هل نستطيع إغلاق ملف"الغارمات" في الأردن؟!.

قبل يوم واحد عن الإعلان عن بدء شهر رمضان "13 نيسان الجاري" تنفست ثمانون سيدة أردنية الصعداء وخرجن من دائرة سوداء تعرف محليا ب "الغارمات" بعد أن قامت وزارة الأوقاف بسداد ديونهن التي تجاوزت مجتمعة مبلغ 58 الف دينار أردني .

 

هذا الإجراء الإيجابي جاء ضمن خطة صندوق الزكاة - الجهة المكلفة رسميا بمتابعة ملف الغارمات - لمساعدة الأسر الفقيرة بالأردن بحسب وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الذي أكد  أن السداد جاء "ضمن الضوابط القانونية ولمن كان بحقهن طلبات قضائية".

 

رغم ايجابية ما تم إلا أن الطريق مازال طويلا لإغلاق هذا الملف المقلق نهائيا، بأبعاده الإقتصادية والإجتماعية ويبالغ البعض بالتلميح لأبعاد سياسية مخفية تحت بند "محاصصات موارد التمويل التي ترد إلى المملكة بالمجمل".

 

واقعيا ليس هناك جدوى من تجزئة إغلاق هذا الملف بشكل موسمي أو من باب الهبات والعطايا، والأصل وضع خطوات الحل ضمن جدول زمني واضح بأبعاد : ماذا متى وكيف؟ لكي نعرف ما المطلوب عمله ومن سيقوم به ومتى من المتوقع أن ينتهي ذلك الإجراء.

 

إذ لا يعقل أن "أحمد" لا زال يسدد أقساط دين والدته منذ عام 2018 ، لتسديد كلفة دراسته الجامعية عبر أخذها قرضا لمشروع صغير راكم عليها الديون وحولها من أم وجدة إلى مطلوبة قضايا! .

 

اعتادت "فاطمة" والدة أحمد التعنيف من قبل زوجها للأسف ن ولم تجد الحماية من أحد وجاء هذا الدين ليزيد العنف أضعافا من زوج مقيم معها في المنزل ولكنهما منفصلان جسدا وعقلا وروحا ومسؤوليات. تتحمل وحدها مسؤولية أبنائها بكل تفاصيلها ومصاريفها.

 

نقلت فاطمة إلى المستشفى نتيجة كسر في القفص الصدري وفتح تحقيقا بالحادث الذي تولته "حماية الأسرة" باعتباره عنفا اسريا، ووجهت بالفعل تهما للزوج وتم حبسه ، لكن المفاجأة: خرج المعنف بكفالة، وحبست "فاطمة" المطلوبة قضائيا إثر دين تمت مضاعفته أضعاف قيمته الحقيقة في قضية اختلط فيها النصب والاحتيال والابتزاز وانتهت رقما في قائمة "الغارمات"

 

لا يوجد عدد دقيق للغارمات في الأردن "باستثناء أرقام هنا وهناك لا تعني شيئا أمام معاناتهن كهاربات من دين قد لا يتجاوز قيمته 100 دينار أحيانا أو قسطا لا يتجاوز الـ50 دينارا وفقا لشهادات ناشطين كثر في هذا المجال.

 

قبل عام وبعد جائحة كورونا أصدرت الحكومة قرارا بعدم الحبس على القضايا المالية، إلا النساء حبيسات ديون الفقر تلك، ما زلن رهينات الخوف من ملاحقة الدائنين و القروض وتؤرق الأقساط  حياتهن وتذكرهن بقصص عديدة لنساء تم إلقاء القبض عليهن علانية في الشارع أو أماكن العمل.

 

صحيح أن الحبس توقف ولكن الحاجة لدى الأسر الأردنية زادت أضعافا،  فالنساء فقدن وظائفهن بسبب الجائحة أكثر من الرجال، وارتفعت نسب البطالة بين الرجال والنساء وتعمق مظاهر الفقر والحاجة نتيجة للتراجع الاقتصادي العميق في الأردن.

 

  تختلف أعمار النساء وحالاتهن الإجتماعية وأسباب لجوئهن للشركات الإقراضية وتلك التي تبيع بالأقساط، فهي متاحة أكثر لاصطياد المقترضات، إذ يكفي أن تبرز السيدة هويتها المدينة وتكفلها سيدة أخرى فقط، فتتجه لها المحبطات والمحتاجات واليائسات من النساء متجنبات البنوك التي تتطلب شروطا مشددة للإقراض.

 

لا بل تقوم شركات بالإيقاع بالسيدات عبر مندوبات ومندوبين يطلق عليهم "مندوبي ارتباط" وهن غالبا من النساء ، عملهن "تسكير التارغت" بعدد محدد ، وغالبا بصدفة خبيثة تقطن الضابطة في الحي نفسه فيتم الضغط على السيدة لسداد القرض بطريقة محرجة وعلنية، وبالطبع تضطر الدخول مرة أخرى في دائرة مغلقة من الاستدانة لسداد قسط المبلغ الذي ذهب أصلا لسداد الدين فقسط ،فدين ، فقسط، فمذكرة ضبط قانونية من جهاز التنفيذ القضائي" .

 

تلك المذكرة التي حولت نساء إلى حبيسات بيوتهن خوفا من القبض عليهن كما هو حال الحاجة سلام 67 عاما ، سبب لها دين بقيمة 470 دينار جلطة دماغية و شللا نصفيا يتوجب عليها مراجعة المستشفى كل 15 يوما لإجراء طبي حرج ولكنها لم تغادر البيت منذ عام خوفا وقهرا وخجلا.

  

ليس دائما يكون الشريك أو أحد أفراد العائلة من الذكور هم من دفع سيدة إلى الإستدانه، بل تتبرع من تلقاء ذاتها إلى "التصرف" في حال حاجة الأسرة لذلك، إذ غالبا ما تشعر النساء أمهات وشقيقات وزوجات، بأن تأمين حاجات الأسرة هي مسؤوليتها المباشرة وهو ما يعرف بعلم الاجتماع "بالاستلاب المجتمعي " أي أن تتبنى المرأة دورا ليس مطلوبا منها ولكن تم التعارف بأن تقوم به ، فتقتنع بالفعل بأن عليها القيام بذلك.

 وهناك حالات غير منطقية للاستدانة بل توصف بعضها بالاستعراضية كشراء هاتف او الذهاب في رحلة وفقا لسجلات جمعيات متخصصة لمساعدة "الغارمين والغارمات".

 

فليس " كل غارمة وغارم يستحق المساعدة" بحسب ليث حطيني مسؤول مشروع الغارمين في جمعية سنحيا كراما " تقريبا الجهة المدينة الوحيدة التي تعمل على الملف بشكل ممنهج" التي سددت 700 دين "غارم وغارمة" بقيمة 600 ألف دينار، ورصدت الجمعية مخاطر على النساء: التهديد من المؤسسات والشركات، الابتزاز الجنسي من الدائن وجهات أخرى، ودفعت غارمات للسرقة ومحاولة الانتحار وجرائم أخرى.

 

تحركت جهات عديدة لحل هذه المشكلة المجتمعية ، بدأت بمبادرة ملكية قبل 3 أعوام للتبرع للغارمات وإغلاق الملف، وتم تسليمه لصندوق الزكاة ولكن يبدو أن هذه الجهود لم تغلق الملف بعد، لأن مؤسسات الإقراض ببساطة لا تخضع للرقابة الكافية.

أضف تعليقك