ساحر التطبيع جون كيري ودموع جولييت عوّاد

الرابط المختصر

لم يكن التوقيع الرسمي على اتفاقية تبادل المياه المحلاة مقابل الطاقة بين إسرائيل والأردن، ومشاركة لبنان والعراق في إعلان تعاون إقليمي لمواجهة الاحتباس الحراري، مفاجئيْن، فمبعوث الرئيس الأميركي الخاص لشؤون التغير المناخي، جون كيري، هو راعي اتفاقيات الطاقة والبيئة التطبيعية بامتياز. لذا، كانت قمّة المناخ في شرم الشيخ المكان الأكثر ملاءمة لترسيم النشاطات التطبيعية. وعليه، فإن اقتراح مصر ضم العراق ولبنان إلى منتدى غاز المتوسط يصب في التحرّك الأميركي نفسه لربط كل مشاريع المنطقة بإسرائيل، وهو دور قاده جون كيري في عهد الرئيس باراك أوباما، استأنف دوره تحت مسمّى "البيئة" في عهد الرئيس جون بايدن، وانضم إليه مستشار أمن الطاقة، آموس هوكشتاين، لتكمل حلقة مشاريع "حماية البيئة" والطاقة غطاء للتطبيع العربي مع إسرائيل.

 

 

للتوضيح، ليس القصد التطبيع، بمعنى قبول عربي لإسرائيل، وإنّما أيضاً لفرض (وتثبيت) سيطرة إسرائيل على الطاقة وربط احتياجات الدول العربية، الأفقر في الغاز والنفط والمياه، بها، أي ترسيم تبعية اقتصادية وسياسية لتل أبيب. وأيضاً، لأميركا هدف استراتيجي دولي في ترسيم إسرائيل مُصَدّراً رئيساً للطاقة، أو منافساً لروسيا عالمياً وإيران إقليمياً، وحتى للدول العربية الحليفة لواشنطن، ففي حرب أميركا لضمان هيمنتها بوصفها القوة العظمى "الأوحد" لا تثق المؤسسة الرسمية الأميركية إلّا بـ"إسرائيل".

 

 

لم يكن التوقيع الرسمي على اتفاقية تبادل المياه المحلاة مقابل الطاقة بين إسرائيل والأردن، ومشاركة لبنان والعراق في إعلان تعاون إقليمي لمواجهة الاحتباس الحراري، مفاجئيْن، فمبعوث الرئيس الأميركي الخاص لشؤون التغير المناخي، جون كيري، هو راعي اتفاقيات الطاقة والبيئة التطبيعية بامتياز. لذا، كانت قمّة المناخ في شرم الشيخ المكان الأكثر ملاءمة لترسيم النشاطات التطبيعية. وعليه، فإن اقتراح مصر ضم العراق ولبنان إلى منتدى غاز المتوسط يصب في التحرّك الأميركي نفسه لربط كل مشاريع المنطقة بإسرائيل، وهو دور قاده جون كيري في عهد الرئيس باراك أوباما، استأنف دوره تحت مسمّى "البيئة" في عهد الرئيس جون بايدن، وانضم إليه مستشار أمن الطاقة، آموس هوكشتاين، لتكمل حلقة مشاريع "حماية البيئة" والطاقة غطاء للتطبيع العربي مع إسرائيل.

 

للتوضيح، ليس القصد التطبيع، بمعنى قبول عربي لإسرائيل، وإنّما أيضاً لفرض (وتثبيت) سيطرة إسرائيل على الطاقة وربط احتياجات الدول العربية، الأفقر في الغاز والنفط والمياه، بها، أي ترسيم تبعية اقتصادية وسياسية لتل أبيب. وأيضاً، لأميركا هدف استراتيجي دولي في ترسيم إسرائيل مُصَدّراً رئيساً للطاقة، أو منافساً لروسيا عالمياً وإيران إقليمياً، وحتى للدول العربية الحليفة لواشنطن، ففي حرب أميركا لضمان هيمنتها بوصفها القوة العظمى "الأوحد" لا تثق المؤسسة الرسمية الأميركية إلّا بـ"إسرائيل".

 

 

من المفيد التذكير بأنّ إسرائيل كانت دائماً تعتبر أنّ قوة الدول النفطية العربية تحدٍّ لها، وإنْ لبعض هذه الدول نوع من العلاقات المخفية مع تل أبيب، لكن اكتشاف الغاز الطبيعي، المسروق من الشعب الفلسطيني، فتح باباً غير مسبوقٍ لجعلها دولة طاقةٍ مصدّرة إلى العالم، ولاعباً مهماً في سوق الطاقة، لكنها كانت تحلم بخرقٍ علنيٍّ لدول الخليج، وجاءت الاتفاقيات الإبراهيمية لتحقّق هذا الخرق الذي يقول مؤيدو إسرائيل إنه غيّر قواعد اللعبة في المنطقة لصالح إسرائيل. وعليه، يجب مراقبة دخول إسرائيل إلى أسواق دول الخليج المنخرطة بالاتفاق الإبراهيمي، إذ إن تحولها إلى دولة مصدرة للغاز لا يغير طموح إسرائيل بالاستفادة من أموال النفط العربي.

 

تسير أميركا خطوة خطوة باتجاه ربط الدول العربية بإسرائيل، من دون رفض عربي

 

ما ورد أعلاه لم يغب عن بال جون كيري، حتى خلال قمّة المناخ، فقد صرّح، في مقابلة صحيفة هآرتس الإسرائيلية، إن إسرائيل قادرة على تصدير قدراتها التكنولوجية والاتصالات الرقمية للدول العربية، وبالتالي، بالتحديث، وعلى العرب الاستفادة من ذلك، إذ يعي كيري تماماً أهمية اختراق إسرائيل السوق، وبخاصة في الدول النفطية، وكذلك أهمية تسويق إسرائيل قوة "تحديث" للعالم العربي، كجزء من عملية التطبيع، ووضع أسس علاقة تبعية لتل أبيب. لكن كيري، ومنذ سنوات أوباما، يركّز على مشاريع التطبيع في مجالي الطاقة والبيئة، فقد كشف مسؤول أردني سابق لكاتبة هذه المقالة أن كيري ضغط على الأردن للدخول في اتفاقية الغاز مع الأردن. ووفقاً للمسؤول نفسه، هدّد كيري بتقليص المساعدات الأميركية أو قطعها عن الأردن إذا لم يقبل الصفقة، أي أن واشنطن لم تدع لعمّان فرصةً لبحث خيارات ومصادر غاز أخرى، بالرغم من أن حاجة الأردن إلى الغاز الطبيعي، حتى بعد تفجير خط الغاز المصري، لم يضع الأردن في وضع طارئ، وكان لديه الوقت لإجراء مفاوضات مع دول عربية لتأمين حاجتها من الغاز. ولكن إدارة أوباما كانت في حاجةٍ إلى هذه الاتفاقية، لأن توقيعها كان ضرورياً لوضع إسرائيل على قائمة مصدّري الغاز، ومن ثم قام كيري بدوره، فربط الأردن بمصدّر إسرائيلي للغاز، كان ضرورة لتعميق التطبيع الإسرائيلي - الأردني، ولا يعد سياسيّاً بالمعنى الضيق، وإنما استراتيجياً، فواشنطن كانت تؤمن على مدى عقود بأن التطبيع الاقتصادي هو مفتاح ربط "سلام دائم" كما تسمّيه هي، ولكنه يهدف إلى فصل الأردن واقتصاده عن الالتزام بالقضية الفلسطينية، فلا مكان لهذه القضية، ولو بالحد الأدنى، حتى تعتمد شعوب عربية على استمرارها الاقتصادي بعلاقتها مع إسرائيل والولايات المتحدة.

 

عاد كيري في عام 2021 ليقوم بدوره، ولكن هذه المرّة من باب "التعاون البيئي"، ففي الصيف الماضي استدعى العاهل الأردني، عبد الله الثاني، خبراء المياه في بلاده إلى اجتماعات لم يعلن عنها لبحث مشاريع مقدّمة من عدد مهم لمعالجة نقص المياه في الأردن، وكان من بينها مشروع تحلية مياه البحر الأحمر، وجاء على لسان أحد الخبراء أن الملك كان متفائلاً متحمّساً، ولكنه بحاجة إلى مصادر تمويل... ثم توقفت الاجتماعات بعد وصول مسؤول إماراتي رفيع المستوى إلى عمّان. وبعد فترة وجيزة، بدأ الحديث عن مشروع المياه المحلاة من البحر المتوسط، واستعمال إسرائيل الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء، وتبيّن أن الإمارات عرضت تمويل هذا المشروع، وهو خطّة أميركية، وقد نشطت بشأنها منظمّة تطبيعية إسرائيلية أردنية فلسطينية، تدعى الإيكو بيس، أشهراً قبل عرضها على الملك، فضغط كيري بدوره باتجاه اعتماد الخطة، وموّلت الإمارات المشروع، بدلاً من تمويلها مشاريع أردنية تستغني عن التعاون مع إسرائيل.

يجري ارتهان مستقبل الشعوب العربية لمخطّطات معلنة، لترسيم الهيمنة الإسرائيلية

 

فكرة مواجهة التغيرات المناخية عنواناً للتطبيع كان يجرى تسويقها في الصحف الأميركية لفترة ليست وجيزة، وخصوصاً منذ تبوأ كيري موقع المبعوث الخاص للتغيير المناخي، "لا يمكن مواجهة المخاطر البيئية من دون التعاون بين دول المنطقة، وبالأخص إسرائيل"، ليس تحت خطط الأمم المتحدة ومظلتها، وإنما باتفاقيات ثنائية وإقليمية، مدخلاً للتطبيع كما فعل كيري في قمّة المناخ، بالترتيب، وبالتعاون مع دول عربية، للاجتماع الذي جمع أول مرة كلاً من الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد ورئيس حكومة تصريف الأعمال اللبناني نجيب ميقاتي بوزيرة البيئة الإسرائيلية المتطرّفة تامار زاندبرغ في قاعة واحدة، وإلى إعلان تعاون إقليمي غير مسبوق لمواجهة التغييرات المناخية.

تسير أميركا خطوة خطوة باتجاه ربط الدول العربية بإسرائيل، من دون رفض عربي، بل يجري ذلك على أرض عربية، فيما يجري ارتهان مستقبل الشعوب العربية لمخطّطات معلنة، لترسيم الهيمنة الإسرائيلية. وفي عمّان، بكت بطلة مسلسل "التغريبة الفلسطينية" الممثلة جولييت عواد، بحرقة، أمام مبنى وزارة المياه، اعتراضاً على توقيع اتفاقية المياه مقابل الطاقة، صارخة "إن الموس قد وصل إلى الرقبة". صرخة من الوجدان خوفاً على وطن عربي يضيع، وكيري يصرّح بارتياح ورضى لصحيفة هآرتس الإسرائيلية أن إسرائيل تستطيع إنقاذ البيئة في المنطقة. المشهد سوريالي، يعيد أسطورة "عبء الرجل الأبيض في فرض الحضارة على المتوحشين" من أبناء الشعوب الأصلية، صورة محبطة، لولا أنّ في العقل، دوماً "عرين الأسود" الفلسطيني، الذي يذكّرنا كلّ يوم أنّ المقاومة ممكنة.

العربي الجديد