كيف تتسع هوّة التعليم في الأردن بسبب عدم المساواة؟- الجزء الثاني

الأطفال الأثرياء: تعليم نوعي؛ الأطفال الفقراء: تعليم متدني النوعية
طالبان يعودان للدراسة وجاهيا (وكالات)
الرابط المختصر

تحقيق مدفوع بالبيانات

يمكنكم قراءة الجزء الأول من السلسلة حيث يتم استكشاف فجوة الأداء التي لا تزال قائمة بين الأطفال الأغنياء والأطفال الفقراء، من خلال هذا الرابط. أما في هذا الجزء وهو الثاني من السلسلة، قمنا بمقارنة الوضع الاقتصادي لمنطقتيْن في الأردن تزداد إحداهما ثراءً فيما تزداد الأخرى فقرًا وكيفية اعتبار المدارس الخاصة وسيلة للخروج من الفقر، مع انه طريق على وشك أن يسد في وجه الكثير من الأهالي نظرا للوضع الاقتصادي الراهن بسبب جائحة كورونا التي تدفع الكثير من الأهالي الى المدارس الحكومية، واحتمال وقوع جيل من الشباب ضحية تهاوي جودة التعليم الحكومي. تم تصميم هذه السلسلة لمساعدة الأهل على التعامل مع القرارات الصعبة المتعلقة بتعليم أطفالهم.

 

الجزء الثاني: رهان أولياء الأمور الكبير على التعليم الخاص: نظرة من قلب الواقع

قررت إسراء، وهي معلمة في إحدى المدارس الحكومية في لواء البادية الشمالية الغربية، شراء سيارة في عام 2018 غير أنها لم تستطع تغطية جميع أقساطها. فقامت بنقل ابنها الصغير، عمر، من مدرسة خاصة إلى مدرسة حكومية. إسراء، التي تم تغيير اسمها لحماية وظيفتها وخصوصية أطفالها، هي أم لأربعة أطفال من زواج سابق تتكفل بتعليمهم بمفردها. قامت بتقييم الخيارات المتاحة أمامها وقررت أن أفضل استثمار لعائلتها هو تغطية أقساط سيارتها والدروس الخصوصية لصفوف التوجيهي لابنها البكر، على أمل أن يتمكن على الأقل من اكتساب مقعدًا في الجامعة.

 

التحديات في عملية جمع البيانات لهذه القصة مألوفة لإسراء ولآلاف أولياء الأمور في جميع أنحاء الأردن الذين يحاولون اتخاذ أفضل القرارات لمستقبل أطفالهم. فقد أمست هذه القرارات محفوفة بالصعوبات لا سيما أن الوباء يلحق الأضرار بالوضع المالي للأسرة وبتعليم الطلاب. حتى قبل حلول الوباء، كان من المستحيل تقريبًا على أولياء الأمور اتخاذ قرارات موضوعية بشأن اختيار المدرسة الأفضل لأطفالهم. فلا معلومات مُتاحة للعموم ولا حتى بيانات أساسية عن جودة المستوى التعليمي لكل مدرسة أو عن مواردها أو أدائها أو حجم الفصل الدراسي فيها أو نتائج الاختبارات أو مؤهلات المعلمين. بشكل عام، الأمر ينطبق على كل من المدارس الحكومية والخاصة. الأمر كناية عن رهان وقد يكون باهظ الثمن. 

 

"في مدرسة خاصة بحكوا انها كثير منيحة… بعتمد على مسموعيات المدرسة" أم ومعلمة في مدرسة خاصة في المفرق



 

يشير تحليلنا إلى أنه عندما يكون أولياء الأمور قادرين على تحمل تكاليف المدرسة الخاصة، فمن المرجح أن يقوموا بنقل أطفالهم إليها. المدرسة الخاصة هي تجارة كبيرة في الأردن إلا أنه رغم ذلك لا يعرف أولياء الأمور غالبًا ما يحصلون عليه مقابل أموالهم. كل ما يعرفونه هو أن المدرسة الحكومية المحلية تواجه صعوبات جمة في تقديم تعليم نوعي. تستند بيانات هذا الجزء  من سلسلتنا  إلى التقارير الإحصائية السنوية للأعوام الدراسية 2017-2018 و 2018-2019 و 2012-2013 التي تنشرها وزارة التربية والتعليم وتحتوي على أرقام متعلقة بعمليات الالتحاق بالمدارس الخاصة والحكومية وعدد المدارس ونسبة الطلاب لكل معلم على مستوى المحافظة. أما مصدر البيانات الثاني لهذه القصة، فهو مسح دائرة الإحصاءات العامة لنفقات ودخل الأسرة 2010-2017 الذي شمل أسر في جميع أنحاء الأردن بناءً على منهجية أخذ العينات العشوائية العنقودية الطبقية على مرحلتين لضمان مستوى التمثيل المطلوب ومساعدتنا على تقييم التغييرات التي تشهدها ثروات العائلات في أنحاء البلاد.

 

الخيارات التعليمية من خلال منظار العائلات، البيانات

 تروي هذه القصة تجربة معلمين ومدراء في المدارس الحكومية وجدوا أنفسهم أمام الاختيار الصعب المتعلق بإلحاق أطفاله في التعليم الحكومي أو الخاص وهو الاختيار نفسه الذي واجهته آلاف العائلات في الأردن. بعض الأمهات من محافظة شهدت فيها العديد من العائلات ازدهارًا اقتصاديا في السنوات الأخيرة ويتمتع بالتالي العديد من أطفالها بالتعليم الخاص  فيما تأتي أخريات من محافظة ينحدر فيها الوضع الاقتصادي  حيث شهدت العديد من العائلات انخفاضًا في دخلها واضطرت إلى اتخاذ القرار الصعب بسحب أطفالها من المدارس الخاصة وتسجيلهم في المدرسة الحكومية المحلية آملين خيرًا.

 

قبل حلول الوباء، شهدت العديد من العائلات في محافظة البلقاء نمو دخلها بمعدّل بلغ تقريبًا ضعف المعدل العام لنمو الدخل في المملكة ككل، الأمر الذي يشير إلى أن هذه العائلات أصبحت أكثر ثراءً مقارنة بما كانت عليه قبل بضع سنوات.

 

هذا وتخلّفت في المقابل العائلات في محافظة المفرق عن الركب اقتصاديًا حيث ينمو دخل الأسرة بوتيرة أبطأ من بقية البلاد، مما يعني أنه على العائلات اتخاذ قرارات صعبة تتعلق بكيفية توزيع ميزانياتها المنحسرة.

 باتت العائلات الآن في خضم جائحة الكورونا في جميع أنحاء الأردن تواجه عدم استقرار اقتصادي وتكاليف تعليم لم تكن في الحسبان الأمر الذي يطرح تساؤلات جديدة حول قدرة الحكومة على تعليم أبنائها. تم إعداد هذه السلسلة لمساعدة أولياء الأمور على التعامل مع القرارات الصعبة المتعلقة بتعليم أطفالهم، وذاك من خلال التسليط على منظور الأهل الذين اضطروا إلى اتخاذ قرارات صعبة تخص  عائلاتهم حيث يقدم هذا الجزء من السلسلة بيانات حول نوع التعليم الذي قد يتلقاه أطفالهم. تشارك الأمهات اللواتي يعرفن النظام المدرسي عن قرب الخطوات التي اتخذتها بأنفسهن لتعليم أطفالهن بموارد محدودة.

 

الجائحة تثير التساؤلات حول الهوة الحاصلة بين القطاعين الحكومي  والخاص

لم تتوقع إسراء، الأم من محافظة المفرق، أن عليها  تحمل المزيد من النفقات لضمان وصول أطفالها إلى  المواد التعليمية من المنزل للتعلم عن بعد حلول الوباء. إذ كان عليها توفير إنترنت عالي السرعة في المنزل بالإضافة إلى شراء جهازين لأطفالها للتمكن من الاتصال بصفوفهم عبر الإنترنت. وباتت الآن مقيّدة بعقد مدته سنتان تسدد بموجبه 38 دينارًا شهريًا لقاء خدمة الإنترنت  ولو أنها غير واثق من جودة  التعليم الذي يحصلون عليه. بصفتها معلمة، هي تعتقد أن الأطفال بحاجة إلى تواصل وتفاعل أفضل مع المعلم/ة وأن التعلم عبر الإنترنت يمكن بسهولة أن ينحرف عن هدفه بسبب عناصر تشتيت الانتباه العديدة على شبكة الإنترنت مثل تطبيقات الرسائل النصية والألعاب وما إلى ذلك.

 

"واحد من كل خمسة طلاب في الصف الثاني غير قادر/ة على قراءة كلمة واحدة من فقرة قراءة، بينما ما يقرب النصف غير قادرين على احتساب معادلة طرح واحدة بشكل صحيح وهم بالتالي يفتقرون إلى مهارات القراءة والكتابة والحساب الأساسية التي تتيح تنمية المهارات المعرفية" - تقييم البنك الدولي لمساندة إصلاح التعليم في الأردن

مع  تفاقم الحالة المعيشية  للعديد من العائلات خلال الوباء، شهدت المدارس الخاصة انخفاضًا كبيرًا في وتيرة الالتحاق بها. ومع ذلك، فقد أظهرت تجارب سابقة أنه عندما تتمكن العائلات مجددًا من تحمل تكاليف التعليم الخاص، فإنها غالبًا ما تستثمر في هذا الخيار. فالعديد من أولياء الأمور يتساءلون عما إذا كان التعليم الحكومي سيئ لهذه الدرجة وفي حال كان كذلك، ماذا يجب فعله لتحسينه؟

تُظهر التقارير الدولية حول نظام التعليم الحكومي في الأردن صورة قاتمة. وقد ورد في تقييم البنك الدولي لعام 2017 المعد ليُسترشَد به في عملية منح الحكومة قرض لإصلاح نظامها التعليمي: "واحد من كل خمسة طلاب في الصف الثاني غير قادر/ة على قراءة كلمة واحدة من فقرة قراءة، بينما ما يقرب النصف غير قادرين على احتساب معادلة طرح واحدة بشكل صحيح وهم بالتالي يفتقرون إلى مهارات القراءة والكتابة والحساب الأساسية التي تتيح تنمية المهارات المعرفية". يُظهر بحثنا السابق أنه في ظل التحاق الأطفال بالمدرسة، فإن الأطفال الفقراء، الذين يميلون إلى الالتحاق بالمدارس الحكومية، يسجلون أداء دون المستوى بشكل مستمر مقارنة بالطلاب الأغنياء الذين يميلون إلى الالتحاق أكثر بالمدارس الخاصة أو الذين لديهم مدرسين خصوصيين أو يحضرون دروسًا إضافية.

 

المدرسة الخاصة ليست ضمانة بالضرورة لجودة التعليم: المدارس ليست مجبرة على الإفادة عن نتائجها

 

أفادت إسراء، الأم من محافظة المفرق التي أخرجت ابنها من المدرسة الخاصة لتتمكن من تسديد ثمن السيارة، أنه "لا توجد سوى مدرسة خاصة واحدة جيدة للغاية هنا. أتمنى لو كان بإمكاني تحمل تكاليف إعادة عمر إلى مدرسة خاصة وإلحاقه هذه المدرسة على وجه الخصوص". وأضافت قائلةً "أعرف أشخاصًا يرسلون أطفالهم إلى هذه المدرسة [الخاصة] ويقولون إنها جيدة جدًا. أعتمد على سمعة المدرسة في أوساط الأشخاص الذين أعرفهم". وتشكل بالتالي قصتها نموذجًا إذ إنه عند اختيار مدرسة خاصة، ما يقوم به أولياء الأمور في أحسن الأحوال هو التخمين.



خلال السنوات الخمس التي سبقت العام الدراسي 2018-2019، ألحق أولياء الأمور الأردنيون أطفالهم بالمدارس الخاصة والمدارس الحكومية بالمعدل نفسه تقريبًا على الرغم من إظهار أحدث بيانات الاختبار أن أداء طلاب المدارس الخاصة أفضل بشكل ملحوظ. هذا وتبيِّن بوابة بيانات وزارة التربية والتعليم التابعة للحكومة الأردنية أنهم يتتبعون المعلومات التي من المفترض أن تساعد الأهل على اتخاذ قرارات أفضل. وتوفّر البوابة قسم يُعنى بنسبة الأساتذة الحاصلين على تدريب متخصص في مجالات مختلفة ومتوسط ​​درجات الطلاب حسب المحافظات في الاختبارات الموحدة بما في ذلك الدراسة الوطنية التقويمية الشاملة لمهارات الاقتصاد المعرفي (NAfKE)، وهي عبارة عن تقييم على النطاق الوطني للصفوف الخامس والتاسع والحادي عشر بالإضافة إلى متوسط ​​الدرجات لدراستيْ (TIMMS) و(PISA) واختباريْ المرحلة الثانوية ومعدل النجاح في التوجيهي. للاطلاع على أداء الأردن في دراستيْ (TIMMS) و(PISA)، الرجاء مراجعة الجزء الأول من السلسلة. كل أجزاء لوحة المتابعة الخاصة بتدريب المعلمين ونتائج الاختبارات على موقع الوزارة فارغة ومتاحة باللغة الإنجليزية فقط.

مقتطف من منصة اوبن ايمس التى قامت وزارة التربية والتعليم الأردنية بإطلاقها يُظهر الرسوم البيانية فارغة لنتائج التقييمات الدولية والتوجيهي.

 

المعلومات الوحيدة المتوفرة عن تقييم جودة المدرسة هي ملخص جدول قامت بنشره وزارة التربية والتعليم يحدد في الغالب الموظفين والمرافق، بدلاً من الأداء. يتضمن التقرير القصير عدد المعلمين حسب الجنس وبعض الإحصائيات العامة عن المدرسة، بما في ذلك متوسط حجم الفصل والموقع للمدارس المختارة.

 

معدلات نجاح التوجيهي تشير إلى مدارس حكومية تعاني من ضغط شديد ومعلمين غير مؤهلين

أقل من أربعة من كل عشرة من طلاب المدارس الحكومية الذين تقدموا لاختبار التوجيهي تمكنوا من النجاح عام 2016/2017. وفقًا لجدول في تقرير لليونيسف، معدلات نجاح التوجيهي لطلاب المدارس الحكومية لا تتخطى إثنين أو ثلاثة من أصل عشرة في المحافظات حيث نسبة الالتحاق بالقطاع الحكومي مرتفعة بما يزيد عن ثمانية من أصل كل 10 طلاب، ومن ضمنها الكرك ومعان والمفرق والطفيلة.  في المحافظات التي تنخفض فيها نسبة الطلاب في المدارس الحكومية، يميل طلاب المدارس الحكومية إلى النجاح بمعدلات أعلى إلى حد ما، بحيث تقارب المعدل الوطني أو تتجاوزه، وقد يكون ذلك عائد إلى وجود ضغط أقل على نظام المدارس الحكومية.

وإذْ تُظهر بيانات وزارة التربية والتعليم انخفاض نسبة الطلاب للمعلم في المدارس الحكومية بشكل ثابت عن النسبة المسجلة في المدارس الخاصة، غير أنه في المقابل، وعلى عكس معظم البلدان، لا يبدو أن  زيادة عدد معلمي المدارس الحكومية تؤدي إلى نتائج أفضل، بحسب بيانات من البنك الدولي"في 2017/2018، كانت نسبة عدد التلاميذ إلى المعلمين في الأردن 15.9 وهي نسبة متوافقة مع النسب الدولية ولكن هناك تباينًا كبيرًا بين المدارس. يمكن أن يرتبط انخفاض نسبة عدد التلاميذ إلى المعلمين بجودة التعليم العالي، ولكن لم يكن هذا هو الحال في الأردن". تشير الدراسات إلى أن نوعية معلمي المدارس الحكومية قد تكون جوهر المشكلة، كما هو موضح في الجزء التالي من السلسلة. لا توجد بيانات حديثة حول معدلات النجاح في التوجيهي للمدارس الحكومية ولا توجد بيانات على مستوى المحافظة للمدارس الخاصة. إذا كان الضغط في المدارس الحكومية يشكل أحد العوامل، فقد تؤدي الجائحة إلى نتائج أسوأ حيث يتعامل المعلمون غير المؤهلين مع فصول دراسية مزدحمة.

 

الرسم 7: معدلات النجاح في التوجيهي والفارق بحسب المناطق

 

 

حتى بغياب أدلة قاطعة، نقلت العديد من العائلات في المناطق المزدهرة أطفالها إلى مدارس خاصة

قال إبراهيم العبداللات، مدير مدرسة السلط الثانوية للبنين الحكومية في البلقاء، إنه شهد توجهًا استمر حتى عام  2018 قامت بموجبه الأسر التي تزداد ثراءً بتسجيل أطفالها في المدارس الخاصة. أما الآن، يتوقع أن تنتهي تلك الأيام ويرى تزايد عدد العائلات التي ستعود للنظام الحكومي  بدافع الضرورة. كانت العائلات في البلقاء تشهد ارتفاعًا في مدخولها بمعدل ضعف معدل البلد بشكل عام، مما يعني أنها أصبحت أكثر ثراءً مقارنة بما كانت عليه قبل بضع سنوات فقط. مع ازدياد ثروات العائلات، شهدت المدارس الخاصة زيادة بنسبة 5٪ في الالتحاق، وفق تحليلنا لبيانات وزارة التربية والتعليم ودائرة الإحصاءات العامة. ويأتي ذلك على الرغم من أن متوسط ​​نسبة عدد الطلاب إلى المعلمين في المدارس الخاصة والحكومية متشابه إلى حد كبير في البلقاء. غالبًا ما استشهد أولياء الأمور في هذه القصة بجودة التدريس وإدارة الفصول الدراسية كمشكلات رئيسية في المدارس الحكومية، وهو الانطباع الذي تولد من خلال البحث الذي سيتم شرحه في الجزء التالي من السلسلة.

 

العائلات المقيمة في المحافظات التي تواجه صعوبات اقتصادية غالباً ما تختار التعليم الحكومي

 

وفقًا لأحدث البيانات، فإن المدارس الحكومية هي الخيار الأكثر شيوعًا لأولياء الأمور في المناطق التي لم تشهد سوى نمو اقتصادي ضئيل أو التي انعدم فيها هذا النمو. وقد أدى الوباء إلى تدهور اقتصادي على مستوى البلاد، الأمر الذي قد يؤدي إلى نزوح الطلاب على المدى الطويل من المدارس الخاصة إلى المدارس الحكومية. خلال السنوات القليلة الماضية، كان أولياء الأمور في المناطق التي لم تشهد نموًا قويًا في الدخل متمسكين بالتعليم الحكومي. تقوم العائلات في المحافظات ذات النمو البطيء في الدخل، والتي تشمل عمان والمفرق ومعان والزرقاء، بإرسال أطفالها إلى المدارس الخاصة بمعدل نمو أبطأ مقارنة ببقية المحافظات. وفقًا للبيانات، كان الاستثناء الوحيد لهذه القاعدة هو جرش، حيث كان أولياء الأمور يلحقون أطفالهم بالمدارس الخاصة بوتيرة أسرع مؤخرًا على الرغم من النمو الاقتصادي المحدود وقد يكون السبب عائدًا ربما إلى توفر مدارس خاصة أقل تكلفةً من المدارس الخاصة في المناطق الأكثر ازدهارًا. مع معاناة المملكة بأكملها من الناحية المالية، تشير هذه الاتجاهات إلى أن تعافي وتيرة الالتحاق بالمدارس الخاصة قد يستغرق وقتًا طويلًا.

لا صلة واضحة بين نمو الثروة وتوافر المدارس الخاصة

حسب البيانات، قرارات أولياء الأمور تستند في المقام الأول إلى الوضع المادي للأسرة وليس إلى توافر مدرسة خاصة في المنطقة. فقبل حلول الوباء، تم افتتاح المزيد من المدارس الخاصة في جميع أنحاء الأردن لتلبية العدد المتزايد من الطلاب. ولا يؤدي افتتاح مدرسة خاصة جديدة ضمن أي محافظة إلى تحول جذري نحو القطاع التعليمي الخاص على النحو الذي يؤدّي إليه تغيّر الدخل. وقد أظهرت البيانات عدم وجود ارتباط بين عدد المدارس وزيادة الدخل. فمحافظة المفرق، حيث النمو الاقتصادي وازدياد عدد طلاب المدارس الخاصة يسجلان وتيرة هي من بين الأبطأ بالمقارنة مع المحافظات الأخرى، تسجل افتتاح مدارس خاصة بمعدّل سريع يفوق المحافظات الأخرى. وفي الوقت نفسه تشهد البلقاء عكس واقع الحال هذا، إذا مع تزايد ثروات الناس يتزايد إرسال الطلاب إلى المدارس الخاصة لكن المدارس الخاصة الجديدة في المقابل تفتح أبوابها بمعدل أقل من المتوسط ​​على الصعيد الوطني. هذا ويتوقع العديد من الخبراء أن المدارس الخاصة ستبدأ بإغلاق أبوابها نتيجة الوباء.

 

عناصر السلامة وإمكانية الوصول والانطباع تملي اختيار المدرسة

قالت أماني عوض، معلمة في مدرسة حكومية وأم لولديْن وبنت وحيدة في البلقاء، إنها اضطرت إلى نقل ابنتها من مدرسة خاصة إلى مدرسة حكومية حيث تعمل هي كمدرّسة على الرغم من قدرة العديد من جيرانها على تحمل نفقات المدرسة الخاصة لأول مرة. قالت: "إلحاق الأطفال بالمدارس الخاصة يمكن أن يتسبب ببعض الضغوط الاقتصادية. اضطررنا إلى نقل ابنتنا إلى مدرسة حكومية وإبقاء الولديْن في المدرسة الخاصة." وأوضحت أن المدرسة الحكومية للبنين الكائنة في قريتها بدت مكتظة وتشهد عنفًا. وقالت إن المدارس الخاصة توفر أيضًا وسائل النقل لولديْها، وهي إحدى مزايا المدارس الخاصة التي تأخذها في عين الاعتبار هي وعائلتها عند الاختيار.

 

"التأسيس في المدارس الخاصة يُحدث فرقًا كبيرًا بالتأكيد ويمنح الطلاب منطلقًا أقوى، خاصة عندما يتعلق الأمر باللغة الإنجليزية"

- أماني عوض ، والدة ومعلمة من محافظة البلقاء



 

وأفادت أماني في هذا الصدد أن ابنتها اختبرت مرحلة تأقلم صعبة خلال عامها الأول في المدرسة الحكومية. ولاحظت وجود فارق في جودة التعليم مقارنة بالمدرسة الخاصة وأن الاهتمام بالفرد أقل في المدرسة الحكومية. وقالت إن ابنتها تكيفت منذ ذلك الحين وتفوقت في المدرسة الحكومية. وبما أنها تدرّس في مدرسة ابنتها، هي قادرة على الإشراف على تعليمها والتأكد من حصولها على أفضل النتائج. أوضحت قائلةً: "إنها تتصدر فصلها الآن". ولا شك بالتالي أن البدء في المدارس الخاصة يحدث فرقًا كبيرًا ويمنح الطلاب منطلقًا أقوى، خاصة عندما يتعلق الأمر باللغة الإنجليزية."

يُنظر إلى المدارس الحكومية في المحافظات التي كانت تشهد صعوبات اقتصادية، مثل محافظة المفرق، على أنها أقل جودة وتكلفة من المدارس الخاصة في الأجزاء الأغنى من البلاد. كما أنها غالبًا ما تقدم تسهيلات دفع بالاضافة إلى تأمين المواصلات. وبما أن التكلفة والجودة غير خاضعيْن للأنظمة الرقابية إلى حد كبير، تمسي العائلات التي تعاني اقتصاديًا على وجه التحديد الحلقة الأضعف. وعلى الرغم من ذلك، يبدي أولياء الأمور من المناطق النائية أسفهم على عدم وجود خيار التعليم المدرسي الخاص الكامل، وهي مسألة أثارتها سميرة* التي لا تريد ذكر اسمها الحقيقي في هذه القصة لحماية خصوصيتها وعملها كأمينة سر في مدرسة حكومية. وهي على غرار أماني، تعتقد أن التعليم التأسيسي الذي يتلقاه الأطفال في المدارس الخاصة لا يقدر بثمن، ولكن خيار المدرسة الخاصة غير متوفر حيث تعيش الآن. وقالت سميرة: "لاحظت أن مستوى تعليم ابني يتدهور ... المدارس الخاصة تقدم للأطفال رعاية أفضل مع الكثير من المتابعة وأوراق العمل والواجبات". منطقة سكنهم  الكائنة في الضواحي لا توفر خيار المدرسة الثانوية الخاصة بعد الصف الثامن وليس لديها وسيلة لنقل ابنها إلى مدرسة بعيدة.

"لا يزور المشرفون في وزارة التربية والتعليم المدارس الحكومية للذكور حيث أعيش ... أحيانًا يمر عام دراسي كامل لا تتخلله سوى زيارة واحدة أو تغيب فيه الزيارات على الإطلاق." - سميرة، الأم وأمينة السر في الثانوية الحكومية في محافظة المفرق 

سميرة ليست سعيدة بأداء طفلها الأكبر في المدرسة الحكومية، لذلك بدأت بإعطائه دروسًا خصوصية في المنزل بمادتيْ الرياضيات والفيزياء، لكنها لا تستطيع تحمل تكلفة المزيد. "أطفالنا يتعرضون للدمار أمام أعيننا ولا نعرف الحل". لاحظت ازدياد العنف وقلة المتابعة والإشراف في المدرسة الحكومية للذكور التي يرتادها ابنها الآن. وقالت: "لا يقوم المشرفون في وزارة التربية والتعليم بزيارة المدارس الحكومية للذكور حيث أعيش". "أحيانًا يمر عام دراسي كامل لا تتخلله سوى زيارة واحدة أو حتى من دون أي زيارة على الإطلاق".

إذًا، كيف يحدد نظام التعليم الحكومي الضعيف الإنتاجية في المستقبل؟

 

وفقًا البيانات البنك الدولي أن ضعف نظام التعليم في الأردن لا يمكّن الأفراد البالغين من الأردنيين من تحقيق سوى حوالي نصف إمكاناتهم، وتشير دراسة اليونيسف إلى أنه نظرًا إلى تدني جودة التعليم، لا يحصّل الطلاب سوى أقل من ثماني سنوات من التعليم الجيد على الرغم من بقائهم في المدرسة لمدة 12 عامًا تقريبًا  ليترتب بالتالي على ضياع السنوات الأربع هذه من التعليم النوعي تكلفة عالية، إذ  يعني أنه عند دخولهم سوق العمل، فإن الأردنيين سيحققون 56٪ فقط من الإنتاجية المتوقعة من شخص بالغ يتمتع بتعليم كامل وصحة جيدة. إنهم غير قادرين على شغل الوظائف التي تتطلب مهارات أعلى وتأتي بمرتبات أعلى.

مستقبل عُمَر

يطمح عمر نجل إسراء، وهو الآن في الصف السابع في مدرسته الحكومية شمال غرب البادية، إلى الانضمام إلى الجيش. قالت والدته إنه يحب اللعب ولا يحب الدراسة، لذا فهو سعيد بهذا الانتقال إلى المدرسة الحكومية. بالنسبة لإسراء، فإن نقله من مدرسة خاصة يعني أنه فقد إمكانية الوصول إلى نظام تعليمي يدفعه نحو التفوق. فمدرسته الخاصة كانت تكلّفه بواجبات  أكثر وتدفعه لإكمالها في المنزل. كما قالت والدته: "أعلم أنه لا يحب الدراسة ولكن مع المدارس الخاصة كان هناك المزيد من الاهتمام والمزيد من الواجبات المنزلية" وأوضحت: "الآن، في المدرسة الحكومية، يقضي وقتًا أقل في الدراسة".

وفي مقابلة مع فايز الفوز، الذي يعمل في مديرية التعليم العام وإدارة شؤون الطلاب في البادية الشمالية الشرقية في المفرق، قال إنه من الصعب كسر دائرة الفقر وإلهام الطلاب للسعي من أجل المزيد. وأوضح أن "معظم سكان البادية الشمالية الشرقية هم مزارعون أو يعملون لصالح القوات المسلحة الأردنية، والتي تعتبر وظائف منخفضة الأجر". وأضاف "من وجهة نظري، بغض النظر عن مقدار زيادة دخل المزارعين، فإنهم سيظلون يفضلون المدارس الحكومية على المدارس الخاصة".

 

في الجزء التالي من هذه السلسلة، سوف نستكشف الإصلاحات اللازمة لتحسين جودة التعليم الحكومي  في الأردن.

اقرأ ايضا:كيف تتسع هوّة التعليم في الأردن بسبب عدم المساواة؟- الجزء الأول