بعد أكثر من ستة عشر عاما من العمل المتواصل في إحدى مؤسسات القطاع الخاص، وجد سائق أردني نفسه فجأة بلا عمل ولا راتب تقاعدي، إثر خطأ في تصنيفه المهني من قبل مؤسسة الضمان الاجتماعي، التي أبلغته في البداية بأنه مؤهل للتقاعد المبكر لكونه يعمل في "مهنة خطرة"، قبل أن تعود لاحقا وتقرر أنه لا يستوفي الشروط القانونية لذلك.
تروي زوجته أم يوسف لـ عمان نت بقولها " إن زوجي كان يعمل سائقا في الشركة منذ أكثر من 16 عاما، وكان يراجع فروع الضمان الاجتماعي باستمرار للاستفسار عن اشتراكاته، وفي إحدى المرات، أبلغه موظفو الضمان أنه مصنف ضمن المهن الخطرة، مما يتيح له التقاعد المبكر قبل سن الخمسين، وبناء على هذه المعلومة، قدم استقالته لاستكمال إجراءات التقاعد.
غير أن المفاجأة كانت صادمة، فبعد إنهاء فترة الإنذار وتسليم مهامه، اكتشفت لجنة من مؤسسة الضمان أن المركبة التي كان يقودها لا تصنف ضمن الآليات الخطرة وفقا للتعليمات، مما يعني أنه لا يستوفي شروط التقاعد المبكر، وبناء على ذلك، توقف راتبه ولم يعد قادرا على العودة إلى عمله، ليجد نفسه بلا وظيفة ولا تقاعد، رغم سنوات خدمته الطويلة.
خلل إداري وتقصير في التحقق
من جانبه، يؤكد خبير التأمينات والحماية الاجتماعية موسى الصبيحي أن ما جرى يعكس إشكالية أوسع تتعلق بضعف التحقق من تصنيفات "المهن الخطرة" في بعض المؤسسات.
ويقول الصبيحي إن هناك اعتقادا خاطئا لدى عدد من العاملين بأنهم مسجلون كمشتغلين في مهن خطرة، مما يمنحهم الحق في التقاعد المبكر قبل سن الخمسين، وفق شروط ميسرة، موضحا أن القانون يسمح للعامل في مهنة خطرة بالتقاعد عند سن 45 عاما إذا أكمل 18 سنة اشتراكاً للذكور، و15 سنة للإناث.
ويضيف أن ما حدث مع زوج السيدة أم يوسف لا يعني أن المؤسسة أقرت له بالتقاعد، بل أوضحت أن تسجيله كمشتغل في مهنة خطرة يتيح له طلب التقاعد المبكر متى استوفى الشروط، غير أن الخطأ وقع بسبب عدم التحقق من طبيعة عمله الحقيقية، إذ أظهر النظام الإلكتروني أنه مسجل في مهنة خطرة دون أن تكون هناك متابعة ميدانية تثبت ذلك.
ويرى الصبيحي أن الخلل في مثل هذه الحالات مشترك بين العامل، وجهة العمل، ومؤسسة الضمان الاجتماعي، مشددا على أن مسؤولية المؤسسة تكمن في الرقابة والتحقق المسبق من طبيعة المهن قبل قبول تصنيفها كمهن خطرة، لا بعد استقالة العامل أو انتهاء خدمته.
وفي حالة زوج السيدة أم يوسف، يوضح الصبيحي أنه ما يزال أمامه ثمانية أشهر فقط من الاشتراكات ليكمل الحد الأدنى المطلوب للتقاعد المبكر العادي، البالغ 252 اشتراكا 21 سنة خدمة، مشيرا إلى إمكانية اشتراكه اختياريا في الضمان الاجتماعي لاستكمال هذه المدة وضمان حقه في الراتب التقاعدي.
وبحسب الأنظمة والتعليمات الصادرة عن مؤسسة الضمان الاجتماعي، فإن تصنيف المهن الخطرة يستند إلى المادة 62 من قانون الضمان الاجتماعي رقم (1) لسنة 2014 وتعديلاته، وإلى نظام المهن الخطرة رقم 105 لسنة 2019، الذي يحدد المعايير الفنية والصحية لتوصيف المهن التي تعرض العاملين فيها لمخاطر جسدية أو نفسية عالية.
ويبلغ عدد المهن المصنفة ضمن هذه الفئة 45 مهنة رئيسية، أبرزها قيادة الحافلات الكبيرة التي تقل أكثر من 12 راكبا، قيادة الشاحنات التي يزيد وزنها الإجمالي عن خمسة أطنان، العمل في المناجم والمقالع، عمال الكهرباء في شبكات الضغط العالي، العاملون في الموانئ والمصافي والمناطق الصناعية الثقيلة.
ووفقا لبيانات مؤسسة الضمان، فإن عدد العاملين المسجلين في المهن الخطرة تجاوز 65 ألف مشترك حتى نهاية عام 2024، يشكلون ما نسبته نحو 4% من إجمالي المؤمن عليهم في المؤسسة، ويمنح هؤلاء العاملون امتيازات خاصة في احتساب التقاعد المبكر نظراً لطبيعة أعمالهم، بشرط تحقق المؤسسة من تصنيف المهنة وخضوعها لمعايير السلامة المهنية.
مسؤولية الشركات وضباط الارتباط
ويشير الصبيحي إلى أن كل شركة خاضعة لمظلة الضمان الاجتماعي ملزمة بتعيين ضابط ارتباط يمثل حلقة الوصل مع المؤسسة، ويتابع جميع الإجراءات المتعلقة بالاشتراكات والتصنيفات المهنية.
ويقول إن ضابط الارتباط يجب أن يكون على دراية بشروط المهن الخطرة، وأن يتحقق من أن العامل الذي يُدرج تحت هذا التصنيف يمارس فعلا عملا يندرج ضمنه، حتى لا يقع العامل ضحية لسوء فهم إداري.
ويؤكد أن بعض العمال يخسرون وظائفهم نتيجة هذه الثغرات، ليكتشفوا لاحقا أن مهنهم ليست خطرة، فيضطرون إلى استكمال اشتراكات إضافية للوصول إلى التقاعد المبكر العادي، الذي لا يمنح إلا بعد بلوغ سن الخمسين على الأقل.
ويدعو الصبيحي إلى تعديل قانون الضمان الاجتماعي ومراجعة نظام المهن الخطرة بما يضمن وضوح المعايير وتحديثها بشكل دوري، مؤكدا أن بعض المهن التي كانت تعتبر خطرة قبل سنوات لم تعد كذلك اليوم مع التطور التكنولوجي وتحسن بيئة العمل.












































