في الأردن : بعد 11 عاما حبة شوكلاته لمن يستخدم الباص السريع

من المفترض أنه أصبح لدى الشخصيات العامة في الأردن وبخاصة الحكومية خبرة أفضل في التعامل مع التصريحات الإعلامية من حيث الصياغة التوقيت والمضمون، فالجمهور متابع  جيد ويتأهب لفحص وتصنيف اي تصريح كان.

إلا أن التجارب اليومية للأردنيين مع تصريحات عديدة تكشف عكس ذلك تماما، تصريحات غريبة متناقضة بين وزارتين تارة، وفي غير توقيتها تارة أخرى والأدهى والأمر التصريحات أو الإعلانات الرسمية والمشاريع الحكومية التي  تتعامل مع المتلقي باتجاهين :إما لإرضاه واستمالته بشكل ولغة طفولية بوعد "منحه كاسة ماء وحبة شوكولاته" إذا ما استخدم باص التردد السريع كما جاء بنص  إعلان  نشر على صفحة أمانة عمان الكبرى، وإما باستخفاف وسطحية كما تم في الحملة الإعلانية لاستخدام ذات الباص في شوارع العاصمة، تلك الحملة التي أثارت موجة من السخرية والاستغراب على مواقع التواصل الإجتماعي ؛ فكيف لطالبة جامعية مثلا أن  تبدي رأيها في استخدام الباص وسرعته وجودة خدمته والتعليم كان وما زال وجاها، وكيف لآخرين مهما اختلفت مواقعهم (بحسب الحملة) أن يبدو رأيا مشابها والباص أصلا لم يعمل بعد وحتى بدء تشغيله سيكون تجريبيا فقط وعلى مسار يتيم واحد فقط.

لسان حال  كثير من الأردنيين يقول كيف تطلب مني التريث في الحكم والدعم وانت تتعامل معي كطفل أن أصمت بعد صبر سنوات على نتائج مخيبة لتحسين منظومة المواصلات كحق لي  بحبة شوكلاته!!

استمرت تلك الموجة بسيل من  التعليقات و الفيديوهات الساخرة التي صورها مواطنون للتشغيل التجريبي للمسار الأول لمشروع الباص سريع التردد الحيوي الذي دشنه رئيس الوزراء بشر الخصاونة.

كان من المفترض ان يقوم بهذه المهمة  من يشغل منصب رئيس الوزراء الأردني وأمين العاصمة على الأقل قبل سبع سنوات تقريبا، ولكن هذه المناسبة تأخرت ما يقارب 11 سنة هي فترة انتظار الأردنيين للمشروع الأشهر لحل الأزمة المرورية المتفاقمة في العاصمة عمان.

 طبعا شملت التعليقات اللازمة والغامزة رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي الذي وضع حجر الأساس للمشروع عام  2009  المفارقة أن الرفاعي نفسه يرأس اللجنة الملكية لتحديث الإصلاح ومن مهامها تسريع وتيرة العمل على ذلك لكن السؤال كيف يضمن من أعلن عن بدء ابطا مشروع والأطول في تنفيذه في تاريخ المملكة عن تسريع وتيرة الإصلاح المرتقبة!!  .

بالتأكيد هو ليس مسؤولا عما تلى ذلك من تحديات واجهت المشروع من فترات توقف طالت العمل لسنوات، وصلت لتلميح البعض لشبهات فساد في تنفيذ بعض مراحله، ولكن بالنهاية المنظومة الحكومية (وزراء وموظفين كبار وأمناء عاصمة) ليسوا بريئين تماما من شبهات الضبابية والتباطؤ وعدم والوضوح والتأخير الغريب في تنفيذه، خاصة ان التشغيل النهائي للمشروع بكافة محطاته في داخل  العاصمة وبينها وبين المدينة الأقرب والأكثر كثافة وارتباطا مع العاصمة من حيث التبادل التجاري والخزان البشري للموظفين والموظفات وهي الزرقاء سيكون سيكون بعد عامين ونصف .

طبعا هذا تصريح رسمي ولكن بحكم التجربة لا يمكن أن يكون كافيا لإقناع الأردنيين الذين تعلمو من تصريحات (أمناء العاصمة منذ عام 2009 حتى اليوم) إن إعطاء موعدا لتنفيذ مهمة ما في هذا المشروع لا تعني أن تتم فعلا.

والأمر لا يقتصر فقط على هذا المشروع الذي شاب تصور المواطنين حياله الكثير من عدم الدقة والغموض، وهي إن كانت بالنسبة للبعض مسؤولية المواطن نفسه فهي بالتأكيد مسؤولية الأجهزة التنفيذية بلا نقاش، فلكل مشروع هدف وغاية وشكل ومراحل تنفيذ ولا بد لأن يتم توضيحها بدقة وبتفصيل تزيل اللبس تحقيقا لمعايير تقديم الخدمة للمواطن بدء من التعامل بشكل شفاف مع تلك الخدمة في كل مراحل تقديمها من لحظة التفكير بها مرورا بتنفيذها والانتهاء من تنفيذها، و درءا لأي مساءلة ، وفي أسوأ الأحوال ولأي سخرية  كما حدث فعلا واجتاحت مواقع التواصل الإجتماعي على الباص نفسه وعلى ممارسات مواطنين غير مسؤولة  لاستخدام مسارات الباص عبر سيارتهم معيقة سيره بشكل ملحوظ مسببة توقفه فيعلق في الأزمة المرورية التي كنا نعول عليه لحلها، واختتمت بدهسه مواطنا لم يستخدم ممرات المشاة الآمنة المحددة في المسار ولكن يبدو أنه لم يراها!!

هذه السخرية وهذا الاستخفاف من حق الحكومة أي حكومة أن تستهجنها بل وتطالب ممارسيها بالتوقف عنها وان تنتقد مواقع التواصل الإجتماعي ومستخدميها و لتيار واسع تصفه الحكومات بالسلبي الغاضب الذي يعظم الأخطاء وينسى الإيجابيات خاصة أن المشروع لو نفذ بشكل آخر كان فعلا سيكون تجربة ناجحة وحلا حيويا.

ولكن هذا التصرف الطفولي الساخر المستخف لكل ما تقدمة الحكومة الذي بات طابعا أردنيا عاما  أليس انعكاسا لتعامل رسمي  وصائي مع المواطنين وإبقاء هم بعيدين ومغيبين عن كيف تتخذ القرارات التي تخص حياتهم ومعيشتهم وصحتهم وتعليم أولادهم، وكيف يتم التصرف بأموال ضرائبهم، وكيف تتوزع الفرص بكل أنواعها بينهم شرقا وغربا شمالا وجنوبا.

جيد ان يتم تفعيل القوانين التي تراقب ما يدور في مواقع التواصل الإجتماعي ، ولكن قد يكون خيارا جيدا أن يتم البدء بتطبيق الدستور وباقي القوانين التي تضمن المساواة والعدالة بين مختلف المكونات لا يتعدى أحدها على الآخر بأي  بحجة محاصصة مهما كانت. 

 

أضف تعليقك