نجوع معاً أو نشبع معاً
لم يمض 12 ساعة على تهجم أحد أولياء الأمور الأردنيين على معلمات في مدرستهن حتى عاد معتذرا،مشهد الاعتذار يشي بحكاية الإضراب كله.
يبدو أن ضغطا شعبيا يتعرض له كل من يحاول الاعتراض على إضراب المعلمين. من هنا تجد السلطات التنفيذية صعوبة في إقناع الناس بموقفها، فلجأت الى القضاء، في خطوة اعتبرت شاهدا على سوء إدارة الحكومة للأزمة من جهة وعجزها عن الوقوف في وجه المجتمع بأسره من جهة أخرى.
كل ذلك فهمه المعلمون منذ البداية لهذا سارعوا الى التقاط معاناة الأردنيين اليومية وهم يرفعون شعار "نجوع معاً أو نشبع معاً". إن الشعار يسند معاناة المواطنين أمام توحش السياسيات الاقتصادية التي قادتها حكومة هاني الملقي وتسلمت الراية عنها حكومة عمر الرزاز.
كان نائب نقيب المعلمين الأردنيين، ناصر النواصرة، يدرك كل ذلك، وهو يطلق الشعار لإضراب المعلمين الأردنيين الذين يشارفون على أسبوعهم الخامس في التوقف عن العمل للمطالبة بعلاوة مهنية 50% على الراتب الأساسي، لتحسين أوضاعهم المعيشية.
من هنا يمكن فهم تلقف آلاف الأردنيين المتضامنين مع مطالب المعلمين، للشعار باعتبار حراك المعلمين يمثل "حائطا منيعا أمام تحالف السلطة، ورأس المال، وتحكم فئة قليلة بثروات البلد، والمناصب على مدار سنوات طويلة".
تصُم الحكومة الأردنية آذانها، وتغلق عينيها عن قراءة حالة التضامن الشعبي الواسعة مع المعلمين الأردنيين، ورفض أولياء أمور عن ارسال أبنائهم إلى المدارس رغم التهديد والوعيد، لتعيد إنتاج نفس العقلية في التعامل مع الأزمات واعتبار ملف المعلمين الأردنيين ملفا أمنيا، وليس مطالب معيشية كرستها سياسات حكومية متعاقبة قامت على الجباية وعدم العدالة الإجتماعية في تكافؤ الفرص.
رئيس الوزراء عمر الرزاز، رفع طموحات الأردنيين الى عنان السماء، وسرعان ما سقطت شعبيته الى الأرض، كما تسقط أوراق الأشجار المحيطة في مقر إقامته بجبل اللويبدة في فصل الخريف، بعد أن أحاط نفسه بأصدقائه الذين قفزوا الى مناصب حكومية ووزارية بسرعة صاروخية، وسط وعود بالنهضة، والتغيير لم يلمس لها المواطن الأردني أثرا.
اضراب المعلمين يعكس خللًا في العدالة الاجتماعية بين فئات المجتمع الأردني، ولا تحاول الحكومة النظر إلى ذلك الإضراب بدءًا من جذور المشكلة، الناتجة عن السياسات الاقتصادية الحكومية التي خلفت جيوشًا من الفقراء، بعد أن سار الاقتصاد الأردني، على وصفات لصندوق النقد الدولي التي رفعت الدعم عن السلع، وفرضت الضرائب، ورفعت الأسعار متجاهلة تآكل مداخيل شرائح واسعة في المجتمع كما هو حال المعلمين.
الإضراب تجاوز، مفهوم الأزمة بين نقابة المعلمين، والحكومة، وأصبح المعلمون صوت المواطن الذي بات يشعر أن فئة قليلة متخمة تتحكم وتتمتع بامتيازات على حساب قطاعات واسعة جائعة من المجتمع الأردني في ظل تحلي الدولة عن مؤسسات البلاد لصالح الخصخصة، وتدني الخدمات رغم الضرائب التي أرهقت جيوب الأردنيين، ومن هنا وجد شعار"نجوع معاً أو نشبع معاً" قبولا كبيرا واصبح وسما على صفحات الأردنيين على شبكات التواصل الاجتماعي.
على الحكومة التقاط مفهوم هذا الشعار، بإعادة النظر بمجمل سياساتها الاقتصادية، وتخفيف العبء الضريبي، وخصوصًا على ضريبة المبيعات التي تتقاضاها من قوت وغذاء الفقراء، كون هنالك قطاعات أخرى واسعة تراجعت قدرتها الشرائية وباتت تشعر بأن العدالة غائبة في توزيع الثروات وهذا قد يكون له انعكاس خطير في المستقبل.
يمكن رصد تململ الأردنيين من الحالة الاقتصادية، نتيجة حقبة طويلة من معاناتهم المعيشية، والاقتصادية، وسلسلة متواصلة من السياسات والقرارات الحكومية المتعاقبة التي أوصلتهم إلى الحائط المسدود، وسط وعود بالخروج من عنق الزجاجة والرخاء والنهضة لم يلمس لها المواطن الأردني لها أثرا.