هل المطلوب وصفي أم وصفته؟
يظلم الأردنيون أنفسهم كثيرا بالاستمرار بمقارنة أي رئيس وزراء يرأس حكوماتهم المعينة من الملك والمكلفة بإدارة شؤونهم العامة بوصفي التل رئيس الوزراء الأسبق الأكثر شهرة، هو ظلم مزدوج يطال من بعده لانعدام الخيارات في نادي السياسيين في بلد المليون وزيرا وظلم للنفس إن حلمت وتمنت تغيير واقع لا يرضي أحدا بأدوات عقيمة وأصوات صامته وقلوب خائفه.
وصفي( كما يحب أن يناديه الأردنيون) لم ينافسه حتى الآن ا ي سياسي أردني على الإطلاق منذ دخل مجال العمل العام و استلامه رئاسة الوزراء ثلاث مرات في الأردن ( 1962 و 1965 وحكومته الأخيرة 1970 التي استمرت سنة واحدة قبل اغتياله 28 تشرين الثاني / نوفمبر 1971 في العاصمة المصرية القاهرة، قيل ان عملية الاغتيال نفذتها منظمة أيلول الأسود !
هذا الحب والتقدير والحنين الذي يبدو أنه يزيد مع الزمن و يكشف يوميا عن حاجة الأردن لسياسيين أكفاء وليس موظفين وإداريين برتبة سياسيين كما هو حاصل على مدار عقود هشمت الإدارة الأردنية التي كانت متفردة في الإقليم وحولتها لكابوس مترهل عنوانها التردد والتنصل من المسؤولية.
سر رمزية "وصفي" أنه تصدى للعمل العام بعقل مواطن وقلب ثائر، لم يؤطره في عمله سوى المصلحة العليا للأردن ووفاءه للقضية الفلسطينية رغم ما قيل ويقال بخبث حينا وقناعة أحيانا أخرى، لم تعمل بالمحصلة إلا لتعميق خلاف وطني ضد مصلحة العليا للأردنيين والفلسطينيين سواء من حصل منهم على الجنمسية الأردنية واصبح مواطنا ومن ينتظر ومن يمسك على جمر الثبات والمرابطة في فلسطين المحتلة.
من الظلم مقارنة أي رئيس وزراء أردني برتبة موظف درجة عليا وبين من كان يرى نفسه موظفا لدى الشعب الأردني وحريصا على وجوده ومدافعا عن قضاياه المحلية والعربية.
كما أن الوقت لم يعد ذلك الوقت والأردن اليوم ليس الأردن القرن الماضي برجاله وقواه وارتباطات السياسة فيه التي تتصدى لإدارة ملفات ينافس المحلي الإقليمي والدولي في التعقيد وانغلاق الأبواب وشح الفرص وبالتأكيد فإن الحكومات التي لا تملك الولاية العامة لن تقوى حتى على تلمس مفاتيحها.
والواقع صعب سياسيا واقتصاديا بل واجتماعيا، وشكل القوى والسلطات والدولة الذي لم يعد كما كان : الاقتصاد مرهون ومكبل بديون وعجز وتبعية لم نشهدها قبلا، وانعكس ذلك سلبا على كل القطاعات وصلت للعلاقات الاجتماعية الراسخة.
لا مكان للمقارنة لأن الإقليم أيضا ليس كما كان فليس من السهل الإبقاء على حليف أو صديق بل من الغباء الاحتفاظ بواحد، فلم يعد مستغربا أن يتنقل صناع القرار السياسي في أي بلد ومن بينها الأردن من جهة لجهة ومن حليف لآخر بلا خوف ولا وجل ولا حتى حياء أحيانا كما يعرف عن أبجديات علم السياسة التي عزز غياب الأخلاقيات عنها حاليا انفلات صنع القرار الدولي وتجييره بحسب مصالح جماعات ضغط متفرقة هنا وهناك على امتداد خريطة العالم.
فالأشخاص اليوم هم من يتحكمون بتلك العلاقات والتحالفات والشراكات سياسية كانت ام تجارية وتعمل لصالح جماعات يبدو أنها تدير الشأن العام ولكنها تدير الدول على نمط إدارة الشركات متعددة الجنسيات.
فكيف نبرر اتخاذ قرارات سياسية عشوائية، تراجع الإدارة والخدمات ، تعمق مشاكل اقتصادية ، زيادة نسب البطالة، وتردي الوضع العام.
احتل الأردن المرتبة 53 من أصل 180 في الحرية الاقتصادية لتقرير مؤسسة التراث الأمريكية عام 2019، المرتبة 127 في "مؤشر السعادة " من بين 149 بحسب دراسة للأمم المتحدة عام 2019. و حصل على علامة 3.8 من عشر في مؤشر الديمقراطية لعام 2020 ويحتل المرتبة السابعة عربيا في تراجع حريات الصحافة بحسب "مراسلون بلا حدود".
والإصلاح السياسي والإداري ليس افضل حالا فكل المحاولات حتى اليوم تصب في الحوار والتنظير ولم تدخل حيز التطبيق رغم الحاجة الضاغطة لذلك على جميع المستويات.
وحتى المواطن الأردني لم يعد هو نفسه كما كان الذي كان يتصدى للتبرع لبناء مدارس ومراكز صحية في القرى والأطراف خمسينيات القرن الماضي ويتكفل الأهالي بجزء كبير من رواتب المعلمين والمعلمات احساسا منهم أنهم شركاء ، لم يعد هذا النموذج موجودا على الأصح لم يعد بالإمكان أن يتواجد فالضرائب المرتفعة أمام الخدمات المتواضعة، وغلاء الأسعار والمعيشة وارتفاع نسب البطالة تنهش قدرته على المبادرة والتحمل وتصادر حلمه بحقوق دستورية مكفولة من تعليم وغذاء وصحة ومسكن.
المطلوب اليوم ليس وصفي وإنما وصفته، لا نحتاج سياسي موظف نزق ضيق الصدر وظيفته أن يحمل دفتر ملاحظات ويفتح الأبواب وغلقها وإنما سياسي قادر قول رايه بصدق وعلى اتخاذ قرار بقناعة اصيله يخدم المصلحة العليا فقط ويعيد الاعتبار للسلطات الثلاث ويدعم استقلاليتها ويضمن أن لا تتجاوز أي منها على الأخرى .