اربد..مبادرات لمحاربة التحرش

يعتبر التحرش من أكثر أنواع العنف ممارسة ضد المرأة، وأحد أكثر الظواهر المنتشرة في العالم أجمع بمختلف أشكاله وسلوكياته التي يمارسها الذكور تجاه الإناث؛ سواء كان التحرش تحرشًا إيمائيًا أو لفظيًا  أوجسديًا أونفسيًا، ومع التقدم التكنولوجي فقد أضيف إلى هذه الأنواع التحرش الإلكتروني. 

 

وبحسب دراسة أجرتها اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة بينت ارتفاع وانتشار نسب التحرش بالفتيات في الأردن، حيث توصلت النتائج إلى تعرض حوالي 75% من العينة إلى التحرش لمرة أو أكثر، أما معدل التحرش في محافظة إربد فقد جاء بنسبة 21% والتي جاءت في المرتبة الثانية بعد العاصمة عمّان. 

 

حالات تعرضت للتحرش

ريم (اسم مستعار): تصف لنا موقفًا تعرضت فيه للتحرش أثناء سيرها في الجامعة، حيث كانت متوجهة من كلية إلى كلية أخرى ليصادفها مجموعة من الشباب لا تعرفهم؛  فقام أحدهم بمحاولة التعدي عليها من خلال فتح ذراعيه والاقتراب منها وكأنه يريد احتضانها مع نظره باتجاه أصدقائه وهو يقول لهم "شوفوني"، ليصدر بعد ذلك ردّ  فعلٍ سريع من ريم دفعها لضربه وإبعاده للخلف، ليبدأ بعدها الشب بالصراخ عليها وشتمها بألفاظ بذيئة جعلها تشعر وكأنها هي من حاولت التحرش به أو الإساءة إليه، لتكمل طريقها بعد ذلك متجاهلة ما يقول.

 

وأما سارة (اسم مستعار): فقد تصرفت بشكل مختلف مع متحرش آخر، كانت قد رأته لأول مرة يقف عند الموقف المخصص للحافلات التي اعتادت أن تقف فيه لانتظار الباص الذي يقلها إلى الجامعة ليقوم المتحرش "بتلطيشها " بعبارات مختلفة؛ منها ما وصف فيه جسدها وملابسها ومنها ما وصف  طريقة وقوفها، وبعدها قام بشتمها بمختلف الألفاظ السيئة، ولكن شعور سارة بالخوف الشديد منعها من الرد عليه أو محاولة النظر إليه لتقوم بالاتصال بشقيقها الذي قدم إلى موقف الباص، ما دفع المتحرش إلى الهرب عند رؤيته.

 

لكن ما حدث مع رغد (اسم مستعار) كان مختلفًا، فقد تعرضت لنوع آخر من التحرش عندما كانت تقف في الشاع بانتظار أن تستقل سيارة أجرة لتعود بها من مكان عملها إلى منزلها تعرض لها شاب،ح حيث قام بالنظر إليها بطريقة مريبة ثم التفّ حولها عدة مرات مستخدمًا يديه بالتأشير على مناطق من جسدها، مما دفعها إلى  الصراخ عليه وشتمه بصوت مرتفع في الشارع، ثم قامت بإخراج هاتفها وتصويره وتهديدها له بنشر صورته على مواقع التواصل الاجتماعي وفضحه، واستمرت بالصراخ عليه مما لفت أنظار أصحاب المحال المحيطة بها ودفعهم للخروج والتوجه للمتحرش الذي قام بالفرار.



 

آراء مختلفة حول التحرش 

 

(سارة عبد الله) قالت:"إن حجة الشباب الأشهر  للتحرش هو اللباس الذي ترتديه الفتيات فقد يكون مغريًا ويدفع الشاب للنظر إليها وهذا برأيها غير صحيح، وأن السبب الحقيقي هو قلة تربية الشاب، فالدين الإسلامي أمر الفتاة بالتستر في اللباس وأمر الشاب كذلك بغض البصر، وأوضحت أن رد فعلها في حال تعرضها للتحرش هو "التطنيش" في البداية، لكن إن لم يتوقف الشاب عن مضايقتها بألفاظه وتصرفاته فإنها تقوم بالرد عليه لإسكاته".

(إكرام محمد) قالت:"على الشب التفكير قبل قيامه بفعل التحرش، عليه التفكير بأهله وأن ما يرضاه لهم يجب أن يرضاه على باقي الفتيات، وأضافت:"ارتقاؤه" بالتفكير هو ما ينهي ظاهرة التحرش". 

في حين قالت (لينا علي): "أنها تؤيد فكرة أن على الفتيات تحسين طريقة لباسهن ليصبح أطول وأكثر احتشامًا  حتى لا تتعرض للتحرش، فهي تعرف عقلية المجتمع الذي تعيش فيه وأنها في حال تعرضت للتحرش تقوم بالرد على المتحرش أو تطلب تدخل أفراد أسرتها". 

وبينت الطالبة (زينة محمود) أنه في حال تعرضها للتحرش اللفظي، تتعامل بلا مبالاة وعدم اكتراث لما يقوله الطرف الآخر لها لأن بعض المتحرشين هدفهم هو رد الفتاة عليهم والالتفات لهم، وأضافت أن فكرة تبرير قيام الشاب بالتحرش بالفتاة على أن لباسها هو السبب هي فكرة خاطئة ومسيئة للفتياة، والمشاهد الموجودة اليوم في الشارع تثبت تحرش بعض الشباب بالفتيات المحجبات والمختمرات وغيرهن.

 

وقال الطالب (حمزة رباباعة):"أن ضعف الوازع الديني للشباب هو ما يدفعهم للتحرش بالفتيات، وأن التحرش تصرف غير أخلاقي، كما عبّر عن أسفه لانتشار هذه الظاهرة خصوصًا في مجتمع الجامعات حيث تكثر مثل هذه الممارسات السيئة من قبل الشباب.

 

وبيّن الطالب (محمود خالد): "أن البيئة المحيطة بالشاب هي سبب قيامه بفعل التحرش فهي تؤثر عليه أكثر مما يؤثر بها، فطبيعة بعض البيئات لا تتقبل لباس بعض الفتيات أو تصرفاتهم وذلك كونه مغايرًا لما اعتاد عليه فيقوم بالتحرش لاستغرابه مما يراه أمامه، وأضاف الطالب  أنه من خلال ملاحظته يرى أن أكثر أنواع التحرش التي يمارسها الشباب هو التحرش اللفظي "التلطيش".

وأوضح الطالب مصطفى أن التحرش يكون إما بسبب الشاب الذي يعاني من التخلف والكبت حيث يقوم بتفريغ هذا الكبت من خلال التحرش بالفتيات، وكما يقال:" هجين ووقع بسلة تين"، أو قد تكون الفتاة مرتدية ثيابًا غير مناسبة للبيئة التي تعيش فيها وتقوم بتصرفات تغري الشاب للتحرش بها. 

وقال الطالب (أكرم يوسف): بأنه لا يوجد شيء اسمه تحرش بالنسبة له وأن ما يقوله من كلام لبعض الفتيات يكون من باب المجاملات والمزح مع أصدقائه بما يجعلها ويجعله وأصدقائه سعداء، لأن التعرف الآن على الفتيات أصبح أمرًا سهلًا، يبدأ بالتلطيش وينتهي بالصداقة والأخوة بينهم و أضاف أن جمال الفتيات يساعد على التلطيش.

رأي علم النفس في ظاهرة التحرش

وبيّن الدكتور في علم النفس في جامعة اليرموك "أحمد شريفين" أنه لا يوجد تعريف واضح ومحدد للتحرش بقدر ما هو حديث عن إمكانية وجود العديد من أنماط السلوك والتي تسمى "تحرش". فبالحديث عن  التحرش اللفظي فهو مرتبط بطبيعة الألفاظ التي تصدر عن الشخص المتحرش، والتي تأتي لعدة أهداف منها الإغواء والتأثير على الطرف الآخر أو محاولة جذب الانتباه أو محاولة الإثارة الجنسية أو لأسباب ودوافع أخرى.

 

وأوضح الشريفين أنه لا يوجد سبب واحد ورئيسي يدفع الفرد إلى التحرش وإنما هناك نظريات واتجاهات  ودوافع مختلفة تقف وراء فعل التحرش؛ إحداها ضعف المنظومة القيمية أي الناحية القيمية والاجتماعية التي يمتلكها الفرد، وفي كثير من الأحيان تعزى أسباب انخفاض القيم الاجتماعية أو عدم تمسك الأفراد بها إلى دخول قيم مجتمعية مختلفة عن مجتمعاتنا، ومحاولة إيجاد أكثر من بديل، وتأثير العولمة وبالتالي اطلاع على أنماط سلوك وثقافات لمجتمعات أخرى ومحاولة تقليد الآخرين.

 

 وأشار الشريفين إلى ادعاء كثير من الخبراء بوجود تغيير في المنظومة القيمية بشكل واضح، بالإضافة الى نمط وأسلوب التنشئة الاجتماعية التي اعتاد عليها الفرد، وضعف الوازع القيمي والأخلاقي لديه، حيث يضيف أن عدم وجود أنماط سلوك سوية ومحاولة تقليد الآخرين من أجل كسب ودهم وحتى يصبح الشخص مقبولًا بينهم الأمر الذي قد يدفعه لممارسة التحرش.

 

وأضاف الشريفين أن التحرش الموجه من الذكور إلى الإناث بشتى أنواعه  ظاهرة عالمية معروفة أشارت إليها كثير من الدراسات، ولها آثارها النفسية السيئة منها: انخفاض في تقدير الذات وانخفاض عنصر الأمن والأمان التي تشعر به الأنثى والذي يعد الأساس لصحتها النفسية، فالشعور بالأمان حاجة فسيولوجية وغيابه يعني صعوبة في إمكانية إشباع بقية الحاجات، ومن الآثار النفسية أيضًا التي يخلفها التحرش انخفاض قدرة الفتاة على  الخروج من المنزل وممارسة حياتها الطبيعية فتشعر بالتهديد المستمر لها سواء كانت موظفة أو تتنقل من مكان إلى مكان حسب طبيعة عملها.

 

كل ذلك يؤدي إلى تدني مستوى الصحة النفسية نتيجة التفكير المستمر في آلية المواجهة التي ستتم والتصرف من المفترض أن تقوم به في حالة خروجها وتعرضها للتحرش؛ هذه جميعها من السلوكيات التى من الممكن أن تطرح  ذاتيًا من قبل الأنثى تحديدًا. 

 

ويشير الشريفين إلى أنه في كثير من الأحيان  تنعدم إمكانية الإفصاح عن التحرش الذي تتعرض له الفتيات بسبب طبيعة  المجتمع التي تعيش فيه، الأمر الذي يشعرها بالخوف من الوصمة الاجتماعية التي قد توصم بها بسبب الإفصاح عن التحرش، ولتتجنب إحداث مشكلات تتجنب إخبار الأهل وإخبار ذوي العلاقة لأنها تدعي في بعض الأحيان أن المجتمع قد يعزي سبب التحرش لها وبالتالي السلوك بحد ذاته ممكن أن يكون مبررًا، حيث أنها هي التي تسببت في التحرش سواء كان السبب لباسًا أو سلوكًا أو غيره، والإشكالية الحقيقية التي تواجهنا كيف نتعامل مع هذا السلوك؟ كيف نثقف المجتمع للتعامل مع هذا السلوك؟ وكيف نزيد من توعية الآخرين. 

 

وأضاف الشريفين نحن بحاجة إلى أن نتجنب الوصمة الاجتماعية التي سوف تلحق بالأنثى، لأنه في كثير من الأحيان الاهتمام بحدوث هذه الوصمة يؤدي إلى التستر على المتحرش وعلى ما تتعرض له الأنثى، لأن أية إساءة أو إفصاح بشكل أو بآخر من شأنه أن يهدد سمعة الفتاة وتحديدًا في مجتمعاتنا التي من الممكن أن تكون في أغلبها مجتمعات محافظة.

 

وأضاف أن بعض الأفراد أو المجتمعات لا يكتفي فقط بأن يتحدث عن تعرض الفتاة للتحرش اللفظي، وإنما يصبح هناك إشاعة وزيادة في القصة وتأليف وغيره وهو ما يدفع إلى السكوت عن ظاهرة التحرش.

وأشار الشريفين إلى تبرير بعض الأشخاص تحرش الذكور بالإناث بطبيعة اللباس الذي ترتديه المرأة،  وهذا بحد ذاته خاطئ ولا يمكن أن يكون السبب الرئيسي، ففي كثير من الأحيان تتعرض المنقبة والمخمرة والفتاة التي ترتدي لباسًا ساترًا للتحرش.

 

مبادرة جدولة 

بّين المحامي سند خاطر قائد الفريق الفائز بالمركز الأول في مؤتمر تضامن الأخير الذي حمل اسم "الحماية الاجتماعية للمرأة في ضوء أهداف التنمية المستدامة"، الفريق الذي عمل على إنشاء تطبيق "جدولة" الذي يُعنى بمحاولة الحد من ظاهرة التحرش ومساعدة الإناث على التصرف في حالة التعرض للتحرش.

وأشار خاطر إلى أن فكرة المبادرة جاءت بعد رصد عدد من الحالات لسيدات تعرضن للتحرش بأشكاله المختلفة، واستنادًا الى دراسة علمية قام بها معهد تضامن للسيدات ذُكر فيها تعرض 33% من السيدات للتحرش في أماكن عملهن، وقد جاءت مبادرة جدولة بفكرة إنشاء تطبيق الكتروني يشكل بيئة آمنة تتمكن فيه السيدات المتعرضات للتحرش من التواصل مع أصحاب الخبرة في شتى المجالات لمساعدة المرأة على التصرف بشكل سليم يضمن لها سلامتها وردع وإخافة المتحرش. 

وأوضح خاطر أن تسمية المبادرة بـ"جدولة" جاء لارتباط هذه الكلمة بشكل مباشر بالأنثى، لأنه يشير الى الترابط والتداخل والاندماج وهذا ما تهدف إليه المبادرة وهو دمج السيدات مع مؤسسات المجتمع المدني وتشبيكها معها بما يؤمن لها الحماية والمساعدة.

 

محاربة ظاهرة التحرش تستوجب العديد من التدابير على المستويين المجتمعي والحكومي، وإجراء بعض التعديلات على القوانين بحيث تصبح أكثر مواءمة مع المجتمع وتكون رادعة لمرتكبي فعل التحرش وكذلك تفعيل دور الإعلام في التوعية حول مخاطر هذه الظاهرة وضرورة محاربتها.

أضف تعليقك