عن تعاون أردني خليجي لوقف تهريب المخدّرات
قبضت السلطات السعودية، في أواخر الشهر الماضي (أغسطس/ آب) على كمية كبيرة من المخدّرات، يصل ثمنها السوقي إلى مليار دولار. وضمن العملية الأمنية، قُبض على ستة سوريين وباكستانيين اثنين، كانوا قد أخفوا حبوب المخدّرات في شحنة طحين، كما أفاد الناطق باسم مكافحة المخدّرات السعودي محمد النجدي.
من الواضح أن آفة المخدّرات المدمرة للمجتمعات، خصوصاً المكون العائلي الأساسي، أصبحت تدقّ أبواب أصحاب القرار وكل مهتم في مستقبل المجتمعات. وتتعرّض السعودية، بالأساس، وباقي دول الخليج، لهذه الآفة في الوقت الذي تحاول فيه قياداتها الانفتاح الاجتماعي على العالم. والانفتاح يتطلب توفير الحريات الفردية، ولكن خطر المخدّرات مرض بحاجة إلى حلولٍ عائليةٍ ومجتمعية أولاً، ووطنية وعابرة للدول ثانياً.
وفي محاولة اقتلاع هذا المرض المتفشّي في مجتمعاتنا، يجب أن يكون هناك عمل قوي ومتماسك أولاً، لإيقاف مصدر المخدّرات، وثم توقيف ناقلي ومهرّبي تلك المخدرات الضارّة في المجتمعات وردعهم. والمؤكّد أنّ دول مجلس التعاون الخليجي قادرة على معالجة الأمر الداخلي لديها، مستخدمين عدة أدوات معروفة من العمل مع العائلة والمجتمع، ومن تشديد الرقابة على ما يدخل ويجري تداوله داخل البلد. لكن، المشكلة الأكبر، والتي تجب معالجتها بنظرة شمولية كيفية وقف المخدّرات من مصدرها.
قررت قيادة الجيش الأردني تغيير قواعد الاشتباكات، وجرى إيضاح للجميع أنها لن تتهاون مع مهرّبي المخدرات
مصدر غالبية المخدرات المصانع الكيميائية التي نشأت في السنوات الأخيرة في عدة دول، خصوصاً الدول فاقدة السيطرة الإدارية المركزية. ولن يكون مفاجئاً للقارئ أنّه قد يكون أهم مصدر لتلك المخدرات وأكبرها في مناطق جنوبي سورية وغربيها، وهي في معظمها تحت سيطرة القوات الإيرانية وقوات حزب الله التي جاءت لدعم نظام بشار الأسد.
ومعروف أنّ عملية تصنيع المخدّرات وبيعها مربحة مالياً، ما يعني أنها مصدر دخل كبير للقائمين على صناعتها، كانوا تجار مخدّرات أو من تلك القوى نفسها. وفي الحالتين، القوى الأمنية المهيمنة في تلك المناطق مستفيدة مادياً لاستمرار عمليات التصدير، والتي في الغالب تمر من خلال الأردن إلى دول الخليج، وأهمها السعودية.
كان الجانب الأردني، في البداية، يتعامل مع حالات التهريب بالإمكانات وبالقدر الممكن، لكنّ الأمور تغيرت بعد تبادل النار مع المهرّبين، فبعد مقتل اثنين من قوات حرس الحدود الأردنية، وإصابة ثلاثة آخرين، في شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، قررت قيادة الجيش الأردني تغيير قواعد الاشتباكات، وجرى إيضاح للجميع أنها لن تتهاون مع مهرّبي المخدرات، وأن كل التقييدات الداخلية قد ألغيت، ما يعني أن من يحاول اختراق الأراضي أو الأجواء الأردنية سيدفع ثمنا باهظا. وقد اشتبكت القوات الأمنية الأردنية مع مهرّبين من جنوب سورية. وكانت النتيجة مقتل مهرّبين كثيرين، إلّا أنّه، رغم تغيير قواعد الاشتباكات، لم يتم ردع المهرّبين ومن وراءهم، والذين زادوا من محاولاتهم لحماية مصادر تمويلهم ورفاههم.
وضع الأردن شبكة كبيرة من كاميرات المراقبة تتجاوز 800 كاميرا، لكنّ الحدود الأردنية السورية تتجاوز 375 كيلومتراً، وهي مسافة كبيرة تحتاج مئات الدوريات على مدار الساعة، للحفاظ على نقاء الحدود من مهربي المخدّرات المسلحين والذين يهرّبون الأسلحة أيضاً. وللمهربين أساليب وأجهزة وبرامج حواسيب حديثة، تحتاج برامج محدثة وبشكل دائم، ما يشكّل تكلفة وساعات طويلة من الخبراء في مجال الحماية الإلكترونية، وكلّها أمور مكلفة لدولةٍ غير نفطية، يعاني شعبها من بطالة تزيد عن 21%، وقد خرج كباقي العالم من جائحةٍ كلفت الخزينة الكثير، وزادت من الديْن العام.
ليس ما يحدث على الحدود الأردنية السورية خاصا بالأردن، بل معضلة بحاجة إلى حلول مشتركة، تعمل خلالها كل الدول المتضرّرة مع القوات الأردنية، لضمان وقف تهريب المخدّرات المصنعة في الجنوب السوري وفي البقاع اللبناني، والتي تقف وراءها مليشيات ودول ليست مهتمة بمصالح الأردن أو دول الخليج قاطبة.
أثبتت عملية وقف المخدّرات المهربة في السعودية والمهرّبين من جنسيات دولٍ، تغيب عنها القيادة المركزية والنية في وقفها، أن الأمر بحاجةٍ إلى تعاون على أعلى المستويات، وتوفير كل المتطلبات التقنية والمادية لوقف تام لهذا الأمر المضر للفرد، والعائلة، والمجتمع، والوطن. التغاضي عن هذه المشكلة ووضع الرأس في الرمل، كما تعمل النعامة، لن يحل المشكلة، بل يعقّدها. الخطر حقيقي، لكنّ الحلول موجودة، لو توفر العمل المشترك والنية الصادقة وتجاوز أيّ أمر أو خلاف جانبي.