في القدس: تصادر الأرض ومعها السماء ( صور)
لا تغريك أعداد المستوطنين المتجولين في أسواق البلدة القديمة في القدس، فهناك أضعاف يتنقلون فوق أسطح محالها، ليخلقوا أبارتهايد من نوع جديد ويتمادون في تغيير معالم المدينة.
فبذريعة الترميم والتصليح، بدأت سلطات الاحتلال بسط هيمنتها شيئا فشيئا على أسطح المحال والبيوت، بإيكالها إلى "شركة تطوير الحي اليهودي" الاستيطانية، التي باشرت وسط غفلة المواطنين بإغلاق فتحات السقف الفاصلة بين المحل والآخر، ووضع السياج على نوافذها، وإحاطة ما علاها من بيوت بسياج تمهيدا لطرد سكانها، واستغلالها ككنس ومزارات يهودية.
الأسطح تحت قبضة الاحتلال
"أغلقوا كل الفتحات بين المحال لتصبح قسما واحدا، وفصلوا الرؤية الأفقية عن المواطنين، وأغلقوا كل المداخل والمخارج بهدف تدمير التواصل بين المحال وباقي أسواق المدينة"، قال الباحث الميداني فخري أبو ذياب لـ هنا القدس في جولة اصطحبنا بها في البلدة القديمة.
وأضاف أبو ذياب، "فتحت سلطات الاحتلال مداخل جديدة في المنطقة بعيدة عن الأسواق المقدسية، بهدف قتل وتدمير الاقتصاد المقدسي، ومنع السياح واليهود من دخول المحال العربية".
وخلال جولتنا شاهدنا مجموعة من السياح اعتلت سطح "سوق اللحامين" برفقة دليل سياحي يهودي. فعلق أبو ذياب، "في كل موقع نشاهد أدلاء سياحيين يروون الرواية اليهودية عن المنطقة ويزورون التاريخ، خاصة أن الأسواق تكاد لا تشاهد بالأصل من هذه المواقع جراء فصلها".
كنس ونقاط لمراقبة الأقصى
ولم يأت الاستيلاء على أسطح البلدة القديمة عفويا ضمن مخططات الاحتلال التهويدية، بل كان جزءا رئيسيا منها، فأسواق البلدة القديمة أقرب ما تكون إلى المسجد الأقصى، وتحيطه من جهاته كلها، وتكشف تفاصيله، ما يجعله تحت سيطرة كاميرات المراقبة، والنقاط العسكرية الإسرائيلية المنتشرة في محيطه.
وفي ذات السياق، لم يسلم "مسجد البرقوق" الواقع جزء كبير منه على سطح "سوق اللحامين" من التهويد، فقامت سلطات الاحتلال بإحاطته بساتر حديدي من كل الجهات. قال أبو ذياب، "استولى الاحتلال على جزء منه –أي المسجد- وحوله إلى كنيس ومنع المسلمين من الدخول إليه". مشيرا إلى أنه تم نشر العديد من النقاط العسكرية على الأسطح التي يتواجد فيها المستوطنون بكثافة، و منع المقدسيين من التواجد فيها، وأقيمت أيضا خيم لإقامة الصلوات التلمودية مقابل المسجد الأقصى.
ومررنا على منازل مقامة على أسطح أسواق البلدة القديمة، أفرغها الاحتلال وطرد سكانها منها تمهيدا للاستيلاء عليها، وبيوتا أخرى حولت إلى كنس تحت مسميات دينية مزورة مثل "مطاهر بيت المقدس".
أسفلها أنفاق وأعلاها كنس
لم يشفع لمحال البلدة القديمة التجارية كون أغلبيتها وقفا إسلاميا، من محاصرة الاحتلال لها من الأسفل بالأنفاق، ومن الأعلى بالكنس والمزارات اليهودية، ليصبح المواطن المقدسي محاصر في محله الصغير ومهدد بالطرد منه في أية لحظة .
حلمي أبو سنينة صاحب محل لبيع الخضار في البلدة القديمة، بين أن المستوطنين يتواجدون بكثافة فوق الأسطح، وأقاموا كنسا ومدارس تلمودية. " يحاول المستوطنون خلق مشاكل معنا ما دعانا لتجنب الخروج، ولكن نادرا ما نصعد على سطح المحل، أي إذا واجهتنا مشكلة ما وأردنا صيانتها". مضيفا،" لا نستطيع أن نضع ريشة على سطح المحل، لأن ذلك يعرضنا لمساءلة شرطة وبلدية الاحتلال، على الرغم من أن المحل وقف إسلامي وليس للاحتلال حق في الاستيلاء على سطحه".
من جهته، أوضح محمود السواق صاحب محل لبيع الكعك أن سلطات الاحتلال أقامت متنزهات ومزارات يهودية فوق المحال، واستولت على الأسطح بشكل كامل، "لا يمكننا توسيع المحل، أو تصليحه، كما ولا يمكننا أن نصعد سطحه إلا للأمور الطارئة".
وبين السواق أن سلطات الاحتلال عرضت عليه مبالغ هائلة مقابل مخبزه، بعد أن طردته وأسرته من منزله وهدمته بالكامل وحولته إلى متنزه، "سلطات الاحتلال لا زالت تعرض علي التخلي عن المخبز، وفي محاولة للتضييق استولت على سطحه وبنت فوقه".
في ذات السياق، أشار محمد شريف صاحب مخبر في البلدة القديمة، إلى أن تقصير الأوقاف الإسلامية مع هذه المحال أعطى سلطات الاحتلال الضوء الأخضر للاستيلاء عليها وتهويدها، "تفرض إجراءات أمنية مشددة علينا في حال حاولنا الصعود على سطح المحل، تمهيدا لمنعنا بالمطلق، وكبداية وتمهيد لمصادرة المحال، ونحن نتوقع ذلك في أية لحظة، وخاصة في ظل تقصير المسؤولين والأوقاف في مساندتنا ودعمنا، واكتفائها بملاحقتنا ومطالبتنا بالأجور".
ودعا شريف الأوقاف لاستغلال ما تبقى من أسطح منازل ومحال البلدة القديمة تحت سيطرتها، لحمايتها من من السرقة والتهويد.
الخطيب: معظم الأسطح وقف إسلامي
وعن دور الأوقاف في حماية أسطح محال البلدة القديمة، قال مدير الأوقاف الإسلامية في القدس عزام الخطيب، "اعترضنا للسلطاتالإسرائيلية على استيلائها على أسطح الأملاك الأوقاف الإسلامية منذ عشرات السنين" ، مبينا أن الأوقاف استطاعت سابقا استرجاع بعض المناطق التي سيطر عليها الاحتلال وأغلقت، بينما لم تتمكن من استعادة أخرى.
وردا على انتقادات أصحاب المحال لدور الأوقاف في حماية محالهم، قال الخطيب،" لدى الأوقاف أكثر من (1100 عقارا ) في البلدة القديمة مؤجر للناس بسعر بخيس، ومن يتكلم عن الأوقاف لا يعلم طبيعة عمل الأوقاف المهني والإنساني". مضيفا، "نحن مستعدون لتعديل وضع الأوقاف بالتعاون مع المواطنين لنبقى الدرع المنيع للمسجد الأقصى".
فالآن باتت الأسواق العربية تقف على حافة مفترق التهويد، فأسفلها حفر وأنفاق، و فوقها ممتلكات مزورة ومهودة، وفي ظل الصمت والإهمال المحلي والدولي أصبحت مراحل تهويد القدس بالكامل مسألة وقت لا أكثر!
هنا القدس