تخبطات اسرائيلية قد تؤجج صراعا دينيا
القرار الأخير الذي أقرته اليونيسكو، الهيئة العالمية للتربية والعلم والثقافة، حول مدينة القدس القديمة، والحرم القدسي الشريف والمسجد الإبراهيمي ليست له أية علاقة باليهود أو بالتاريخ اليهودي.
تظهر قراءة متأنية للقرار الصادر عن اليونسكو بأنه يتعلق بإسرائيل كدولة إحتلال وبممارساتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ومع ذلك، فإن المرء قد لا يلاحظ هذه الحقيقة إذا ما كان يتتبع وسائل الإعلام الإسرائيلية بقدر تتبعه لوسائل الإعلام العالمية.
دان قرار اليونسكو إسرائيل عن أفعالها ضد الفلسطينيين والمقدسات الفلسطينية، وذكّر العالم بأن محاولات خبراء اليونسكو المتكررة لدراسة الوضع على أرض الواقع ولقاء مسؤولين إسرائيليين وفلسطينيين صدها المحتل الإسرائيلي من خلال رفض إعطاء الخبراء فيزا او اللقاء معهم.
إن آلة الدعاية الإسرائيلية الرسمية قد تجعل قراءها يعتقدون بأن هذا القرار هو معادياً لليهود ولكنه قرار مناهض للاحتلال الاسرائيلي والذي ينص على عدم جواز قيام سلطات الاحتلال بتغيير اي تسميات في المناطق المحتلة.
فرغم انه لم يكن في القرار أية إشارة صريحة حول اليهود واليهودية، فإن كلمة الاحتلال تظهر 15 مرة في النص لأن هذا هو محور القرار.
عندما يتعلق الأمر بكيفية معاملة قوة الاحتلال الأراضي المحتلة، فإن القانون الدولي الإنساني مليء بالنصوص الواضحة حول ما هو مقبول وما لا يجوز، خاصة من حيث الحفريات والآثار والسرقة الثقافية وتغيير الأسماء التاريخية.
وفي إطار هذا التركيز أشارت اليونسكو إلى أسماء الأماكن المقدسة الإسلامية بحسب ما كانت عليها قبل الاحتلال ومنذ عدة قرون. لو كانت اليونسكو قد تصرفت بشكل مختلف، لكانت المنظمة الدولية ذاتها مذنبة بتغيير الأسماء الثقافية التاريخية.
أكدت منظمة اليونسكو في قرارها وفي الفقرة الثالثة "أهمية مدينة القدس القديمة وأسوارها بالنسبة للديانات السماوية الثلاث". وأيضاً، وفي إشارة إلى الموقعين المقدسين في الخليل الحرم الابراهيمي ومغارة المكفيلية، أكدت اليونسكو قناعة المجتمع الدولي بأن "الموقعين ذات أهمية دينية لليهودية والمسيحية والإسلام".
فشلت الحكومة الإسرائيلية اليمينية الحالية في الرد على القرارات الدامغة التي تكشف بوضوح الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة للقانون الدولي وقرارات اليونسكو، مركزةً على ما لم يذكر، بدلاً من التركيز على محور القرار الرئيسي.
للأسف حصلت الحكومة الإسرائيلية على المساعدة من مصدر غير متوقع، وهو المديرة العام لليونسكو، التي إنتقدت في تصريح صحفي القرار الذي تم التصويت عليه من قبل غالبية دول الأعضاء الذين عيّنوها.
قالت إيرينا بوكوفا في تصريحها إن "المسجد الأقصى/الحرم الشريف، المزار المقدس للمسلمين، هو أيضاً جبل الهيكل الذي يعتبر جداره الغربي أقدس مكان في اليهودية".
رد عليها "مشروع فلسطين" من بين ردود أخرى بورقة مفصلة مقتبساً عن علماء الآثار الإسرائيليين، الذين قالوا في تشرين الأول من عام 2015 أنهم لم يتمكنوا من إظهار العلاقة بين الحرم الشريف والهيكل اليهودي.
اقتبست الصحيفة هآرتس الإسرائيلية أن "علماء الآثار لا يستطيعون أن يشيروا بشكل قاطع إلى اي حجارة على أنها تعود إلى الهيكل الثاني، ناهيك عن الهيكل الأول".
إسرائيل وهي الدولة التي أعطيت الشرعية عند قيامها بموجب قرار من الأمم المتحدة، يجب أن تتجاوب بشكل أفضل بدلاً من أن تعارض قراراً صدر بأغلبية من قبل الهيئة الثقافية الرائدة في العالم.
الإسرائيليون الذين جمدوا علاقاتهم مع اليونسكو كون القرار لم يحتوِ على تعبيراتهم، يقدمون للعالم خدمة إذا ما فهموا وطبقوا القانون الدولي الذي يتم انتهاك نصه وروحه يومياً.
إن التعاون مع المنظمة الدولية بدلاً من تعليق العلاقات مع اليونسكو يكون الطريقة الصحيحة نحو الأمام، خصوصاً وأن المديرة العام قد أظهرت أنها قادرة على العمل بشكل مستقل.
عندما يتعلق الأمر بالقدس والمقدسات، يمكن في المقام الأول البدء بالتعاون الجاد والصادق مع وزارة الأوقاف الأردنية، التي تم تكليفها من قبل الفلسطينيين والعالم الإسلامي لتكون القيّم والراعي لثالث الحرمين الإسلامي.
في النهاية، فإن إسرائيل لديها معاهدة سلام مع الأردن ويمكن التوصل الى تفاهمات قد تكون أساساً لعدم تصعيد التوتر في القدس.
إن العودة إلى الوضع الذي كان في القدس قبل ايلول عام 2000 – كما طاب القرار- تلزم الإسرائيليين التخلي عن سيطرتهم الحصرية على باب المغاربة وتسليمها إلى وحدة حراس الأوقاف الأردنية/التي تعمل بصفة مشتركة مع الشرطة الاسرائيلية والتي تتمركز في جميع البوابات الأخرى من هذا الموقع الإسلامي الديني الفريد.
يمكن لأي شخص يرغب في زيارة الحرم القدسي الشريف، بما في ذلك الإسرائيليين، القيام بذلك من خلال البوابات المخصصة لزيارة السواح وخلال ساعات الزيارة.
في النهاية، المسجد هو للمسلمين من أجل العبادة في حين أن الآخرين، بما في ذلك اليهود، يمكنهم أن زيارة الموقع كسائحين. ولقد وافق الامريكان والاسرائيليون مع الملك الاردني على هذا المبداء.
الدين والمواقع الدينية هم قضية حساسة ومثيرة للمشاكل التي قد تسبب بسهولة انفجاراً إذا لم يتم التعامل معها بعناية وحكمة لذلك من الافضل على اسرائيل الدولة المحتلة ان تعود الى صوابها وتحترم القانون الدولي حول مسؤولياتها كسلطة احتلال بدل من اختلاق الاعذار ورمي الرماد بالاعين بخلق صراع ديني ليس موجود أصلا.
لقد لعبت الاردن دوراً إيجابيا في صيانة ورعاية الاماكن المقدسة في القدس وعلى إسرائيل احترام وتعاون مع الحكومة الاردنية في كل ما هو متعلق بالاماكن الدينية تجنبا للتخبطات الاعلامية الاسرائيلية والتي قد تؤجج صراع ديني العالم بأسره بغنى عنه.
- الكاتب صحفي فلسطيني من القدس*