الأردن يخشى من انهيار منطقة خفض التّصعيد في جنوب سورية

الأردن يخشى من انهيار منطقة خفض التّصعيد في جنوب سورية
الرابط المختصر

 

يراقب الأردن عن كثب الأوضاع في الغوطة الشرقيّة في سورية، في ظلّ تصاعد المخاوف من احتمال أن يركّز النظام السّوري خطوته المقبلة ضدّ محافظة درعا الجنوبيّة الواقعة على طول الحدود مع المملكة الأردنيّة الهاشميّة. وقد طالب وزير الخارجيّة أيمن الصفدي في 6 آذار\مارس بوقف فوريّ لإطلاق النار في الغوطة الشرقيّة وإنهاء معاناة الشعب السّوري.

 

لم يفلح مجلس الأمن الدولي في تطبيق القرار الذي اعتمده في 24 شباط\فبراير والذي ينصّ على فرض هدنة في كافة أنحاء سورية. وفي 12 آذار\مارس، رفعت الولايات المتّحدة مشروع قرار جديد إلى أعضاء المجلس يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار لمدة 30 يومًا في العاصمة دمشق وضواحي الغوطة الشرقيّة.

 

تقع مناطق جنوب غرب سورية بمعظمها ضمن منطقة خفض التصعيد التي وافقت كلّ من الولايات المتّحدة، وروسيا والأردن على إنشائها في شهر تموز\يوليو. وتنقسم محافظة درعا كما المدينة بين قوّات النظام والجماعات المتمرّدة — وتسيطر الأخيرة على معبر نصيب الحدودي [بين سورية] والأردن.

 

وفقًا لمزاعم السّكّان والجماعات المتمرّدة في 12 آذار\مارس، شنّ الطيران السوري ما لا يقلّ عن ثماني ضربات ضدّ المناطق الخاضعة لسيطرة المتمرّدين في درعا التي لا تبعد كثيرًا عن مدينة إزرع، حيث لا يزال وجود الجيش السوري واسعًا. وفي حال ثبُت ذلك، ستكون تلك الضربات الأولى التي تمّ شنّها منذ اعتماد الهدنة المتعدّدة الأطراف.

 

وفي إطار ردود الفعل على هذه التقارير في 12 آذار\مارس، دعت وزارة الخارجيّة الأمريكيّة إلى عقد اجتماع طارئ في الأردن بهدف مناقشة المخاوف المتعلّقة بالضربات المزعومة في جنوب غرب سورية ضمن حدود منطقة خفض التصعيد التي تمّ التفاوض عليها العام الماضي. فقال مسؤول في الوزارة في بيان "إنّنا دعونا إلى عقد اجتماع طارئ في الأردن لمراجعة الوضع في جنوب غرب سورية وضمان الحفاظ على منطقة خفض التّصعيد التي ساعدت الولايات المتّحدة في التفاوض عليها".

 

لم يصدر عن الأردن بعد أيّ تعليق على هذه التقارير. وفي 13 آذار\مارس، نقلت صحيفة "جوردان تايمز" عن مسؤول حكومي قوله إنه جرى التنسيق بين عمان وواشنطن لعقد "اجتماع طارئ مع المملكة على خلفيّة تقارير تشير إلى انتهاكات للاتفاق الذي أنشئت بموجبه منطقة خفض التّصعيد في جنوب غرب سورية"، وتابع قائلًا، "لقد كان الأردن شديد الحرص على الحفاظ على منطقة خفض التّصعيد التي تمّ إنشاؤها العام الماضي في أعقاب الاتفاق الثلاثي الذي كانت روسيا جزءًا منه".

 

بالنّسبة إلى الأردن، يتسبّب الوضع في جنوب غرب سورية بقلق بالغ على الأمن القومي. فمن شأن انهيار منطقة خفض التصعيد هناك والمساعي الهادفة إلى السيطرة على هذه المنطقة من قبل الجيش السوري والميليشيات المتحالفة معه أن تدقّ ناقوس الخطر في كلّ من الأردن وإسرائيل. فقد تتسبّب الاشتباكات والقتال على طول حدود الأردن الشّماليّة بوصول آلاف اللاجئين السّوريّين إلى المملكة، التي تستضيف أصلًا ما لا يقل عن 600 ألف لاجئ سوري من أصل مليون ومئتي ألف سوري مقيم في الأردن.

لقد اشتكى الأردن مراراً وتكرارًا من أنّ استضافة اللاجئين السّوريّين قد أنهكت موارده وعقّدت عمليّة الانتعاش الاقتصادي. كما أشار إلى أنه لم يعد قادرًا على استقبال لاجئين إضافيّين. يرزح الاقتصاد الأردني منذ سنوات تحت الضغوط وسط بلوغ نسب البطالة والفقر أرقامًا قياسيّة.

 

فضلاً عن ذلك، من شأن أيّ تدهور في الوضع الأمني في جنوب سورية أن يؤدّي إلى تفاقم الوضع الإنساني هناك. ففي 26 شباط\فبراير، منع مجلس بلديّة درعا دخول قوافل المساعدات الآتية من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، وأصرّ على وجوب وصولها عبر "الطّرق المعهودة أي المعابر الحدوديّة مع الأردن".

 

كان الملك عبدالله قد سبق وأثنى على نجاح اتفاق الهدنة في جنوب سورية. وقيل بعد زيارته الأخيرة إلى موسكو في 15 شباط\فبراير حيث التقى بالرئيس فلاديمير بوتين، إنّ روسيا قد طلبت مساعدة الأردن في تحقيق الاستقرار في المنطقة الجنوبيّة الآمنة. وكان الأردن قد فشل في تشرين الأوّل/أكتوبر في إقناع الجماعات المتمرّدة في درعا بتسليم الحكومة السورية معبر نصيب الحدودي. فمنذ منتصف العام 2017، عندما أوقفت الولايات المتّحدة الدعم المالي والعسكري للجماعات السورية المتمرّدة — بما في ذلك الجيش السوري الحر — تراجع معها نفوذ الأردن على هذه الجماعات.

 

لم يتّضح جليًا بعد ما إذا كانت الغارات الأخيرة في درعا بداية لعمليّة عسكريّة واسعة النطاق على يد الحكومة هناك أو أنّ الغاية منها هي تحذير الجماعات المتمرّدة بعدم التدخّل في قتال الغوطة الشرقيّة. كان عدد من الفصائل، كجند الملاحم في جنوب سورية، قد تعهّد بشنّ هجمات ضدّ الجيش السّوري والميليشيات المتحالفة معه رداً على القصف على الغوطة الشرقيّة. وفي 3 آذار\مارس، أفاد موقع "عنب بلدي" الإخباري السوري الموالي للجماعات المتمرّدة عن تعبئة عناصر من جيش الإسلام في الجنوب لاستهداف الجيش السّوري تضامناً مع رفاقهم في الغوطة الشّرقيّة.

 

من شأن الانهيار المحتمل لمنطقة خفض التصعيد في جنوب غرب سورية أن يبدّل مسار اللّعبة بالنّسبة إلى كلّ من الأردن، وإسرائيل— التي كانت قد وجّهت انتقادات بسبب فشل الاتفاق الثلاثي في وضع حدّ للمطامع الإيرانيّة في سورية. ويساور إسرائيل والأردن القلق من أن تتّخذ الميليشيات الموالية لإيران، بما فيها حزب الله، مواقع لها قريبة من مرتفعات الجولان والحدود الشماليّة للأردن.

 

أشار المحلّل العسكري واللّواء المتقاعد في الجيش الأردني فايز الدويري في حديث مع المونيتور إلى عدم تشابه الوضع في جنوب سورية لذلك السائد في الغوطة الشرقيّة. وقال إنّ "هناك عدّة أطراف فاعلة في الجنوب كالأردن، والولايات المتّحدة، وروسيا، وإيران وإسرائيل. ستأخذ الولايات المتّحدة وروسيا بالاعتبار مصالح إسرائيل، إضافة إلى مصلحة الأردن؛ كما لا يرغب أحد في اندلاع مواجهة بين إسرائيل وإيران في جنوب سورية". وأضاف، "يعتبر كلّ من الأردن وإسرائيل أنّ الميليشيات الموالية لإيران لا تقلّ خطورة عن جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلاميّة [داعش]".

 

غير أنّ المحلّل السّياسي عمر كلاب يرى أنّ "عمليّة تحرير الأراضي السوريّة قد تتوسّع لتصل إلى جنوب سورية وذلك بعد استعادة الغوطة الشّرقيّة". وقال للمونيتور إنّ المصالح الأردنيّة تحتلّ المرتبة الأولى، "ومن مصلحتنا تطهير حدودنا الشّماليّة وإعادة فتح المعبر الحدودي مع دمشق". كما لفت إلى وجود جماعة جيش خالد بن الوليد المرتبطة بداعش في حوض اليرموك.

 

وقال مدير مركز القدس للدراسات السياسيّة في عمان عريب الرنتاوي للمونيتور إنّ استخدام إسرائيل لجبهة النصرة في جنوب سورية بهدف التصدّي للميليشيات الموالية لإيران، والتي قد تسعى إلى الاقتراب من الجولان، أمر ممكن. قال الرنتاوي، "هذا يزيد الأمور تعقيدًا بالنسبة إلى الأردن، لأنّ المواجهة العسكريّة في الجنوب لن تدور سوى على بعد بضعة كيلومترات من الحدود الأردنية". ومنذ تحدّث رئيس الموساد السابق إفرايم هاليفي في العام 2016 عن تقديم إسرائيل العلاج إلى الجرحى من المقاتلين المتمرّدين، بدأت تنتشر المزاعم حول توفير إسرائيل مساعدات عسكريّة للجهاديّين من المتمرّدين في جنوب سورية. ولكن، ينفي المسؤولون الإسرائيليّون نفيًا قاطعًا المزاعم حول تقديمها السلاح.

 

يُتوقّع أن يتمّ التّنسيق بين عمان، وموسكو وواشنطن لمنع انهيار المناطق الآمنة في جنوب سورية. لقد أنشأت روسيا والولايات المتّحدة ما يُسمّى بمركز عمان لمراقبة وقف إطلاق النار في جنوب سورية في آب\أغسطس الماضي وذلك لرصد خروقات الهدنة. كما سيسعى الاجتماع، الذي دعت الولايات المتّحدة إلى انعقاده في عمان، إلى تحقيق الاستقرار في منطقة خفض التصعيد.

*المونتيور

 

أضف تعليقك