مشكورة الحكومة الأردنية لما عملته بالسماح للمقدسين أن يجددوا جوازات سفرهم في القدس الأمر الذي وفرعليهم صعوبة وتكاليف ومعاناة الوصول إلى عمان وانتظار تجديد الجوازات في العاصمة الأردنية. أيضاً مشكورة حكومة محمد اشتية للقائها نشطاء حملة الكرامة الذين نجحوا في إجبار الاحتلال إبقاء جسر الملك حسين مفتوحاً على مدار 24 ساعة.
لكن رغم تلك الإنجازات المميزة لا يزال هناك العديد من العقبات تواجه الفلسطينيين بشكل عام والمقدسيين بشكل خاص فيما يتعلق بالتنقل عبر الجسور المؤدية الى الأردن والعودة لوطنهم. وبما أن موضوع التسهيلات قد خرج إلى الرأي العام وأصبح يتناوله المسؤولون في كلا الطرفين، فمن الضروري أن يتم مأسسة ذلك من خلال وضع لجنة أردنية فلسطينية مشتركة لمعالجة كافة الأمور المتعلقة بالسفر والتنقل بين فلسطين والأردن.
فرغم التحسن الملموس في إجراءات السفر بشكل عام إلا أنه لا يزال هناك العديد من العقبات بعضها من الاحتلال، لكن بعضها الآخر يمكن معالجته من خلال التفاهم الودي بين الطرفين الفلسطيني والأردني.
فعلى سبيل المثال إن موضوع فتح الجسور على مدار 24 ساعة ليست صحيحه 100%. فهناك العديد من الشروط الإسرائيلية لذلك. فمثلا لا يشمل الأمر أيام الجمعة والسبت (وهي المفضلة للمسافرين) ولا يشمل الأعياد اليهودية علما أن سلطة المطارات والمعابر الإسرائيلية الأخرى لا تقلص ساعاتها أيام الجمعة والسبت والأعياد اليهودية.
كما وعلمنا مؤخراً أن الجانب الإسرائيلي يسمح لسكان الضفة الغربية الاستفادة من فتح الجسر لخمسة أيام في الأسبوع على مدار الساعة ولا يسمح للمقدسيين الاستفادة من تلك الميزات. الجانب الأردني الذي يرفض دائما التمييز بين المقدسي وغير المقدسي أصبح الآن ينفذ منع السفر إلى لجانب الآخر. برأيي، من الضروري إعلام المسافر أن فتح الجسر 24 ساعة لا يطبق على المقدسيين في الجانب الإسرائيلي، لكن قيام السلطات الأردنية بمنع المقدسيين السفر بعد الساعة 9 مساءاً يخرج من مسار التحذير ويدخل في مسار تنفيذ سياسة تفرق بين الفلسطينيين. من الضروري أن يرفض الجانب الأردني أن يكون طرفا في هذا التمييز مع أهمية أن يقوم بوضع إعلان بذلك لا أكثر.
في هذا المضمار لا بد من إعادة النقاش في التقييدات الأردنية على جسر الشيخ حسين وجسر الملك حسين فيما يتعلق بدخول المقدسيين حاملي جوازات السفر الأردنية. فليس واضحاً سبب إصرار وتشدد الأردن في إجبار المقدسيين السفر فقط عبر جسر الملك حسين في حين أن الطرف الآخر لا يمانع أن يسافر المقدسي إلى الأردن عبر أي معبر من المعابر الأرضية. وعمليا تسمح الأردن أن يصل المقدسي من مطار اللد، فلماذا تمنعه من السفر عبر جسر الشيخ حسين وهو معبر دولي مثله مثل المطار؟ ومن الغريب في الأمر أن فلسطينيي ال 48 حاملي جوازات السفر الإسرائيلية يسمح لهم بالتنقل عبر جسر الشيخ حسين بسياراتهم في حين تمنع الأردن (وليس إسرائيل) أن يستخدم المقدسي نفس المعبر بسيارته؟ فلو تم السماح للمقدسي عبور الأردن بسيارته لعزز ذلك وخدم السياحة الأردنية.
هناك من يقول أن قرار الأردن بمنع المقدسيين من استخدام جسر الشيخ حسين جاء بسبب طلب من أحد المسؤولين الفلسطينيين الأمر الذي لطالما نفاه الجانب الفلسطيني كان آخره موقف رئيس الوزراء الفلسطيني.
وفي نفس المضمار لا بد من توقف الأردن عن إجبار المقدسيين استخدام التصريح المكلِف جدا لكل سفره والذي تسري صلاحيته لثلاث سنوات فقط في حين يمكن للمقدسي الخروج من الجانب الإسرائيلي بوثيقة السفر "اللاسيه باسيه" الصالحة لمدة خمس سنوات والتي يذكر فيها أن حاملها له جواز سفر أردني. فالإصرار على التصريح يرفد للخزينة الإسرائيلية حوالي 20 ألف دينار يومياً وذلك من تكلفة تصاريح المقدسيين دون أن يكون لذلك ضرورة. فما العبرة من السماح للمقدسي السفر بوثيقة اللاسيه باسيه من مطار اللد الى مطار الملكة علياء ومنعه من استخدام نفس الوثيقة عبر المعابر الأرضية.
إضافة الى ذلك لا يزال هناك العديد من الأمور التي تستوجب المراجعة. فمثلا سعر الراكب بباصات الجت من الجانب الأردني إلى الطرف الآخر مرتفعة جداً حيث يدفع الراكب الواحد 4 دنانير لمسافة 3 كيلومتر فقط ودينارين لكل حقيبة. في حين أن القادم من فلسطين يقطع نفس المسافة ويدفع نصف المبلغ علماً أن مستوى المعيشة في فلسطين أعلى منه في الأردن. كما أن هناك حاجة لتخفيض سعر خدمة الVIP لنقل الراكب بين الجانبين مقابل 50 دولار من سكان الضفة الغربية و 100 دولار من سكان القدس. الأمر الأخير في هذا السياق هو فوضى السفر من الجسر الأردني إلى أي مدينة أردنية حيث هناك غياب لتسعيرة معقولة وعدم التزام تاكسي الجسر بالتسعيرة المعلنة مما يسمح لتدخل كبير من السيارات الخصوصية التي لا تخضع تحت أي إشراف رسمي.
كل هذه الأمور تهم الفلسطينيين بشكل عام والمقدسيين بشكل خاص وهي بحاجة إلى متابعة مستمرة من ممثلي الحكومتين الأردنية والفلسطينية. إن موضوع التنقل عبر الجسور أمر مهم سياسياً واقتصادياً وسياحياً ويجب أن يتم الاهتمام به على كافة المستويات وأن يتم التعامل معه بليونه وإنسانية نظرا لما له من تأثير كبير على صمود أهلنا في فلسطين عامة وفي القدس بشكل خاص.