كمال النمري: شاهد ان صغار فلسطين لن ينسوا

الرابط المختصر

 

 

في الخمسينات من القرن الماضي أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن غورين مقولة «الكبار يموتون. والصغار ينسون» في محاولة فاشلة لإقناع العالم ان موضوع حق العودة للاجئين الفلسطينيين سيتم نسيانها مع مرور الوقت.

 

فكرت في هذه المقولة اليوم الجمعة 9-10 بعد وصول خبر وفاة المناضل الفلسطيني المقدسي كمال ناصر الدين النمري عن عمر يناهز 78 نتيجة مرض عضال في عمان. فمنذ ان قمت بمناسبة عائلة مدانات والتي كانت تسكن القدس ابان الاحتلال وانا اسمع بقصة عائلة النمري من زوجتي سلام واخوتها والذين كانوا يسكنوا مقابل منزله في منطقة وادي الجوز.

 

قمت بإعلام انسبائي عبر الفيسبوك بوفاة كمال النمري وسرعان ما رد فيليب مدانات على صفحة العائلة الخاصة: "جيراننا في وادي الجوز، من بواكير ذاكرتي كطفل كانت هدم بيتهم فجر يوم مقابل شقتنا في عمارة الفلوة." وأضاف شقيقه لبيب مدانات المقيم الآن في بريطانيا "ذكرى لا تزول يوم هدم منزلهم في وادي الجوز". يستمر لبيب مدانات بالقول "في إحدى زيارات الوالدين لنا برام الله...اخذت الوالد لعيادة شقيق كمال د. رستم النّمَّري (عظام) بالمستشفى الفرنسي بالشيخ جرّاح. سعد الوالد بلقاء الجار القديم ويمكن سعادة اللقاء كانت بلسم شفاء اقوى من فعل الدواء."

 

دقائق بعد تبادل الخبر عبر شبكات التواصل سطر الزميل عطا القيمري ما يلي:

 

"كنت طفلا في الثانية عشر من عمري عندما سمعت باسم كمال النمري. خرجنا يومها من مدرسة المطران ثلة من الطلاب لنكون شهودا على جريمة هدم منزل كمال النمري المناضل الذي عاقبته اسرائيل على كفاحه بحبسه مؤبدا وبهدم منزله في قلب القدس.

 

"دارت بي الايام والتقيته فيما كان يسمى في حينه "القسم" في سجن الرملة المركزي حيث يحشر أبناء القدس من المناضلين، فاذا بي أصبح وانا لا ازال ذاك الفتى اليافع زميلا ورفيقا لقامات نضالية كان كمال من أبرزهم. كان كمال شابا مميزا في كل شيء. في دماثة خلقه، في معنوياته العالية، في اخلاقه السامية، في وطينته المترفعة على الفئوية الضيقة، في تعليمه ، فقد كان من القلائل الذين تعلموا جامعيا وصار مهندسا قبل اعتقاله، بل وفي ثقافته العالية التي لم يكف عن تعميقها وتوسيعها.

 

"رآني ابني المهندس عصام اليوم حزينا فسألني عن سبب حزني فقلت له ان رفيقا عزيزا لي فارقنا اليوم. وقد سبق لي ان قصصت عليه بعضا من قصص كمال ومنها ضحكته الرنانة المتدحرجة المفعمة بالثقة والتفاؤل واكتفيت بترداد الضحكة كي اعرفه على من فقدته فعرفه. بعد تحرري من السجن تعرفت على شقيقه د. رستم وتصادقنا من يومها ابدا. التقيت بكمال لاحقا في عمان وكان لقاء لا يذهب أثره ابدا."

 

في السنوات الاولى من الاحتلال كانت عائلتنا قد انتقلت للعيش في بيت لحم مع عمتي وابنائها ومنهم مبارك عوض. وهناك كان لنا نفس المشهد حيث قامت القوات الإسرائيلية بنسف المنزل المقابل لبيت عمتي بسبب قيام أحد سكانه بعملية مقاومة. اذكر جيدا كيف كانت شقيقتي قريس متأثرة جدا من ذلك وكيف احتضنتها وأنا أكبر منها بقليل في محاولة لتخفيف عن الغضب الذي سببه لها هدم منزل جيراننا. لقد مر أكثر من خمسة عقود على تلك الأحداث ولكنها محفورة في ذاكرتنا وكأنها حدثت أمس.

 

بعد سنوات عدت لمنطقة وادي الجوز ضمن عملي الصحفي فقد بقي ركام منزل النمري قريب لعملي في صحيفة الفجر الإنجليزي التي كنت اديرها في الثمانينات من القرن الماضي كما وكانت قطعة الأرض التي تحتوي ركام المنزل والتي تقع امام المؤسسة الاكاديمية الفلسطينية لدراسات الدولية (باسيا) التي يديرها د. مهدي عبد الهادي التذكار الدائم بجريمة العقاب الجماعي والتي تعتبر جريمة حرب.

 

الكبار يموتون صحيح وهي ُسنة الحياة ولكن الأبناء والاحفاد لن ينسون. ان العقاب الجماعي التي قامت وتقوم به القوات الإسرائيلية ستبقى شاهد على جرائم الحرب التي لا ينطبق عليها التقادم.

 

ولد المناضل كمال في القدس في 15 سبتمبر/ أيلول عام 1942 وانضم لحركة القوميين العرب وهو على مقاعد الدراسة الجامعية في القاهرة. كان من الرعيل الأول المؤسس للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. اعتقل في العام 1968 من قبل الاحتلال لانخراطه الواسع في أعمال المقاومة ضد الاحتلال في منطقة القدس، وقد نفذ إحدى العمليات البطولية الجريئة والتي أدت إلى مقتل وإصابة العديد من الصهاينة، وعلى إثرها تم الحكم عليه خمس مؤبدات وعشرة أعوام. تحرّر في صفقة تبادل الأسرى التي عُرفت بعملية النورس في آذار عام 1979، وتم إبعاده إلى خارج الأرض المحتلة حيث استقر في الأردن.

 

يترك الفقيد خلفة زوجته المناضلة نجاح وأبنائه ناصر ونائل وماهر ومجد.