلي الذي ظننتها بأمان طالما هي فيه».

 

هذه القصة جزء بسيط من حكايات أكثر تعقيداً تدور حول الأخطار التي قد يتعرض لها الأطفال عبر الإنترنت فقد أصبحت الحاجة ملحة جداً لحمايتهم من القعر المظلم للشبكة الرقمية.

 

مكافحة

 

ارتفاع الجرائم الالكترونية دفع الى تزايد اهتمام الجهات الأمنية المختصة بمثل هذه الجرائم، ولجوئها إلى تعديلات تشريعية لمواكبتها قانونيا، حيث تم استحداث قسم التعامل مع الاطفال المستغلين جنسياً عبر الإنترنت داخل ادارة حماية الاسرة في مديرية الأمن العام قبل عدة اشهر لتأكيد أهمية التوعية وحماية الأطفال وملاحقة الجناة.

 

وامتنعت ادراة حماية الاسرة عن تزودينا باية احصائيات حول عدد الجرائم الالكترونية المرتكبة بحق الاطفال المستغلين جنسيا عبر الانترنت «حفاظا على سرية المعلومات»-بحسبها-.

 

رئيس قسم الاطفال المستغلين جنسيا عبر الانترنت النقيب ايمن الرفاعي يقول: انه تم استحداث مختبر جنائي رقمي باحدث الاجهزة الامنية المتخصصة الحديثة في موضوع استرجاع المعلومات والادلة الرقمية عن الهواتف الذكية والكمبيوترات ومن مواقع التواصل الاجتماعي والتعامل مع مسرح الجريمة الرقمي.

 

ويؤكد ان استحداث القسم يأتي لمكافحة قضايا الاستغلال الجنسي للاطفال وايجاد آلية واضحة لتتبع المسيئين والمستغلين للاطفال.

 

ويلفت الرفاعي الى ان المجرم الإلكتروني لم يعد يعمل داخل بلده فقط، بل أصبحت جريمة عابرة للحدود؛ حيث بإمكانه استغلال «السوشال ميديا» ووسائطها مثل «فيس بوك»، و»تويتر»، وغيرهما في التأثير على أعداد هائلة من الأشخاص، وخصوصاً المراهقين، منوها بأهمية الوعي بالظاهرة في المنزل والمدرسة والجامعة ووسائل الإعلام.

 

ويؤكد انه تم التعاون الانتربول العالمي في حال تم رصد صورة اباحية من اي دولة، حيث يتمكن المختبر الجنائي من ايجاد بصمة رقمية تسهل ضبط المجرم.

 

ويشير الى ان الاستخدام الخاطئ للانترنت للاطفال يجعلهم فريسة سهلة المنال للاستغلال الجنسي عبر الانترنت من خلال القيام بحركات وايحاءات جنسية او المواعدة التي ينتج عنها التعرض لاعتداء جنسي.

 

كما يهدف الفريق المختص إلى معالجة الآثار السلبية لهذه المشكلة على الاسرة والمجتمع وما ينتج عنه من تدهور بين الطفل وذويه مما يوقعهم تحت الاساءة التي قد تتطور الى الاعتداء على حياة الطفل.

 

ويذكر الرفاعي انه تم تدريب الكوادر االبشرية المختارة في المملكة المتحدة لنقل التجربة والخبرات البريطانية في هذا المجال وتدريبهم من قبل خبراء دوليين، منوهاً بان العمل جارٍ على تطوير قدرات العاملين مع الاطفال المستغلين جنسيا لزيادة قدراتهم المؤسسية وزيادة الوعي لديهم بهذا النوع من الجرائم.

 

ويبين انه يتم التعامل مع قضايا استغلال الاطفال من خلال اسلوب علمي تحقيقي حديث يراعي الاساليب الحديثة في التحقيق في هذا النوع من الجرائم وكيفية التعامل وتحريز مسرح الجريمة الرقمي.

 

ويوضح انه يتم توفير الخدمات الاجتماعية للاطفال الضحايا من خلال قسم الدراسات الاجتماعية الموجود بإدارة حماية الاسرة وتقديم المشورة والنصح للطفل والاسرة، اضافة الى خدمات الرعاية الصحية والطب النفسي للاطفال الضحايا للتخلص من الآثار النفسية المصاحبة للاعتداء.

 

ويضيف: «نسعى إلى زيادة التنسيق مع المؤسسات المحلية والدولية ذات العلاقة للانخراط معها في مشاريع تنسيق الجهود الوطنية والدولية للحد من هذا النوع من الجرائم».

 

وبالعودة الى علياء التي باتت مراقبةً لتفاعلات ابنائها على مواقع التواصل من خلال توجيههم نحو ما ينفعهم ونصحهم، فهي تدعو جميع الآباء والامهات الى مراقبة اطفالهم سواء مستخدمو الحواسيب او الاجهزة الذكية.

 

ويعاقب قانون الجرائم الالكترونية الاردني وفقا للمادة 9 لسنة 2015 كل من أرسل او نشر عن طريق نظام معلومات او الشبكة المعلوماتية قصدا كل ما هو مسموع او مقروء او مرئي يتضمن اعمالا اباحية او تتعلق بالاستغلال الجنسي لمن لم يكمل الثامنة عشرة من العمر بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على سنة وبغرامة لا تقل عن (300) ثلاثمائة دينار ولا تزيد على (5000) خمسة الاف دينار.

 

كما تنص الفقرة ج من المادة ذاتها بأنه يعاقب كل من قام قصدا باستخدام نظام معلومات او الشبكة المعلوماتية لغايات استغلال من لم يكمل الثامنة عشرة من العمر او من هو معوق نفسيا او عقليا، في الدعارة او الاعمال الاباحية بالأشغال الشاقة المؤقتة وبغرامة لا تقل عن (5000) خمسة الاف دينار ولا تزيد على (15000) خمسة عشر ألف دينار.

 

مسؤولية مجتمعية

 

الخبير الدولي في مواجهة العنف لدى مؤسسات الأمم المتحدة الدكتور هاني جهشان يؤكد أن «مسؤولية رعاية الأطفال لا تنحصر بجهة دون أخرى».

 

ويشدد على الحاجة الماسة لمزيد من الجهود الوطنية في سبيل المواءمة بين هذه المنافع وحماية الأطفال من الجوانب السلبية المحتملة لهذه التكنولوجيا، وهذا يشكل تحدياً كبيراً لا يجوز التراخي بالتعامل معه.

 

ويشير الى أن الوصول إلى المعلومات حقٌ من حقوق الطفل، حيث تعتبر مواقع الإنترنت وأجهزة الحاسوب المحمولة والأجهزة اللوحية وسائل أساسية في نقل المعارف الجديدة للطفل وإكسابه السلوكيات والقيم الاجتماعية الإيجابية والهادفة والموجهة.

 

ويرى أن التعامل مع هذه المشكلة يتطلب تعاوناَ على مستوى الأسرة والمدرسة والمجتمع، اضافة الى قيام الدولة بإعداد استراتيجية وطنية لحماية الأطفال من الاستغلال والعنف والإباحية كجزء رئيسي من استراتيجية الاتصالات الوطنية بهدف وضع الضوابط والسياسات والأطر العملية الفعالة.

 

ويؤكد ضرورة ان يكون هناك برامج وقائية اولية وتوعية مجتمعية وبرامج خدمات لحماية من الاطفال من الاستغلال والعنف عبر الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات.

 

ويبين جهشان الحلول التي من شأنها الحدّ من مخاطر تعرض الاطفال لاستغلال الكتروني اهمها خفض الفترة الزمنية التي يتعرض خلالها الأطفال للمشاهد التي تعظم العنف في الوسائط الرقمية المختلفة، وحظر بعضها كليا.

 

ويشدد على ضرورة تشجيع الأطفال واليافعين وبشكل متكرر على التمتع بنشاطات رياضية وفنية والاندماج بالحياة الاجتماعية مع الأصدقاء لاستثمار الوقت بعيدا عن الوسائط الإعلامية التي تتضمن العنف.

 

ووفقا لجهشان فان البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الأطفال واستغلال الأطفال في البغاء وفي المواد الاباحية اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 263 الدورة الرابعة والخمسون المؤرخ في 25 أيار/مايو 2000 دخل حيز النفاذ في 18 يناير2002.

 

ويعلق أستاذ علم اجتماع الجريمة في جامعة آل البيت الدكتور مراد المواجدة قائلاً: ان توافر اسعار الاجهزة الذكية المنتشرة بكافة اشكالها وتوافر خدمات الانترنت اضافة الى سهولة استخدامها من قبل الاطفال قد يجعلهم عرضة للاستغلال الجرمي بكافة اشكاله.

 

وينوه إلى أن الاسرة تشكل اللبنة الاساسية في التربية وعليها وضع قواعد وإرشادات وضابطة لاستخدام اطفالهم للانترنت لحمايتهم من الجريمة الالكترونية، خاصة ان الاطفال لديهم رغبة في معرفة البحث عن المخفي عبر شبكات التواصل بمختلف اشكالها؛ الامر الذي قد يعرضهم للاستغلال في الحصول على بينات ومعلومات من مرتكبي الجريمة لينتهي بهم الامر ضحايا لقضايا الاتجار بالبشر والتهريب البشري.

 

حملات توعوية

 

الصحفي المختص في قضايا حقوق الانسان محمد شما يؤكد ضرورة اعطاء مساحة تعليمية واقعية للاطفال حول المخاطر التي قد يتعرضون لها للاستغلال الجرمي، المعلوماتي، الجنسي وغيرها من الانتهاكات.

 

ويركز شما في محور حديثه على ضرورة فتح المدارس امام الخبراء عبر حملات توعوية لكي يتمكنوا من ايصال الرسالة بشكل افضل من المعلمين فيما يخص الحماية لمستخدمي الانترنت من الاطفال، التحدث عن الثقافة الجنسية خاصة ان اغلب الضحايا قد يتعرضون لجرائم واستغلال جنسي.

 

ووفقا لشما للاعلام دور هام في التصدي لمثل هذه الظواهر عبر مواد تعليمية جاذبة للاطفال واسرهم من اجل تقليل اثر الضحايا المفترضين في المستقبل.

 

منصات خطيرة

 

بدوره، يبين الخبير الإلكتروني المتخصص بمواقع التواصل والاتصال انس الشريف ان انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات المحادثة باشكالها؛ التي تساهم بشكل كبير في تفشي الجريمة الرقمية من خلال استخدام هذه المنصات.

 

ويشير الى ان عدد الساعات التي يقضيها كثير من الأطفال من عمر 12 – 17 أمام الأجهزة الإلكترونية ومواقع التواصل يصل إلى ثماني ساعات في اليوم.

 

ويحذر من أن هذه الفئة تحديدا تكون مستهدفة اكثر من غيرها من قبل المواقع الاعلانية الاباحية وشبكات استغلال الاطفال عبر الانترنت والقراصنة لسهولة العثور عليهم واستخدامهم في مشاريعهم الاخلاقية او استخدام معلوماتهم في هجمات الكترونية.

 

ويؤكد الشريف ضرورة توافر الدورات التثقيفية والتوعية والتنشئة والتريية الصحيحة في المنزل التي بدورها تؤدي الى وقائية الاطفال من غياهب الجرائم الالكترونية و الانخراط بمتاهات الثورة الرقمية.

 

منظمات حقوقية

 

ويطالب معهد «تضامن» بحماية الأطفال من الجرائم الالكترونية، من حيث توفير الاستخدام الآمن للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي على وجه التحديد، في ظل الانتشار الواسع للجرائم الإلكترونية.

 

ويقول المعهد إن الزيادة الكبيرة في أعداد المشتركين بخدمات الهواتف الخلوية هي نتيجة طبيعية لانتشار استخدام التكنولوجيا الحديثة بشكل متسارع خاصة بين الفئات العمرية الصغيرة، الأمر الذي يدعو الى الاهتمام بهذه الفئة العمرية (5-14 عاماً) من حيث توفير الاستخدام الآمن للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي على وجه التحديد.

 

ويشير الى أنه وخلال العقدين الماضيين تزايدت النشاطات باستخدام التكنولوجيا التي تهدف الى الحد ومنع العنف ضد النساء والفتيات، حيث نشرت الملايين من الوثائق والمعلومات بلغات مختلفة من قبل المؤسسات والهيئات الحكومية وغير الحكومية، كما وأطلقت آلاف المواقع الإلكترونية لمواجهة العنف ضد النساء والفتيات مما ساهم في زيادة الوعي العام بهذه المشكلة العالمية، وساعد في سن التشريعات لحمايتهن سواء على المستوى الوطني أو العالمي.

 

دعوة دولية

 

وكانت اليونيسيف قد اطلقت حملة لحماية الأطفال على الإنترنت لإشراك الأطفال واليافعين في القضاء على العنف على الإنترنت، تحت اسم حملة رد على الجميع، وهي جزء من مبادرتها العالمية للقضاء على العنف ضد الأطفال.

 

وتضع حملة رد على الجميع، اليافعين في قلب جهود الحملة كمناصرين للحفاظ على سلامتهم على الإنترنت.

 

وفي إطار هده الحملة سيطلب من الأطفال واليافعين أن يقدموا النصائح حول أفضل الطرق لمواجهة العنف أو المخاطر على الإنترنت، وتوعية أصدقائهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.

 

ودعت اليونيسف الحكومات الوطنية لتطوير استجابات منسقة بين قطاعات أنظمة العدالة الجنائية وقوات إنفاذ القانون، والتعليم، والصحة، وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، إضافة إلى المجتمع المدني، لتوفير حماية أفضل للأطفال من الاستغلال والإيذاء الجنسي على الإنترنت.

 

ويستند نشر هذه الحملة على نتائج استطلاع دولي للرأي شمل أكثر من 10,000 شخص بعمر الثامنة عشرة من 25 دولة، وكشف عن رأي الشباب الصغار بالمخاطر التي تواجههم في العالم المتصل الذي يكبرون فيه هو الذي يزداد اتصالاً يوماً بعد يوم.

 

 

 

تم تصميم الإنفوغراف بواسطة موقع إنفو عربي

 

أضف تعليقك