بقِيَت الأردنية أم خليل تكافح طَوال 5 سنوات لتعول أولادها الخمسة بعد وفاة زوجها في بيت متآكل تتسرب منه قطرات المطر ليخطف دفء العائلة، إلا أن الموت خطف الدفء الأكبر عندما توُفّيَت أم خليل قبل أشهر مخلّفة جدة وأطفالاً يتربص بهم البرد والعوز.
إلا أن الجدة لم تُترك وحيدة في مواجهة البرد، إذ يتسارع متطوعون أردنيون شباب في سباق مع الزمن قبل هطول الأمطار لتركيب ألواح معدنية، لمنزل السيدة في مخيَّم جرش للاجئين الفلسطينيين (شمال العاصمة)، وهو اسم مخيَّم غزة بسبب النسبة العالية لأبناء القطاع بين سكانه، التي تصل إلى 90 بالمئة.
يعاني أغلب ساكني المخيَّم من أوضاع مادية صعبة، بسبب تعقيدات تتعلق بالعمل لكونهم من حملة الجوازات الأردنية المؤقتة، أوضاع دفعت متطوعين تابعين لجمعية "باب الخير" إلى العمل التطوعي، لترميم منازل المحتاجين في المخيَّم الذي تشكّل الأسقف المعدنية "الزينكو" القسم الأكبر من أسقف المنازل داخله.
أحمد الريان، 26 عاماً، من مخيَّم غزة، وهو أحد الشباب المتطوعين في مبادرة "زينكو"، يقول إن "أغلب المنازل في المخيَّم لا تصلح للسكن في فصل الشتاء، بسبب تآكل الأسقف المعدنية نتيجة عوامل الطقس. عملت في التطوع منذ المرحلة الدراسية الأساسية، بدافع الأوضاع الاقتصادية التي أراها في المخيَّم، ومدى صعوبة السكن في هذه المنازل في فصل الشتاء، خصوصاً أن أغلب المنازل التي رمَّمناها كانت لسيدات أرامل".
وأطلق المتطوعون الذين يعتمدون على التبرعات من أهل الخير اسم "زينكو" على مبادرتهم التي تنطوي تحت مبادرة أكبر "حملة الشتاء" والتي تتضمن أيضاً "كمشة دفا" لتوزيع الأغطية والتدفئة، وتغطي المبادرة المناطق الشعبية والفقيرة، في الأردن ومخيَّمات اللاجئين الفلسطينيين.
وتشمل "كمشة دفا" أيضا مبادرة اسمها "بدّل جرّتهم وكمّل طبختهم" تقوم على ملء أسطوانات الغاز للأسر الفقيرة.
سعيد راشد فيضي أحد المتطوعين في جمعية باب الخير، يقول لـTRT: "تَوجَّهنا إلى مخيَّمَي حطين وغزة للاجئين الفلسطينيين، لترميم المنازل، لكن وجدنا أن هذه المنازل المبنية من الطوب دون أساسات ولا تتحمل بناء سقف أسمنتي، لذا استبدلنا بالأسقف ألواحاً معدنية جديدة".
وحسب الفيضي "استطعنا أن نلمس حجم الدفء الذي بات في منازلهم من نبرة صوتهم، إحدى الحالات التي ساعدناها أرملة مصابة بعجز بنسبة 75%، ويعاني يتيمها من مرض نفسي. كانت مياه الأمطار تتسرب إلى منزلها من كل مكان".
ويقوم العمل بالكامل على تَطوُّع شباب وطلاب في المدارس والجامعات، من خلال تحالف مبادرات، وتَلقَّى أغلب الشباب التدريب بواسطة برنامج "جذور"، وهو فريق تَطوُّعي يقدِّم مجموعة من ورشات عمل ودورات متخصصة في إدارة مبادرة أو مشروع أو حتى نشاط تطوعي باحترافية.
ويرى الفيضي أن "تفعيل دور مؤسَّسات التعليم في الخدمة المجتمعية ينعكس على طلابنا ويصقل شخصيتهم التطوعية وينمّي لديهم حسّ المسؤولية والشعور تجاه الآخرين".
وأنجز المتطوعون ترميم 9 منازل من أصل 30 منزلاً في مخيَّمَي غزة وحطين، بتكلفة تبلغ 140 دولاراً للغرفة الواحدة، تُجمَع من خلال التبرعات.
نائل حنون، صاحب شركة "جدران" للديكور والتشطيبات، أحد الأشخاص الذين تَطوَّعوا في مبادرة "زينكو" داخل مخيَّم غزة، يقول لـTRT إنه يشعر بفرح كبير عندما يرى ردّ فعل العائلات التي تُرمَّم منازلها، خصوصاً أن هذا العمل لوجه الله تعالي، يقول: "نحن شركة حديثة في السوق نسبيّاً، اتفقت مع شريكي زيد البريشي أن يكون لنا بصمة، خصوصاً في مساعدة المحتاجين".
وعن آلية العمل يقول حنون: "نرمّم المنزل كاملاً لجلب الدفء لهذه الأسر التي تعاني تَسرُّب مياه الأمطار بسبب تآكل الأسقف المعدنية، إذ تركّب الشركة جسوراً حديدية متينة، ثم تستبدل بالأسقف المعدنية، وتعزلها من أعلى وأسفل كي لا يدخل الهواء".
ولا يكتفي هؤلاء المتطوعون بجلب الدفء للفقراء والتخفيف عنهم في فصل الشتاء، إذ يجوبون مناطق المملكة الفقيرة كافَّةً بحثاً عن دفاتر الديون في البقالات والمخابز والصيدليات، ويسددون ديون الأسر المحتاجة تحت اسم مبادرة "صفحتك بيضا"، دون علم صاحب الدين.
حسب الفيضي، بدأت فكرة "صفحتك بيضا" منذ ما يقارب عامين، عندما اراد متطوعون بالجمعية اللجوء إلى طريقة مختلفة بالتخفيف عن الفقراء، فتبادر إلى ذهنهم فكرة سداد ديون الأسر المحتاجة التي تستدين احتياجاتها الأساسية من طعام وخبز وحتى أدوية".
لهذه الغاية شكّلَت جمعية "باب الخير" للعمل التطوعي فريقاً من 500 متطوع يجمعون البيانات والمعلومات عن الأسر المحتاجة في المناطق الفقيرة، ويعملون على سداد ديونها التي وصلت في بعض الأحيان إلى مئات الدنانير للأسرة الواحدة.
يقول الفيضي إن "بعض دفاتر الديون تَحوَّل لونه إلى الأصفر من قِدَمه، ولم تتمكّن أسر من سداد ما عليها بسبب الظروف الاقتصادية، وجدنا ديناً على إحدى الأسر بمئات الدنانير، آثر صاحب الدين الصبر لسنوات لأن المَدِين غير قادر على الدفع".
وتدرس جمعية باب الخير من خلال متطوعين حالات الأسر، وتحدّد الاحتياجات الاقتصادية، من خلال قاعدة البيانات التي يوفّرها المتطوعون والجمعيات المحلية في المناطق الفقيرة.
وتأتي هذه المبادرات التطوعية في وقت يعاني فيه المواطن الأردني ظروفاً اقتصادية صعبة، إذ قدّرَت الحكومة الأردنية عدد الفقراء في الأردن بمليون فقير، منهم ثمانية آلاف لا يجدون قوت يومهم، حسب دائرة الإحصاءات العامَّة.
المصدر: TRT عربي