الأكتظاظ الصفي: "ثلاثة في مقعد خشبي" ينتظرون درساً تعليمياً أفضل

الأكتظاظ الصفي: "ثلاثة في مقعد خشبي" ينتظرون درساً تعليمياً أفضل
الرابط المختصر

 

في مقعدٍ دراسي يتسع لإثنين، يجلس "محمد" ابن الثماني سنوات إلى جانب ثلاثة من زملاءه الطلبة في مدرسة حكومية يصل عدد طلبتها في الغرفة الصفية الواحدة إلى 60 طالباً. هذه الطاقة الزائدة واحدة من الأسباب التي أدت إلى تراجع "محمد" تعليمياً، وهي ليست مشكلة حديثة بل متكررة مع بداية كل عام.

 

وزارة التربية والتعليم أكدت ضمن دراساتها أن الطاقة الاستيعابية للغرف الصفية في المدارس الحكومية ما بين 35 – 40 طالباً ما يجعل الطفل "محمد" في حالة تزاحم مع بقية زملاءه منذ بداية يومه الدراسي وأثناء الطابور الصباحي وتواجده في الغرفة الصفية، وتذمره الدائم من عدم بلوغه شباك المقصف المدرسي وهو يزاحم الآلآف من الطلبة للحصول على أحتياجه من المقصف الوحيد في المدرسة.

 

مدرسة "محمد" واحدة من المدارس الحكومية التابعة لتربية الزرقاء، وتعاني من إشكالات عديدة واكتظاظات غير مسبوقة، خصوصاً مع تزايد أعداد اللاجئين السوريين، الذي أضاف بدوره ضغطاً على البنية التحتية لهذه المدارس ومرافقها المختلفة، والأهم من ذلك النتائج الواضحة في تدني مستوى العملية التعليمية للمناهج الدراسية وتمكن كل طالب وطالبة من فهمها والتفاعل مع شرحها.

 

وكشفت الأرقام مؤخراً بأن الزيادة السكانية الطبيعية في المملكة على طلبة المدارس الحكومية، تلقي عبئاً على وزارة التربية والتعليم؛ إذ أنها خلال السنوات المقبلة ستبلغ أضعاف مضاعفه، وتتوزع على المحافظات الأردنية جميعها.

 

وفي تقارير صحفية سابقة ، وجدنا عدد من المدارس التابعة للزرقاء والمفرق تستخدم المطابخ الخاصة بالمدرسة كغرف صفية وذلك للتغلب على مشكلة التزايد الطلابي، إلى جانب إضافة 3 مديريات ترعى شؤون التعليم في هذه المنطقة المكتظمة، بعدما كانت مديرية واحدة تقوم بجميع المهام.

 

مدارس المملكة الواقعة في محافظات الشمال تحولت بغالبها إلى نظام الفترتين؛ بالإضافة إلى مدارس البادية الشمالية الغربية التي كانت غرفها الصفية تتناسب مع أعداد طلبتها وبمناخ تعليمي جيد، ولكن اللجوء السوري إليها ضاعف المهمة وبرزت منه مشاكل جمة؛ حيث أن زيادة ستة آلاف طالب لمدارسها خلق اكتظاظاً في جميع مرافقها التعليمية والقاعات الدراسية. وتبريرات وزارة التعليم أمام ما يحدث لم تأت بحلول فاعلة حتى على المدى القصير خصوصاً مع زيادة أكثر من 160 ألف طالب أردني نتيجة الزيادة السكانية الطبيعية في المملكة، وأنتقال ما يقرب من 60 ألف طالب من المدارس الخاصة إلى المدارس الحكومية.

 

وكان عدد من أولياء الطلبة أبدوا استياءهم من المرحلة التي وصلت إليها بعض المدارس التي يدرس بها أبنائهم من تراجع مستوى تعليمهم، والأعداد العالية في الصف الواحد. الأمر السابق أستدعى ببعض أولياء الأمور لنقل أبنائهم للمدارس ذات النظام الخاص، والبعض الأخر يطالب بتدخل الوزارة لحل هذه الإشكالية منعاً لأي ضرر قد يلحق بأبنائهم.

 

أحد المصادر في وزارة التربية والتعليم أوضح أن الوزارة بدأت بالعمل الفوري لحظة إعلان وزيرها محمد ذنيبات عن وجود عدد من المدارس التي لا تجاوز عدد طلبتها 72 طالباً، فقامت بمواجهة الاكتظاظ في المدارس من خلال استئجار مبانِ جديدة وتحويلها إلى مدارس. بالإضافة إلى دمج عددِ منها على أعتبار أنها غير مستغلة بالكامل.

 

وأكد المصدر ذاته على أن 32 في المائة من مدارس الأردن يوجد فيها 8 في المائة من عدد الطلبة الإجمالي، حيث يعمل على تدريسهم 15 في المائة من المعلمين، ما دفع بخطط الوزارة للتحسين ورفع مستوى التحصيل الأكاديمي ومتابعة تطورات عملية التعليم، خصوصاً بعد الشكاوي العديدة من قبل أولياء الطلبة وزيادة العبء عليهم.

 

ويؤكد خبراء تربويون على تأثير اكتظاظ البيئة المدرسية بأعداد هائلة من الطلبة وانعكاسه السلبي على جودة التعليم وتكافؤ الفرص وأبرزها الأسلوب المتبع لحل المشكلة بنظام الفترتين وأثاره الناتجه. وفي ذات السياق تبدو الصورة لدى "محمد" مشابهة لما يعانيه "فادي" ابن الثالثة عشر سنة وطالباً بمدرسة تابعة لمديرية السلط، لكن الاختلاف ما بين الصورتين هي بما تعانيه مدرسة أم سلمة الأساسية في السلط التي يتبع لها "فادي" من رطوبة عالية وبرودة في فصل الشتاء.

 

أختصاصي علم الأجتماع ظاهر قواسمة كان قد علق على الأثار الاجتماعية للزيادة السكانية ووصولها للمدارس مؤكداً أن التكاثر العددي للسكان بنسب عالية هو واحد من مسببات التنشئة الاجتماعية والرعاية التعليمية المعقدة.

 

ويرى قواسمة أن "الدول النامية تعاني من أستنزاف الموارد التعليمية بفعل التزايد اللامعقول في النمو السكاني وغياب سياسات ناجحة لدى صانعي القرار لمواجهة تلك التحديات".

 

ويذهب المعلم "حسن شاهين" في رؤيته لاكتظاظ الغرف الصفية في المدارس الحكومية، إلى عدم وجود توسعة مستمرة للمدارس، وبقاء عدد كبير منها في مباني مستأجرة وقديمة تعاني ضعف التهوية والإنارة والتبريد أو التدفئة، مؤكداً أن هذه المشكلة لازالت واحدة من المطالبات التي ينادي بها المعلمين لدى نقابتهم ووزارة التعليم لما لها من تحديات على المعلم والطلاب بشكل مباشر.

 

تحذيرات المجلس الأعلى للسكان والموجهه لوزارة التربية والتعليم كانت تأكيداً على ضمان جودة التعليم الأساسي والعالي في الأردن، وحتى لا يتضاعف التأثير إلى مستويات أكثر خطورة، والبدء بمبادرات ومشاريع متعددة تعالج الأثار السلبية خطوة بخطوة، واستغلال ما يمكن استغلاله من أدوات لها أثر إيجابي على البيئة التعليمية ككل.

أضف تعليقك